أما بعد: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
إن مما يكثر في الإجازات أي في مثل هذه الأيام حفلات الزفاف حيث إن الكثير من الناس يفضل أن يكون عرسه في أيام الإجازة، وهذه ظاهرة جيدة نسأل الله عز وجل أن يحصن كل شاب وشابة وأن يعفهم وأن يجمع بين كل عروسين وزوجين على خير وأن يبارك لهما زواجهما.
ولا شك أن المسلم يجب عليه أن يقصد بزواجه هذا إعفاف نفسه عن الحرام والإكثار من الذرية الصالحة المؤمنة التي تعبد الله عز وجل وتقيم دين الله تعالى على الأرض. ومن قصد ذلك ونواه كان له أجر حتى في إتيانه أهله. وينبغي على الآباء والأمهات أن يساعدوا الشباب على إعفاف أنفسهم بالحلال وذلك بأن ييسروا ويخففوا عليهم في مطالب الزواج وتكاليفه. فإنه قد أصبحت اليوم تكاليف الزواج من أكبر العوائق أمام الشباب التي تصدهم عنه أو تؤخرهم لسنوات طويلة.
وعموماً إخوتي الكرام وفقني الله وإياكم لكل خير، فليس حديثي عن ذلك الموضوع، وإنما بمناسبة كثرة حفلات الزفاف في هذه الأيام أحببت أن أنبه على بعض المخالفات الشرعية التي تحدث في كثير من هذه الحفلات إما جهلاً من بعض الناس بأنها لا تجوز أو اتباعاً من البعض الآخر لما رأوه في الحفلات الأخرى بغض النظر عن حكم هذه الأفعال إن كانت جائزة أو غير جائزة. ونسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع لمعرفة الحق والعمل به.
ثم اعلموا رحمكم الله أن من منكرات الأفراح ما يلي:
الإسراف والتبذير الذي يحصل في كثير منها حيث تنفق الآلاف المؤلفة على تلك الحفلات، وكان بالإمكان أن يكون الحفل متواضعاً، نعم لقد أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بالوليمة للعرس فقال عليه الصلاة والسلام: ((أولم ولو بشاة)) [رواه البخاري ومسلم]. ولكن هل يعني ذلك أن نصل إلى ما وصل إليه الحال اليوم، بذخ وإسراف، وضياع للأموال، كلا، فإن الله عز وجل نهى عن الإسراف فقال: يَـٰبَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]. وقال: وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِرَبّهِ كَفُورًا [الإسراء:26-27].
وإنه والله من المصائب التي بلينا بها في هذه الأفراح تقليد الآخرين ومحاولة الظهور على شاكلتهم وأننا قادرين مثلهم ولسنا أقل منهم في شيء، وتلك في الغالب مقولات النساء ورغباتهن، من أمهات الأزواج وأمهات الزوجات، والكثير من الرجال يسمع ويطيع ولا يستطيع أن يرفض طلباً. وأصبحت الكلمة للنساء. فلنعلم عباد الله ولنعلم نساءنا أن هذه النعمة التي نعيش فيها ولله الحمد إن لم نقم بشكرها والحفاظ عليها فإنها توشك أن تزول، وإن من شكر النعمة عدم الإسراف فيها.
ثم لنتذكر جميعاً إخوة لنا في الإسلام في بقاع كثيرة من العالم الإسلامي لا يجدون كسرة الخبز ولا شربة الماء إلا بالجهد الجهيد، قد تلقفتهم أيدي المنصرين تمد يد العون لهم بالطعام والشراب والدواء، واليد الأخرى بالصليب والإنجيل، فأين أموالنا هذه عنهم. أم أنه يهون علينا أن ننفقها في سبيل المظاهر الكاذبة ومجاراة الآخرين بينما لا يهون أن ننفقها في سبيل الله. فكم والله أنفقت الآلاف في إيجارات الفنادق ليلتين أو ثلاث أو قد تكون ليلة واحدة عند البعض ثم تنفق الآلاف أيضاً في أنواع من الأطعمة لا تعد ولا تحصى يكون مصير الجزء الأكبر منها في صندوق النفايات. وإذا ما طلب من بعض هؤلاء التبرع في باب من أبواب الخير تعذر لك بألف عذر، حتى يعفي نفسه من الإنفاق في سبيل الله، وإذا أنفق أنفق بعد تردد، وأخرج بضعة ريالات بعد صراع مرير مع النفس، ولكن إذا جاءت الشهوات وحب المباهاة فإذا بالآلاف تنفق بغير حساب.
فلنتق الله عباد الله ولنصن هذه النعمة بشكرها قال تعالى: لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]. وهذا البذخ والإسراف من كفران النعمة هدانا الله وإياكم للصواب.
ولقد ثبت عن النبي عن منصور بن صفية عن أمه صفية بنت شيبة قالت: (أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير) [رواه البخاري]. وأفضل وليمة صنعها الرسول كما روى البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: (ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة).
ومن منكرات الأفراح أيضاً إحياء تلك الليلة كما يسمونها بالغناء المحرم، وهي والله إماتة لتلك الليلة وليس إحياء، فكيف يمكن لتلك الليلة أن تحيا بمعصية الله أو كيف يمكن أن تحيا بالحرام!
إنه والله البلاء والشقاء أن تبدأ أول ليلة في حياة الزوجين بمعصية الله عز وجل ومخالفة أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فماذا نتوقع بعد ذلك لزواج كانت أول لياليه محادة لله ولرسوله ومعصية من المعاصي.
وهذه المعصية كذلك مما تصر عليها مع الأسف كثير من النساء، وترفض أن يكون زواج ابنتها أو ابنها بغير غناء محرم!! لماذا؟ لأن كثيراً من الناس يفعلون ذلك، وابنتها أو ابنها ليس أقل من غيره!
هذا هو المبدأ الذي يحكم حفلات الزفاف عند كثير من الناس، بل هذا المبدأ يكاد أن يكون أسلوب حياة عند البعض، فتراه في كل شيء يقول: لست أقل من غيري ويفعل مثلما فعلوا، ولو كان مخالفاً لأمر الله وأمر رسوله. وإذا نصحت الزوج وأهله قالوا: تلك رغبة الزوجة وأهلها، وإذا نصحت الزوجة وأهلها، قالوا: تلك رغبة الزوج وأهله.
فيا أيها الآباء والأمهات ويا أيها الأزواج و الزوجات كيف رضيتم أن تكون أول ليلة في حياتكم الزوجية مخالفة لأمر الله؟ وكيف دفعتم أموالكم لمطرب أو مطربة تكسبون بذلك الإثم وتخسرون المال؟! نسأل الله الهداية للجميع.
|