أما بعد: فيقول الله عز وجل في سورة التوبة: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ [التوبة:32]، ويقول سبحانه وتعالى في سورة الصف: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ [الصف:8]، صدق الله العظيم.
أيها المسلمون، يا أحباب محمد عليه الصلاة والسلام، تناقلت وسائل الإعلام الدولية المعادية للإسلام تناقلت خلال هذا الأسبوع أكذوبة كبيرة، مفادها "أي مفاد هذه الأكذوبة" بأن الإسلام نقل حضارة أديان سابقة حرفياً، وتزعم هذه الأكذوبة أن قصة الإسراء والمعراج موجودة في نقوش في المعابد الصينية، وهي رحلة لأحد عباد الديانات القديمة، ووسائل الإعلام الحاقدة تكرر هذه الأكذوبة مراراً حتى يصدقها الناس.
أيها المسلمون، والسؤال ما السر عن سبب الإعلان في هذا الوقت عن النقوش الصينية والتي تتحدث حسب زعمهم حول قصة للإسراء والمعراج منذ آلاف السنين؟ ولماذا لم يتحدث أحد عن ذلك في الأزمنة الماضية؟
أيها المسلمون، يا خير أمة أخرجت للناس، إن التشكيك والطعن بالدين الإسلامي العظيم وبعقيدة المسلمين هو هدف مشترك لجميع أعداء الإسلام عبر التاريخ، وقد شهدت الحقب الزمنية الماضية محاولات للتشكيك بالإسلام وتكذيب القرآن الكريم، ولكن كل هذه المحاولات لم تحقق أهدافها الخبيثة في صرف المسلمين عن دينهم، فقد باءت ـ والحمد لله ـ بالفشل الذريع، بل ازداد المسلمون تمسكاً بدينهم واعتزازاً به، كما ازدادوا التفافاً حول المسجد الأقصى المبارك.
أيها المسلمون، إن معجزة الإسراء والمعراج التي يشك أعداء الإسلام بها قد وردت في القرآن الكريم بقوله عز وجل: سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلاْقْصَى ٱلَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَـٰتِنَا إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ [الإسراء:1].
إنها معجزة قطعية الدلالة والثبوت، وإن الهدف من التشكيك بهذه المعجزة واضح في صرف المسلمين عن الاهتمام بالمسجد الأقصى المبارك، ليقال بأن الصينيين قد سبقوا المسلمين بفكرة الإسراء والمعراج، وليقال بأن المسلمين قد نقلوا هذه الفكرة عن الصينيين، حاشا وكلا، إنها لأكذوبة وافتراء بحق الإسلام والمسلمين، وإن الذين يروجون لهذه الأكذوبة يريدون التقليل من أهمية القرآن الكريم والطعن في عقيدة المسلمين ولإضعاف تعلق المسلمين بالمسجد الأقصى المبارك.
أيها المسلمون، إذا افترضنا أن النقوش الصينة حول الإسراء والمعراج موجودة، فمعنى هذا أنه حين وصل الإسلام إلى الصين سجل الصينيون في وثائقهم قصة الإسراء والمعراح، وأنهم قد نقشوها على الحجارة لأهميتها، وليس كما يزعم أعداء الإسلام بأن هذه النقوش ـ إن كانت موجودة ـ أنها قد وجدت قبل الإسلام، وأن المسلمين لا يمكن أن يكونوا قد نقلوا هذه المعجزة عن الصينيين، لأن المسلمين يتلقون أوامرهم من الله رب العالمين، ثم هل نصدق كلام وتحليلات البشر الظنية الخاطئة ونكذب كلام رب العالمين، ونكذب القرآن الكريم الذي لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42].
أيها المسلمون، لا تزال الحملة المسعورة الحاقدة ضد الإسلام وضد نبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام وضد القرآن الكريم دستور المسلمين، أقول: لا تزال هذه الحملة قائمة غير قاعدة، وإن هذه الحملة بل هذه الحملات قد ازدادت في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ، والمستهدف هو نبي الهدى والرحمة، خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
إن هؤلاء المبشرين المتصهينين العدوانيين الذين ينشرون الإشاعات والأكاذيب بحق هذا النبي الكريم وبحق القرآن العظيم وبحق المسجد الأقصى الأسير، لا يدركون بأن الله رب العالمين قد أكرم هذا النبي الأمين بأن رفع ذكره في العالمين، بقوله عز وجل في سورة الشرح: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:4]، وأنه عليه الصلاة والسلام قد أرسله الله رحمة مهدة للعالمين بقوله عز وجل في سورة الأنبياء: وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ [الأنبياء:107]، وأن الله سبحانه وتعالى قد اصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم من بين خلقه ورسله، ليحمل هذه الأمانة العظيمة والرسالة الخالدة إلى البشرية جمعاء في كل زمان ومكان.
أيها المسلمون، يا خير أمة أخرجت للناس، كيف يوصف نبينا العظيم بالقاتل والمعتدي والإرهابي؟ وهو الذي عفا عن أهل قريش يوم الفتح الأعظم فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، فقد سأل عليه الصلاة والسلام أهل مكة: ((ما تظنون أني فاعل بكم))، قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال صاحب القلب الكبير قولته المشهورة ((اذهبوا فأنتم الطلقاء))[1]، فقد أعلن عليه الصلاة والسلام العفو العام عن أهل قريش الذين عادوه وخاصموه مدة واحد وعشرين عاماً، فحين دخل مكة لم يقتل أحد، لم يعتقل، لم يبعد، لم يبني سجوناً ولا معتقلات، لم يعذب المواطنين في الزنزانات، لم يهدم بيتاً، لم يشرد أسرة، لم يقطع طريقاً، لم يقلع شجرة، ولم يصادر أرضاً، ولم يمنع الناس من الوصول إلى الكعبة.
وإن السيرة النبوية المطهرة حافلة بآلاف المواقف الرحيمة الإنسانية غير العدوانية بعيداً عن الحقد والغطرسة والتجبر والغرور، والسؤال: لماذا هذا النبي العظيم هو الذي يتعرض إلى حملات التشويش دون سائر الأنبياء؟ إنها حملة صليبية حاقدة.
أيها المسلمون، إن الحركات التبشيرية الصليبيية المشبوهة تحاول أيضا محاكاة وتقليد القرآن الكريم، وهيهات هيهات لأساليبهم الهابطة الحاقدة، فإن الله عز وجل قد تكفل بحفظ القرآن الكريم وبحفظ اللغة العربية بقوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ [الحجر:9]، وإن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد ـ في الكون كله ـ الذي سلم من الضياع والتغيير والتحريف، ومن الزيادة ومن النقصان، من هنا جاء أعداء الإسلام ليطعنوا في القرآن، لأنه الكتاب الوحيد في الكون كله لم يجري عليه تغيير أو تبديل إلى يوم القيامة إن شاء الله.
وإن المحاولات الفاشلة سابقاً ولاحقاً بتقليد أسلوب القرآن الكريم لم تؤثر على القرآن كما لم تؤثر على أهل القرآن، فإن أهل القرآن له حافظون ـ إن شاء الله ـ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وبالرغم من الضعف والفرقة والاختلاف بين المسلمين في هذه المرحلة التاريخية، إلا أن القرآن الكريم قد سجل في هذه المرحلة الرقم القياسي إنتشارا في العالم، كيف لا وأن القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى للنبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
كما أن عدد المقتنعين والمعتنقين للإسلام في هذه الأيام في تزايد بحمد الله وتوفيقه، وهذا ما حرك ضغينة الحسد في قلوب أعداء الإسلام، والله سبحانه وتعالى يقول: وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَـٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ [البقرة:109]، ويقول الشاعر:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتـاح لهـا لســان حســود
لولا اشتعال النار فيمـا جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود
فنقول للحاقدين والمعتدين: إن محاولات التقليد للقرآن الكريم، ونشر هذه المحاولات عبر الإنترنت، هي محاولات فاشلة زائفة لن تنال من القرآن ولا من أهل القرآن، والله عز وجل يقول: وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ [الصف:8]، ويقول سبحانه وتعالى في آية أخرى: بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقّ عَلَى ٱلْبَـٰطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18]، صدق الله العظيم.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين.
[1] أخرجه ابن إسحاق كما في السيرة النبوية (4/412) فقال: "حدثني بعض أهل العلم أن رسول الله قام على باب الكعبة فقال: "فذكره في حديث طويل، وهذا سند معضل، وروي عن قتادة السدوسي مرسلاً، أخرجه الطبري في تاريخه (2/161) من طريق ابن إسحاق. |