أيها المسلمون، إن الله تعالى قد وعد بالفضل العظيم والثواب الجسيم لمن لبى نداءه وحج بيته الحرام.
فقد صح عن النبي أنه قال: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه))، وعن ابن مسعود رض الله عنه قال: قال رسول الله : ((تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة)) رواه أحمد وصححه الألباني.
وفي الصحيح عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت رسول الله فقلت: ابسط يدك فلأبايعك، فبسط فقبضت يدي، فقال: ((ما لك يا عمرو؟))، قلت: أشترط، قال: ((تشترط ماذا؟!)) قلت: أن يغفر لي، قال: ((أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله)).
فالحاج الذي لم يرفث ولم يفسق يخرج طاهرا نقيا من الذنوب صغيرها وكبيرها كيوم ولدته أمه.
فيا لله على هذا الثواب العظيم، ويا لله على هذا الثواب الجسيم.
وزيادة على هذا فإن للحاج دعوة مستجابة، فقد روى ابن ماجة بسند حسن عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: ((الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم)).
والحاج في حفظ الله تعالى، فقد صحح الألباني من رواية الحميدي أن النبي قال: ((ثلاثة في ضمان الله عز وجل: رجل خرج إلى المسجد من مساجد الله، ورجل خرج غازيًا في سبيل الله، ورجل خرج حاجًا)).
ومما جاء في فضل الحج وأنه منفاة للذنوب ما أخرجه الطبراني وحسنه الألباني من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك يكتب الله بها لك حسنة، ويمحو عنك بها سيئة، وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي، جاؤوني شعثًا غبرًا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي، ولم يروني، فكيف لو رأوني؟! فلو كان عليك مثل رمل عالج أو مثل أيام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوبًا غسلها الله عنك، وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك، وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة، فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك)).
إن في هذه الأحاديث دعوة ونداءً للمبادرة إلى الحج، فالغنيمة الغنيمة، والمبادرة المبادرة، والعجل العجل قبل حلول الأجل، لمن استطاع إلى ذلك سبيلا، فمن استطاع أن يلبي فيها نداء ربه فليفعل و لا يؤخر و لا يتماطل، فإن العبد لا يعلم متى موعد رحيله من هذه الدنيا، والحج أيام معدودات، و من لم يجب نداء الحج مع استطاعته تهاونًا وتكاسلاً فقد أتى ذنبًا عظيما، وأصاب جرمًا كبيرًا وكان من المحرومين.
والحج هو قصد مكة للتعبد لله عزوجل بأداء المناسك على ما جاء في سنة رسول الله .
والحج واجب على المسلم الحر المكلف القادر مرة في عمره على الفور، والقادر والمستطيع هو القادر في ماله وبدنه، وهذا بعد قضاء الواجبات والنفقات الشرعية والحوائج الأصلية، أي: بعد قضاء الديون والكفارات والنذور والنفقات الواجبة والشرعية مما يكفيه وعائلته إلى أن يرجع من الحج، والحوائج الأصلية يعني: لا بد أن يكون ما عنده من المال زائدًا على الحوائج الأصلية وهي التي يحتاج إليها الإنسان كثيرًا.
ومن كان عنده مال وأعجزه كبره أو أعجزه مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه، ويجزي عنه.
والمعذور الذي لا يقدر فنيته في قلبه، وعذره عند ربه، وربما سبق بعض من سار بقلبه وهمّته وعزمه بعض السائرين ببدنه؛ لأن المتخلف لعذر شريك للسائر، كما قال النبي لما رجع من غزوة تبوك: ((إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم، حبسهم العذر))، أي: معكم في الأجر.
وبهذا الصدد نود أن ننبه على بعض المفاهيم والأفكار الخاطئة والشائعة عند بعض الناس.
فكون الحج واجبا على من استطاع فقد يقع في نفوس بعض الناس التخفيف من شأنه وأمره، فيؤول بهم الأمر إلى التكاسل والتهاون أو أن يفهموا ذلك بمفهوم التخيير.
ومن المفاهيم الخاطئة كذلك فهمُ وجوب الحج على الاستطاعة بمفهوم التأخير دون الفورية والمبادرة إليه، فيؤخر الواحدُ حجَه بحجة أنه لم بلغ الأربعين أو الستين، أو يقول: ما زلت صغيرًا، وإلى غير ذلك من الأعذار غير المقبولة.
اعلم ـ أخي المسلم ـ أن لو كان عمرك في سن التكليف وهو ما حدده العلماء بسن الخامسة عشر، وكان عندك القدرة المالية والبدنية لوجب عليك الحج، وإن تركته وأنت في سن التكليف ظنًا منك صغر سنك لأثمت عند الله، ولم تكن من المعذورين.
ومن المفاهيم والأفكارالمنحرفة عن صراط الله أن بعض الناس يمتنعون عن الحج مع قدرتهم عليه ماليًا وبدنيًا، بسبب أنهم يكرهون الدولة الفلانية وحكومتها، وقد سمعت أحدهم يتبجح و يقول: أنا لا أحج لأني لا أريد أن أمكّن أو أعطي مالي لهؤلاء الناس ليستفيدوا منه، ويقول: لو أن الحاج تصدق بقيمة تكلفة الحج على الفقراء لكان أفضل من أن يأخذه هؤلاء. وفي الحقيقة مثل هذه الأفكار أو الآراء السفيهة ناتجة عن خلفية سياسية عقيمة تغذيها أفكار حاقدة على الإسلام والمسلمين، والمسلم العاقل يدرك بفطرته بطلانها، وأنها دليل على خفة الدين ونقص الإيمان. والله المستعان.
ومن الأخطاء الشائعة ترك فريضة الحج مع القدرة أو تسويفه من أجل المشاريع، أو الصفقات التجارية الزائدة عن الحاجة.
ومن الأخطاء كذلك ترك فريضة الحج مع الاستطاعة بسبب البخل والشح، أو خشية الفقر، وهذا في الحقيقة من تخويف إبليس كما قال تعالى: ٱلشَّيْطَـٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ [البقرة:268]، والرسول يقول: ((تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب))، فبين أن الحج ينفي الفقر عن المسلم.
ومن الأخطاء كذلك ترك فريضة الحج عمن توفي وكان له مال، فيذهب الورثة إلى اقتسام التركة أو الفريضة دون التفكير في الحج عن المتوفى، سواء كان المتوفى من الوالدين أو من الأرحام، فمن الجهل والغفلة أو من اللؤم والخسة أن يقتسم الأبناء إرث والديهم أو أحدهما دون التفكير في الحج عنه، أو يدفعان مؤنة وتكاليف ذلك لمن يحج بدلهما، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!
ومن منكرات السفر ـ عباد الله ـ إلى بيت الله الحرام سفر المرأة لوحدها دون محرم، وهذا مما نهى عنه الشارع الحكيم؛ لما قد يترتب جراء ذلك من المفاسد، ففي الصحيحين قال : ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها))، وقال أيضا: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم))، فقال له رجل: يارسول الله، إنّ امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا؟ قال: ((انطلق فحجّ مع امرأتك)).
ومن المنكرات كذلك ما يفعله بعض الناس في بعض مناطق البلاد قبل سفرهم أو ذهابهم إلى الحج، فيقومون بالطواف على القبور أو المعالم التي ما أنزل الله بها من سلطان، وهذا من الجهل بدين الله، وهو من البدع الشركية المنكرة، فإن الطواف خصه الله تعالى بالكعبة فقط، وهو شعيرة من شعائر الحج والعمرة، فلا يجوز لمسلم موحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يطوف بغير الكعبة.
ومما يجب على الحاج اجتنابه وبه يتم بِرُ حجه أن لا يقصد بحجه رياء ولا سمعة، ولا مباهاة ولا فخرا ولا خيلاء، ولا يقصد به إلا وجه الله ورضوانه، ويتواضع في حجه ويخشع لربه.
وعلى المسلم أن يحج بالطيب من الكسب، من المال الحلال؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.
إذا حججتَ بمال أصله سحتُ فما حججتَ ولكن حجّت العيرُ
لا يقبـل اللهُ إلاّ كلَّ طيّـبـة مـا كلُ من حج بيتَ الله مبرورُ
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفق الحجاج لأداء مناسك الحج، اللهم اجعل حجهم حجا مبرورا، وسعيهم سعيا مشكورا، وواجعل ذنبهم مغفورا، اللهم من لم يستطع منهم الحج فافتح له أبواب فضلك وإحسانك، ووفقه لتلبية ندائك يا أكرم الأكرمين.
|