أما بعد: عباد الله، في قصة لوط عليه السلام، التي عرضناها عليكم، باختصار في الخطبة الأولى، فيها استهجان واضح لجريمة اللواط، ووعيد من الله بالعذاب الشديد لمرتكبها في الدنيا والآخرة.
واللواط ـ يا عباد الله ـ من أقبح وأشنع الفواحش، فهو يدل على فساد ومرض في المزاج الإنساني، خطره جسيم على المجتمع الذي ينتشر فيه، إنه انحدار بالإنسان إلى ما دون الحيوانية البهيمية.
وقد ذم الله عز وجل هذه الفعلة، بعدة صفات ذميمة في كتابه، وصف صاحبها بالعدوان في مثل قوله تعالى: أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَـٰلَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مّنْ أَزْوٰجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ [الشعراء:165، 166]، أي متعدون على حدود الشريعة الإلهية، ووصفهم كذلك بالجهل، في مثل قوله تعالى: أَءنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرّجَالَ شَهْوَةً مّن دُونِ ٱلنّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [النمل:55]، ووصفهم كذلك بالإسراف، في قوله تعالى: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرّجَالَ شَهْوَةً مّن دُونِ ٱلنّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ [الأعراف:81]، أي مسرفون في الشهوات، ومتجاوزون الحدود التي رسمها الله لعباده.
أيها المسلمون، عندما نجد استنكار القرآن الكريم لهذه الفاحشة، بهذه الصورة، ثم نسمع ونرى أن الإنسان المتمدن، في الثلث الأخير من القرن العشرين، بدأ يزاول هذه الفاحشة علناً، في معظم الدول الأوربية، معللاً ذلك بالتقدم والتحضر، وبالحرية الشخصية، فلا ندري أيها الأخوة، ماذا نقول عن هذا التحضر والتقدم، وقد قرأت وشاهدت بنفسي، في أحد المجلات موافقة البرلمان البريطاني في لندن، وإصدار قرار ملكي رسمي من الدولة في إباحة زواج الرجل من الرجل علانية، وقد نشر موافقة ملكة بريطانيا على هذا القرار، وقامت الكنيسة البريطانية في لندن، بعقد أول زواج من هذا النوع في الكنيسة، وبحضور البابا، ونشرت صور الزوجان في المجلة. والله لا ندري كيف نعلق على مثل هذا الخبر، وإن اللسان ليعجز أن يعبر عن ما في نفسه في بعض الأحيان، عندما يرى أو يسمع مثل هذه الأخبار، فلا نقول إلا رحماك، رحماك يا رب على انتكاس الفطرة. أي تقدم هذا! وأي مدنية هذه! إنها دعوة صريحة واضحة إلى اللواط، وإنه من العجيب أنك ترى كثيراً من المسلمين، من يُعجب ويقتدي بحياة الغرب، وتخدعه وتبهره ما يشاهده من ظاهر واقعهم، لأنه لا يعلم أنها مناظر جذابة، مغلفة بمعتقد وتصور فاسد.
وإن بوادر هذه الظاهرة يا عباد الله بل الظاهرة نفسها، قد تسربت إلى بلادنا، وأخذ اللواط ينتشر بين أبناء المسلمين بشكل يهدد المجتمع. فالله الله أيها الآباء في أولادكم، تفقدوهم، وراقبوهم، ولابد أن تعلم أيها الأب مع من يسير ولدك، ومن يصاحب، وعسى أن يسلم بعد كل هذا، من آثار هذه الفاحشة، لأن عاقبتها وخيمة، إنها الخزي والعار في الدنيا والآخرة، وليس بيننا وبين الله نسب ولا قرابة، وإن لم نتدارك أنفسنا ونمنع الفاحشة من مجتمعنا، سيحل بنا ما حل بقوم لوط من الدمار والهلاك.
ورحم الله من قال:
فيا ناكحي الذكران، تهنكم البشرى فيوم معـاد النـاس إن لكـم أجرا
كلوا واشـربوا ولوطـوا وأكثروا فإن لكــم زفـاً إلى نـاره الكبرى
فإخوانكم قد مهـدوا الدار قبلكم وقالوا إلينـا عجلـوا، لكم البشرى
وها نحن أسلافٌ لكم في انتظاركم سيجمعنا الجبـار في نـاره الكبرى
ولا تحسبـوا أن الذين نكحتمـوا يغيبـون عنكم، بـل ترونهمُ جهرا
ويلعـن كــلٌ منهـمْ خليلـه ويشقى به المحزون في الكرة الأخرى
يُعَـذَّبُ كـل منهـمُ بشـريكه كما اشتركـا في لذةٍ توجب الوزر
عباد الله، نذكركم بأن يوم الاثنين القادم، هو العاشر من محرم، ولا يخفى عليكم سنية صيامه. عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه، متفق عليه. روى مسلم في صحيحه، حديث أبي قتادة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: (( يكفر السنة الماضية))، فلا تحرموا أنفسكم ـ يا عباد الله ـ هذا الأجر العظيم، وخالفوا اليهود، فصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، والسنة يوماً قبله، وهو التاسع، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لئن بقيت إلى قابل، لأصومن التاسع)) رواه مسلم.
فنسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يجنبنا الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، كما نسأله سبحانه، أن يحفظ علينا أولادنا، وأن يقيهم من منكرات الأخلاق، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الله آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
واغفر اللهم للمسلمين والمسلمات..
ربنا آتنا في الدنيا..
|