الحمد لله العزيز الوهاب، القاهر القابض الغلاب, يمهل للظالم ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر, أحمده تعالى وأشكره على سوابغ نعمه, وأسأله أن يدفع عنا أسباب سخطه ونقمه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
الحديث الرابع: في سلسلة الصراع بين الإسلام والنصرانية، الذي سيكون بين مد وجزر ينتهي بالمعركة الفاصلة، التي يحشد لها النصارى قرابة مليون شخص، تنتهي بالهزيمة النهائية حيث لا يقف الجيش الإسلامي إلا بعد أن يفتح "روما" العاصمة الروحية للنصرانية، وعند هذا الفتح سوف تنتهي معركة الروم، فيتحقق ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يتم فتح الروم، ويتبع ذلك مباشرة المعارك مع الدجال، الذي ينتهي الأمر بقتله وعندئذٍ تضع الحرب أوزارها، ويقرب العالم من نهايته، ويتحقق وعد الله بتبديل الأرض غير الأرض، ويعود الخلق جميعهم إلى مُوجدهم، لتبدأ بعد ذلك الحياة السرمدية الأُخروية.
روى الحاكم في المستدرك والإمام أحمد في مسنده، واللفظ للحاكم عن خالد بن مَعْدان أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تصالحون الروم صلحاً آمناً، حتى تغزون أنتم وهم عدواً من ورائهم، فتُنصرون وتغنمون وتنصرفون، حتى تنـزلوا بمرج ذي تلول فيقول قائل من الروم غلب الصليب، ويقول قائل من المسلمين بل: اللهُ غَلَب، فيتداولانِها بينهم فيثور المسلم إلى صليبيهم وهم منهم غير بعيد، فيدقه ويثور الروم إلى كاسر صليبهم فيقتلونه، ويثور المسلمون إلى أسلحتهم فيكرم الله عز وجل تلك العصابة من المسلمين بالشهادة، فيقول الروم لصاحب الروم: كفيناك جد العرب، فيغدُرون فيجتمعون للملحمة فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً)). وفي رواية أخرى للحاكم: ((ستصالحكم الروم صلحاً آمناً، ثم تغزون أنتم وهم عدواً فتُنصرون وتَسلَمون وتَفتَحون، ثم تنصرفون بمرج فيرفع لهم رجل من النصرانية الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيقوم إليهم فيدق الصليب، فعند ذلك تغضب الروم فيجتمعون للملحمة)). في هذا الحديث العظيم يتضح بعض الحقائق التي تبين مستقبل الصراع مع النصارى نلخصها في النقاط التالية.
أولاً: أن هذه الهيمنة من قبل النصارى اليوم على العالم ستزول، وأن هذه القوة المادية وهذه التقنية لن تستمر حتى نهاية العالم، قال الله تعالى: حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ ٱلاْرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلاْمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [يونس:24].
إذاً فهذه العقلية التي يعيشها الغرب اليوم، أنهم قادرون على فعل كل شيء، وهذا التباهي بالقوة المادية والعسكرية والتقنية، ستزول بقوة الواحد الأحد.
ثانياً: يشير الحديث إلى خفض الهيمنة العالمية المعاصرة للنصارى، وفك ارتباط بعض الحكومات المعاصرة مع العدو الصليبي اليهودي، وابتعاد النفوذ الصليبي عن المنطقة، مما يتيح للمسلمين تسلم زمام الأمور، وتكوين دولة إسلامية تمثل قوة جديدة في العالم، يلتجئ إليها النصارى، ويطلبون الصلح للحصول على مساندة لمحاربة عدوها الذي سيُنـزِل بها الدمار.
ثالثاً: إن هذا الصلح الذي سيتم مع النصارى آخر الزمان، يتم بناء على رغبة من النصارى، فهم الذين يطلبون الصلح بقصد الاستعانة بالمسلمين، وهذا يؤكد أنه سيكون للمسلمين دولة قوية، وهو مؤشر إلى أنه قبل الملحمة ستقوم للمسلمين دولة قوية، يخشاها النصارى، ولمعرفتهم بقوة المسلمين يحشدون لهم ما يقارب مليون شخص، ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً.
رابعاً: يفهم من هذا الحديث أن الفكر العلماني المعاصر التي تتبناه الدول النصرانية، سوف يحل محله الفكر الديني الصليببي، وأن الدول النصرانية ستعود إلى دينها، بعد أن قضت ردحاً من الزمن وهي غارقة في شهواتها وعلمنتها، وأن الدين سيكون هو المحرك لهذه الدول، وهذا يؤخذ من الحديث من قيام رجل منهم برفع الصليب بقصد إظهار القوة النصرانية، فيغضبُ المسلمون لذلك فيعمدون إلى الصليب فيكسرونه، مما يثير غضب النصارى فيقومون بقتل الجيش الذي كان معهم، وبهذا ينقضون الصلح مع الدولة الإسلامية وتكون نهايتهم.
خامساً: أن هذا الحديث وما سبق وأمثاله من علم الغيب الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن أمة تؤمن بالغيب، قال الله تعالى: الم ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّلْمُتَّقِينَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:1-3]، فانطلاقاً من إيماننا بالغيب، وثقة بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم فنحن على موعد مع النصارى، وسيتحقق كل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وسترفرف رايات المجاهدين فوق دول النصارى وسيطأ المسلمون بأقدامهم عاصمة "الفاتيكان" الحالية "روما"، وستلتحم هذه الأمة مع أعدائها ويكون الغلبة لها، وستقع المعركة الفاصلة مع النصارى، وسيُكسر الصليب فوق رؤوس أصحابه، وستكون معركة شديدة قوية، وسيكون قتلاها عدد كبير من الطرفين. قل عسى أن يكون قريباً..
إلى كم يُهـان الدين والعِلج يطـربُ وحتى متى يا قـوم ننعـى ونشجُب
وحتى متى يستأسد الفأر في الربــى ويزرع فينا الخـوفَ والحقَّ يَسلـب
أفي كل يوم يشتكـي الظلم إخوتـي وفي كل صـقعٍ من بـلادي معـذّب
وفي كل يـوم تستبـاح حقـوقنـا وما عـاد فينـا من يذود ويغضـب
أللخائـن العربيـد ألـفُ تحيـــة وللعالـِم المغـوار ســيفٌ مذرّب
أننعـم والإسـلام يشكو مصابــهُ ونضحـك والرحـمن للحق يغضب
فمن يا ترى للحـق يأسو جراحــه ومن في ســبيل الله للنفس يُتعـب
أهذا أوان النـوم يا ابن عشيرتــي ودمع ذوي القربى على الخد يُسكـب
أهـذا أوان النـوم يا شـبل خالـدٍ وأنفاسـنا في اللوح تحصى وتكتـب
فقم يـا حفيـد الصحب واثأر لأمةٍ يسـوم لها الباغي وفي المجد يلعــب
وقل لبني الإسـلام واصـرخ بجمعهم سأنصـر ديـن الله والحـقَّ أطلـب
سـأثأر للحـق الذي بات يشتكـي فلا القيد يثنينـي ولا السوط يُرهب
سأنصـر هذا الدين مهمـا تكالبـت عليه الأعـادي أو العـود أُصـلب
سـأثـأر على أن أمـوت مجاهـداً شهيداً إلى الجنات أسعــى وأذهب
فمـن يا ترى للـذل يحنـي جبينه ومن ذا عن الهيجاء يرضى ويـرغب
لئـن كـان للشـر المبجّل صولـةٌ فإن هـدى الرحمن أعلى وأغلــب
|