أيُّها المسلمون، أنتم في الأسبوع الأخير من شهر ذي القعدة، ثم يليه شهر ذي الحجَّة، وهو أعظم الأشهر حرمة عند الله تعالى، فيه العشرة الأيَّام الأولى قبل عيد الأضحى، التي هي أفضل أيَّام العام، والعمل الصالح فيها أعظم أجرًا ممَّا سواها، واليومان التاسع والعاشر يومان عظيمان، بل هما أعظم الأيام عند الله عزَّ وجل، فالتاسع هو يوم عرفة وهو يوم القر، والعاشر يوم عيد الأضحى وهو يوم الحج الأكبر.
فقد روى الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما بسند صحيح من حديث عبد الله بن قرط الثمالي عن النبيِّ قال: ((إنَّ أعظم الأيَّام عند الله يوم النحر، ثمَّ يوم القر)).
ولهذا أقسم الله بهما في قوله تعالى: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [الفجر:3]. فالشفع يوم النحر، والوتر يوم عرفة. فهما أعظم الأيام حرمة وأعظمها بركة. كما أنَّ ليلة القدر هي أفضل الليالي وأعظمها حرمة وبركة.
والحديث عن عظمة هذين اليومين وما فيهما من البركات يطول جدا، ولا يتَّسع له هذا المقام، ولكن سأتكلَّم عن منسكين يتعلَّقان بيوم النحر.
فقد خصَّ الله تعالى هذا اليوم بمناسك يتقرَّب بها عباده إليه، ففي هذا اليوم يعمل الحجَّاج أكثر أفعال الحج من رمي الجمار وذبح القرابين وحلق الرؤوس وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة. وأمَّا غير الحجاج فعليهم في هذا اليوم منسكان عظيمان: صلاة العيد والأضحية.
وإذ نحن على مقربة من هذا اليوم فينبغي على كلِّ مسلم أن يتهيَّأ لأداء هذين المنسكين على أحسن الوجوه وأكملها، من الإخلاص والاتباع اللذين هما شرط القبول في كل عمل صالح.
أمَّا المنسك الأول وهو صلاة العيد فقد شرحت لكم أحكامها في خطبة مضت.
وأمَّا المنسك الآخر الأضحية فهذا أوان بيانه:
فالأضحية هي شاةٌ يُتقرَّب بذبحها إلى الله تعالى بعد صلاة العيد، وهي سنَّة مستحبَّة على أهل كلِّ بيت من المسلمين، ممَّن وسَّع الله عليه في المال. وليست بواجبة لعدم الدليل على الوجوب، فإنَّ الاستدلال بحديث: ((على أهل كلِّ بيت في كلِّ عام أضحية)) الذي رواه أحمد وغيره من وجهين ليس بصحيح، وكذا حديث: ((من كان له سعة ولم يضحِّ فلا يقربنَّ مصلاَّنا)) رواه أحمد وابن ماجة والحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعًا، فالصواب أنَّه موقوف.
ولا يدلُّ على وجوبها أيضًا قول النبيِّ : ((من ذبح قبل أن يصلِّي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح)) رواه البخاري ومسلم، فهذا ليس صريحًا في الوجوب، بل هو أمر معلَّق بالشرط لبيان صفة الحكم، ولو أفاد الوجوب لكان السلف أسبق إلى فهم ذلك وتبليغه.
وعلى هذا جمهور الأئمة من السلف والخلف، أنَّ الأضحية سنة مستحبة لمن قدر عليها، غير واجبة. ولا يصح عن الصحابة غير هذا، وكفى أنَّه قول أبي بكر وعمر اللذين أمرنا بالاقتداء بهما.
وإذا علم هذا، فاعلم أخا الإيمان إذا كنت عاجزًا عن الذبح غير قادر على ثمن الأضحية كما هو شأن كثير منَّا بل كما هو حال أكثرنا، فإن كانت لك نيَّة صحيحة على إرادة التقرب إلى الله بالذبح فإنَّه سينالُك أجرها بتضحية غيرك. نعم، فإنَّ رسول الله ذبح كبشين وقال: ((اللهمَّ هذا عنِّي وعمَّن لم يضحِّ من أمَّتي)) رواه أبو داود وأحمد والحاكم.
ويتعلَّق بالأضحية آداب وأحكام وسنن نبيِّنها بعد حين، والحمد لله رب العالمين.
|