أما بعد: أيها المسلمون الصائمون، لقد اعتاد غالب المسلمين، أن يؤدوا زكاة أموالهم، في شهر رمضان المبارك، فكان من المناسب، أن يكون حديثنا في هذه الجمعة، بعد توفيق الله عز وجل، عن هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، وهو ركن الزكاة.
أيها المسلمون، إن شرعية الزكاة ثابت في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمع المسلمون على ذلك.
لقد قُرن الزكاة في غير ما آية من كتاب الله بالصلاة، في مثل قوله تعالى: وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتُواْ ٱلزَّكَو [الزمل:20]. وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)).
فمن جحد وجوب الزكاة، فقد كفر، ومن منعها بخلاً وتهاوناً مع اعتقاد وجوبها، كان من فسّاق هذه الأمة، وحكمه في الآخرة، أنه تحت المشيئة، إن شاء الله عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء عز وجل، عذبه بالنار بقدر فسقه ثم أدخله الجنة. ومن أداها، معتقداً وجوبها، راجياً ثوابها، فليٌبْشر بالخير الكثير، والخلف العاجل والبركة، قال الله تعالى: وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ [سبأ:39]. وقال تعالى: مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنبُلَةٍ مّاْئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَـٰعِفُ لِمَن يَشَاء وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261].
أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى، أدوا ما أوجب الله عليكم في أموالكم، التي رزقكم الله تعالى، فإن بعض المسلمين، تساهلوا في هذا الركن العظيم، إن بعض المسلمين لا يؤدون زكاة أموالهم والعياذ بالله، لقد أخرجكم الله يا عباد الله، من بطون أمهاتكم، لا تعلمون شيئاً، ولا تملكون لأنفسكم نفعاً ولا ضراً، ثم يسر الله لكم الرزق، وأعطاكم ما ليس في حسابكم، فقوموا أيها المسلمون بشكره، وأدوا ما أوجب عليكم، لتبرأ ذممكم، وتطهروا أموالكم واحذروا الشح والبخل بما أوجب الله عليكم، فإن ذلك هلاككم، ونزع بركة أموالكم.
أيها المسلمون المؤمنون، هؤلاء الذين بخلوا على الله عز وجل، ولم يؤدوا هذا المقدار البسيط، الذي أوجبه الله عليهم في أموالهم، ألم يقرأوا الوعيد بالنيران في كتاب الله عز وجل لمن بخل بما آتاه الله، قال الله عز وجل: وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران:180]. وقال تعالى: وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لانفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34، 35]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير الآية الأولى: ((من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته، مُثّل له شجاعاً أقرع ـ وهي الحية الخالي رأسها من الشعر، لكثرة سمها ـ مثل له شجاعاً أقرع له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، يأخذ بشدقيه، يقول: أنا مالك، أنا كنزك)) رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم في تفسير الآية الثانية: وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. قال عليه الصلاة والسلام: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي فيها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فتكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد)) رواه مسلم.
فاتقوا الله أيها المسلمون: يا من تتهاونون في دفع زكاة أموالكم، تأملوا الحديث .. فوالله لا يحمى على الذهب والفضة، في نار كنار الدنيا، إنما يحمى عليها في نار أعظم من نار الدنيا، بتسعة وستين جزءاً.
أيها المسلمون، إنه إذا أحمي عليها، لا يكوى بها طرف من الجسم فقط، وإنما يكوى بها الجسم من كل ناحية، الجباه من الأمام، والجنوب من الجوانب والظهور من الخلف.
أيها المسلمون، إن هذا العذاب ليس في يوم ولا شهر ولا في سنة، ولكن في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
فيا عباد الله، يا من آمنوا بالله ورسوله، يا من صدّقوا بالقرآن، وصدقوا بالسنة، ما قيمة الأموال التي تبخلون بزكاتها، وما فائدتها، إنها تكون نقمة عليكم، وثمرتها لغيركم. إنكم لا تطيقون الصبر على وهج الحر أيام الصيف، فكيف تصبرون على نار جهنم، فاتقوا الله عباد الله، أدوا زكاة أموالكم، طيبة بها نفوسكم، تنجون من عذاب ربكم.
فبـادروا بزكـاة المـال إن بها للنفس والمال تطهيراً وتحصينـاً
ألم تروا أن أهل المـال في وجـل يخشـون مصرعهـم إلا المزكينا
فهل تظنـون أن الله أورثكــم مالاً لتَشْقَوا بـه جمعاً وتخزينـاً
أو تقصروه على مرضاة أنفسكم وتحرموا منـه معتداً ومسكينـاً
ما أنتم غيـر أقـوام سيسألكم إلهكـم عن حسـاب المستحقينا
ولن تنالوا نصيبـاً من خلافتـه إلا بأن تنفقـوا ممـا تحبـونـا
أيها المسلمون، لقد جاءت النصوص عامة مطلقة، في وجوب الزكاة في الذهب والفضة. ففي الذهب إذا بلغ عشرين ديناراً، وفي الفضة، إذا بلغت مائتي درهم، هذا هو نصاب الذهب والفضة، فما كان أقل منه فلا زكاة فيه، وما كان منه فأكثر، ففيه ربع العشر، ففي عشرين ديناراً نصف دنيار، وفي مائتي درهم خمسة دراهم.
وهذه الأوراق النقدية، التي تتعاملون بها، بدلاً من الذهب والفضة، لها حكم الذهب والفضة، فإذا بلغت ما يساوي ستة وخمسون ريالاً سعودياً من الفضة ففيها ربع العشر.
عباد الله، وأما حلي المرأة، من الذهب والفضة، إذا كانت تلبسه أو تعيره، فقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى، قديماً وحديثاً، في وجوب الزكاة فيه، وقد أمرنا الله عز وجل في حال الاختلاف، أن نرد الأمر للكتاب والسنة، فقال تعالى: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاْخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59].
وإذا رددنا ذلك النزاع إلى الكتاب والسنة وجدنا الصواب، مع الذين قالوا بوجوب الزكاة فيه، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم، ومعها بنت لها، وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتؤدين زكاة هذا، قالت لا، قال أيسرك أن يسورك الله بها، سوارين من نار))، فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت هما لله ورسوله.
أيها المسلمون، ومما تجب فيه الزكاة أيضاً، عروض التجارة، وهي ما أعده الإنسان للبيع، والاتجار به، من حيوان وعقار وأثاث ومتاع وغير ذلك، كل شيء عندك للتجارة، فهو عروض تجارة، إذا حال عليها الحول، فقومه كم يساوي، ثم أخرج ربع عشر قيمته.
ومن عروض التجارة أيضاً، ما يكون عند الفلاحين، من الإبل والبقر والغنم، التي يربونها للبيع، فأما العقارات التي أعدها الإنسان له، ولا يريد بيعها، وإنما يريد أن يسكنها، فهذه ليس فيها زكاة، ولا زكاة فيما أعده الإنسان لبيته، من الأواني والفرش ونحوها، ولا فيما أعده الفلاح لحاجة الفلاحة، من المكائن والآلات ونحوها، وخلاصة ذلك أن كل شيء تعده لحاجتك أو للاستغلال، سوى الذهب والفضة، فلا زكاة فيه، وما أعددته للاتجار والتكسب، ففيه الزكاة.
عباد الله، أما بالنسبة للعقارات المعدة للإيجار فإن الزكاة في ربع العشر من قيمة الإيجار وليس من قيمة العقار نفسه، وإذا كان هناك أراضٍ عند أحد فإن كان يريدها للسكنى وينوي أن يبنيها ثم يسكنها فهذا لا زكاة عليها وإن بقيت لعدة سنوات.
وإذا كان يبيع ويشتري بها فحكمها حكم عروض التجارة، تقوم كل سنة ثم يزكى ربع العشر من قيمتها.
وإن كان لا يريدها للسكنى ولا يبيع ويشتري في الأراضي، لكن نوى أن يبنيها إما فلل أو شقق ثم يؤجرها، فهذا أيضاً لا زكاة فيها، حتى يبنيها، والزكاة تكون في ربع العشر من قيمة الإيجار فيما بعد متى حال عليها الحول.
وأما بالنسبة للديون التي عند الناس، فلا يجب عليك إخراج زكاتها حتى تقبضها، فإذا قبضتها، فإن كان الدين على مليء، وجب أن تخرج عنه زكاة كل السنوات الماضية، وإن كان على فقير لم يجب أن تخرج إلا عن سنة واحدة فقط، وإن أخرجت زكاة الدين قبل قبضه فلا بأس.
وأصحاب المزارع، هؤلاء أيضاً عليهم إخراج زكاة هذه الزروع والثمار، فإن كل ما يقتات ويدخر ففيه الزكاة قال صلى الله عليه وسلم: ((ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)) وهذا هو نصاب زكاة الزروع، خمسة أوسق وهي قرابة الستمائة وخمسة وسبعون كيلو جرام، فمن ملك هذه الكمية فإن كان هو يسقيها ففيها نصف العشر، وإن كانت السماء والأنهار تسقيها ففيها العشر كاملاً قال صلى الله عليه وسلم: ((فيما سقت الأنهار والغيم العشور، وفيما سٌقي بالساقية نصف العشر)) رواه مسلم.
ولا يشترط الحول في زكاة الزروع والثمار وإنما زكاته مرة واحـدة فقـط وَءاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141].
وأيضاً هذه الأسهم والمستندات التي بأيدي الناس هذه الأيام فإن فيها الزكاة.
فصاحب السهم مخير بين أن يزكي رأسماله كل سنة وإذا قبض الربح زكاة لما مضى أو لعام واحد على خلاف بين أهل العلم. وبين أن يسأل رأس كل حول عند قيمة أسهمه ويزكيها حسب ما يفيده به القائمون على الشركة أو المؤسسة التي ساهم فيها. وزكاتها زكاة النقدين إذا بلغت نصاباً ففيها ربع العشر.
أما السندات فهي ديون مؤجلة.
والصحيح من كلام أهل العلم وجوب تزكية الديون إذا كانت على موسرين فإذا حال الحول على الديون ومنها السندات زكاها كغيرها من الأموال الموجودة عنده. وإن آخر زكاتها حتى قبضها زكاها إذا قبضها لما مضى من السنوات.
وفقني الله وإياكم لمعرفة الحق واتباعه ومعرفة الباطل واجتنابه.
وهدانا وإياكم الصراط المستقيم. إنه جواد كريم. أقول ما سمعتم.
|