.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

خطبة استسقاء 6/1/1425هـ

3563

الرقاق والأخلاق والآداب

التوبة

عبد الباري بن عوض الثبيتي

المدينة المنورة

6/1/1425

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الاستغفار سبب لنزول الأمطار. 2- الأنبياء يحثون على الاستغفار. 3- حرص السلف على الاستغفار. 4- الحاجة إلى الاستغفار. 5- بركات الاستغفار وفوائده. 6- دعاء وابتهال.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فاتَّقوا الله حقَّ التقوى، قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].

وقال تعالى: فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12].

بيَّنت الآياتُ ـ عبادَ الله ـ أنَّ الاستغفارَ من الذنب سببٌ لنزول الغيث والإمداد بالأموال والبنين ونباتِ الأشجار وتوفُّر المياه، ذلك أنّ الذنوبَ والمعاصي إذا انتشرت في أمّة سبَّبت الشقاء والهلاك والقحطَ والجدْب، ولهذا أمر الله الناسَ عبر الأجيال بواسطةِ أنبيائه أن يُقلِعوا عن المعاصي، ويطلبوا الغفرانَ من الله على ما اقترفوه، حتى ينالوا رحمتَه ويجتنبوا غضبه.

فها هو نبيّ الله هودٌ يعِظ قومه بما ذكره القرآن: وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ [هود:52]. ويذكر القرآن كيفَ وعَظ النبيّ صالح قومه: لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل:46]، أي: هلاَّ استغفرتم ربَّكم حتى تنالوا رحمته.

والاستغفارُ معناه طلبُ المغفرة من الله بمحوِ الذنوب وسَتر العيوب، مع إقلاعٍ عن الذنب، وندَم على فعله، قال تعالى: فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود:61]، أي: أنَّ الاستغفار وسيلةٌ لاستجابة الدعاء.

وعن حاطب قال: سمعتُ رجلاً في السَّحَر بناحية المسجد وهو يقول: (يا ربّ، أمرتني فأطعتُك، وهذا السحَر فاغفر لي)، فنظرتُ فإذا هو ابن مسعود رضي الله عنه[1].

وكان ابن عمر رضي الله عنهما يصلِّي من الليل ثم يقول: (يا نافع، هل جاء السَّحَر؟) فإذا قال: نعم أقبَل على الدعاء والاستغفارِ حتى يصبح[2].

ها هم السلفُ رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، مع ما هم عليه من علمٍ وعمل وزهد وورع، كانوا قليلاً ما ينامون وبالأسحارِ هم يستغفرون، ومع ما كانوا عليه من خير كثير كان الواحدُ منهم يقول: "استغفارُنا يحتاج إلى استغفار". فيا عجبًا، يقضون الليلَ في عبادةٍ وصلاة، ثم يأتي السحَر فيستغفرون، كأنهم لا زالوا يشعرون بالتقصير.

وأوجبُ ما يكون الاستغفار عند الوقوع في مهاوي المعاصي وأرجاسِ الذنوب، وهنا يجدُ المسلم الاستغفارَ أداةً يتعلَّق بها لتقِيمه من عثرته، ومغسلةً يتطهَّر بها من أدران ذنبه.

المسلم بحاجةٍ إلى الاستغفار، فهو لا يستغني عنه أبدًا لا ليلاً ولا نهارًا، وتدبَّر حكمةَ الاستغفار دُبُر كلِّ صلاة، حتى لا يُعجَبَ المسلم بصلاته وعبادته، ويتألَّى بها على الله، كما تألَّى بعضُ الأعراب على الله ومَنُّوا على الرسول عليه الصلاة والسلام: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إِسْلَـٰمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَـٰنِ [الحجرات:17].

الاستغفارُ مع الإقلاع عن الذنب سببٌ للخصب والنماء وكثرة الرزق وزيادة العزّة والمنعة، وفي دعوةِ نوح قومَه ونُصحِه لهم نسمَع قولَ الله عزّ وجلّ: فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12].

هذا شعيبٌ عليه السلام يرى قومَه على أسوأ الأخلاق مع الشرك والإلحاد، فيلحُّ في نُصحهم للإقلاع عمّا هم فيه من ضلال، ويبشّرهم بأنّ ربَّهم رحيمٌ بعباده ودود، يرضَى عن عباده الصالحين، ويكفِّر عنهم ما مضى من سيِّئاتهم إذا أخلصوا النيةَ والتوجهَ إليه، وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبّى رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود:90].

فما أعظمَ بركاتِ الاستغفار، فهذه خزائنُ رحمةِ الله بين يديك، ومفاتيحُها الاستغفار، يقول ابن القيم رحمه الله: "وشهدتُ شيخَ الإسلام ابنَ تيميه رحمه الله إذا أعيَته المسائل واستعصَت عليه فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار والاستعانة بالله واللجوء إليه واستنزال الصوابِ من عنده والاستفتاح من خزائن رحمته، فقلَّما يلبثُ المددُ الإلهي أن يتتابَع عليه مدًّا، وتزدلِف الفتوحات الإلهية إليه، بأيّتهنّ يبدأ" انتهى كلامه رحمه الله[3].

أمّا كونُ الاستغفار سببًا لرفع البلايا فقد قال الله سبحانه في شأن نبيّه يونس عليه السلام: فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبّحِينَ لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143، 144].

ومن فوائدِ الاستغفار أنّه سببٌ لصفاءِ القلب ونقائه، فالذنوب تترك أثرًا سيّئًا وسوادًا على القلب، كما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((إنّ المؤمنَ إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تَاب ونزع واستغفر صُقِل قلبه، فإن زاد زادت، فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه: كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [المطففين:14]))[4].

أكثروا ـ عبادَ الله ـ من الصلاة والسلام على النبيّ المختار .

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وعلى آله وصحبه وسلّم.

اللهمّ أنت الله لا إله إلاَّ أنت، أنت الغنيّ ونحن الفقراء، اللهمّ أنت الله لا إله إلاّ أنت، أنت الغنيّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهمّ أغثنا، اللهمّ أغثنا، اللهم أغثنا، اللهمّ أغثنا غيثًا مُغيثًا مريئًا مجلّلاً، عاجلاً غير آجل، نافعًا غير ضار. اللهم تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد. اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذابٍ ولا بلاء ولا هدم ولا غرق. اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق.

اللهمَّ اسقِ عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدَك الميت.

اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرَّ لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك، واجعل ما أنزلته علينا قوَّةً لنا وبلاغًا إلى حين.

اللهمّ إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، اللهمّ إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، اللهمّ إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، اللهمّ إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأنزل السماء علينا مِدرارا، اللهمّ أنزل السماء علينا مدرارًا، اللهمّ أنزل السماء علينا مدرارًا.

اللهمّ أسقنا الغيث ولا تجعلنا من الآيسين، اللهمّ أسقنا الغيث ولا تجعلنا من الآيسين.

اللهمّ ارحم الأطفالَ الرُضَّع والشيوخ الركّع والبهائم الرتَّع، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، يا أرحم الراحمين، يا ربَّ العالمين.

اللهم أسقنا الغيثَ ولا تجعلنا من الآيسين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهمّ إنّا خلق من خلقك، فلا تمنع عنَّا بذنوبنا فضلك، اللهمّ إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنع عنَّا بذنوبنا فضلك، اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنَّا بذنوبنا فضلك.

ربّنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفِر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

اللهم أصلح لنا دينَنا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كلّ خير، والموتَ راحةً لنا من كلّ شرّ، يا ربّ العالمين.

اللهمّ اغفِر لجميع موتى المسلمين، اللهمّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

اللهمّ إنك عفوّ تحبّ العفو فاعفِ عنَّا، اللهمّ إنك عفوّ تحِبّ العفو فاعفُ عنا، اللهمّ إنك عفوّ تحب العفو فاعفُ عنا.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

إخوةَ الإسلام، أكثِروا من الدعاء والصلاة على النبيّ محمّد ، واقلِبوا أرديتَكم تأسّيًا برسول الله [5].

 



[1] أخرجه الطبري في تفسيره (3/208).

[2] أخرجه الطبري في تفسيره (3/208).

[3] إعلام الموقعين (4/172).

[4] أخرجه أحمد (2/297)، والترمذي في التفسير (3334)، والنسائي في الكبرى (10251)، وابن ماجه في الزهد (4244) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (2787)، والحاكم (3908)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2469، 3141).

[5] سنة قلب الرداء أخرجها البخاري في الجمعة (969)، ومسلم في الاستسقاء (1489) من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً