.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

السبيل إلى النصر والتمكين

3225

الإيمان, التوحيد

الألوهية, الولاء والبراء

عكرمة بن سعيد صبري

القدس

20/4/1424

المسجد الأقصى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- أهمية تحقيق الولاء والبراء في كافة مناحي الحياة. 2- الالتجاء إلى الله والتوكل عليه هو السبيل الأمثل للخروج من المحن. 3- استمرار الحروب الصليبية حتى زماننا المعاصر. 4- الأحكام الشرعية غير قابلة للتغيير مهما كانت الظروف. 5- نعي العالم الشيخ/ عبد القادر عبد المحسن عابدين. 6- جهود المسؤولين في إتمام الامتحانات الدراسية رغم الحصار والتضييق. 7- كفالة الأيتام في الإسلام.

الخطبة الأولى

أما بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَـٰلاً بَعِيداً [النساء:60]، صدق الله العظيم.

أيها المسلمون، هذه الآية الكريمة من سورة النساء، وهي مدنية، وتشير هذه الآية إلى أنّ أحد المنافقين في المدينة المنوّرة قد رفض الاحتكام إلى الرسول ، وأراد أن يحتكم إلى أحد الطواغيت الظلمة، فهو في زمرة الشياطين الضالين.

وهناك ـ يا مسلمون ـ آية أخرى في السورة نفسها، أي: في سورة النساء تؤكّد هذا المعنى، فيقول الله عز وجل: فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً [النساء:65]، وسبب نزول هذه الآية الكريمة أنّ أحد المنافقين قد رفض الانصياع لقرار التحكيم الذي أصدره رسولنا الأكرم ، وادّعى هذا المنافق بأن هذا القرار مُتَحَيّز وغير عادل[1].

أيّها المسلمون، يجهل البعض في هذه الأيام, أو يتجاهلون الأحكام الشرعية المتعلقة بالولاء والتبعية، في حين إنّ عشرات النصوص الشرعية من الآيات الكريمة, والأحاديث النبوية الشريفة؛ صريحة في أنّه لا ولاء إلا لله ورسوله، ولا تبعية لشياطين الإنس من العلمانيين واللادينيين، ولا للقوانين الوضعية المستوردة من دول الكفر، الذين يكذبون قول رب العباد ويطبقون قول العباد، ويهجرون القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ويريدوننا أن نتنفس بقرارات مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة، ونسي المسلمون أو تناسوا في هذه الأيام أن ملة الكفر واحدة، وأن دول الكفر كما هو واضح ومعلن لن تغير مواقفها العدائية تجاه المسلمين، تجاه قضاياهم المصيرية، ولو أن المسلمين احتكموا إلى دينهم العظيم؛ لما أشغلوا أنفسهم, وما أضاعوا وقتهم, وهم يلهثون وراء دول الكفر والاستعمار، فأين الإيمان؟ أين اليقين؟ أين التوكل على رب العالمين؟

أيها المسلمون، يتوجب على المسلمين في هذه الأيام أن يلتزموا نهج نبيهم محمد ، في جميع مناحي الحياة من خلال سننه العملية؛ لأنه لم يكن تابعاً ولا عميلاً لأي دولة أخرى، بل كان يعد العدة, ويعبئ الصحابة روحياً وإيمانياً ونفسياً ومعنوياً ومادياً، ثم يلجأ إلى الله رب العالمين يطلب منه النصر والتوفيق، فهذا ما حصل على سبيل المثال لا الحصر قبل بدء معركة بدر الكبرى، حين توجه عليه الصلاة والسلام إلى الله بتضرع وخشوع قائلا: ((اللهم هذه قريش قد أتت بخيلائها تكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني))[2].

أيها المسلمون، ومازال عليه الصلاة والسلام يهتف بهذا الدعاء ويردده مادًّا يديه, مستقبلاً القبلة, حتى حقق الله وعده.

ولم يتوجه عليه الصلاة والسلام إلى الفرس والروم، ولم يطلب منهم التدخل, كما نسمع كثيراً في هذه الأيام، فلم يكن عليه الصلاة والسلام تابعاً ولا ذليلاً لأي دولة من الدول الكبرى وقتئذ، وإنما كان اعتماده على الله وحده، هو مولاه ومولى المسلمين جميعاً، ولا أحد غيره، يقول عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَـٰفِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُم [محمد:11].

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، واعلموا أن الخطأ كل الخطأ أن نأمل المساعدة من غير المسلمين، والإثم كل الإثم أن نطلب النصرة والحماية من الكافرين، الذين يتظاهرون بحرصهم وبعطفهم على المسلمين، ولكنّ الحقيقة المؤلمة أنهم يُكِنّون العداوة والبغضاء، وما تخفي صدورهم أعظم.

وإن الأحداث والوقائع من أيام الحروب الصليبية حتى يومنا هذا تؤكد ذلك، ويخطئ من يظن أن الحروب الصليبية قد انتهت وقتئذ؛ لأن الغرب منذ أن طُرِد من ديار الإسلام قبل ثمان مائة عام، وهو يخطط ليعود إلى بلادنا من جديد، بأسلوب أو بآخر، ولم يتضح هذا المخطط الاستعماري لكثير من المسلمين إلا بعد الحرب العالمية الأولى، فحين دخل اللورد اللنبي البريطاني مدينة القدس في مطلع القرن الماضي قال: "الآن انتهت الحروب الصليبية"، ومثل ذلك حين دخل الجنرال غورو الفرنسي مدينة دمشق توجه إلى قرب البطل الإسلامي صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه بالقرب من المسجد الأموي، وركل الجنرال غورو المجرم، ركل القبر برجله, وقال بحقد وكراهية: "قم يا صلاح الدين، الآن انتهت الحروب الصليبية".

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، والملاحظ أن كلا القائدين، البريطاني والفرنسي قد استعملا لفظ الآن، على اعتبار أنهما حققا الهدف المنشود، وهو احتلال ديار الإسلام من جديد.

وفي الحقيقة أن الحروب الصليبية لم تنتهِ في الحرب العالمية الأولى، بل هي مستمرة، وإن الأحداث هذه الأيام تؤكد ذلك، إذ إن السياسيين الغربيين الذين يلعبون في مصير الشعوب المستضعفة حالياً، هم صليبيون, ولا يجوز شرعاً أن نثق بهم أو نطمأن إليهم.

أيها المسلمون، يطرح في هذه الأيام مشروع قانون العقوبات الفلسطيني لمناقشته, ولإدخال التعديلات عليه، وقد عقدت خلال هذا الأسبوع عدة اجتماعات من قبل مجلس الفتوى الأعلى، ومن قبل رابطة علماء فلسطين، ومن قبل جمعيات قانونية، وذلك لدراسة مشروع قانون العقوبات، وبيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالعقوبات في الإسلام، مع أنه لا يجوز الاحتكام إلى القوانين الوضعية, والتي تخالف مخالفة صريحة الأحكام الشرعية، وإن أي مشروع يجب أن يعرض على كتاب الله وسنة رسوله، وإنه لا ولاء إلا لله ورسوله، ولا تبعية لأي قانون وضعي.

أيها المسلمون، مهما نزلت من المحن والفتن، ومهما تعرض المسلمون في العالم للضغوطات فإن الحكم الشرعي لا يتغير ولا يتبدل، إن الذي بحاجة إلى التغيير هو نفوس المسلمين، نعم نفوس المسلمين، تلك النفوس التي تمردت على الله رب العالمين، واستمرأت الذل والهوان، فإن أقبلت هذه النفوس على الله واحتكمت إلى كتاب الله وسنة رسوله، فإن الله عز وجل يبدل حال العالم الإسلامي بحال أحسن وأفضل.

وهذه هي المرحلة الأولى في الإصلاح، يقول عز وجل في سورة الأنفال: ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأنفال:52]. ويقول الله عز وجل في سورة الرعد: إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِم [الرعد:11].

تداركنا يا رب العالمين برحمتك وعدلك، وهيئ لنا طريق النجاة والخلاص؛ لنرجع إلى دينك وقرآنك وسنة نبيك.

جاء في الحديث الشريف: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به))[3] صدق رسول الله .

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فيا فوز المستغفرين.




[1] أخرج الطبري في جامع البيان (5/152-154), جملة من القصص في سبب نزول الآيات من حديث ابن عباس والشعبي وقتادة وغيرهم.

[2] ذكره ابن إسحاق في السيرة (ابن هشام3/168).

[3] أخرجه ابن أبي عاصم في السنة(1/12) من حديث عبد الله بن عمرو, وصححه النووي في الأربعين, ووثق رجاله ابن حجر في الفتح(13/289), وأعله ابن رجب في جامع العلوم والحكم (386), وضعفه الألباني في تعليقه السنة لابن أبي عاصم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، له الحمد في الدنيا والآخرة، له الحكم وإليه ترجعون، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، صلاة وسلام دائمين إلى يوم الدين، اللهم صلِّ على سيدنا محمد, وعلى آل سيدنا محمد, كما صليت على سيدنا إبراهيم, وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين، إنك حميد مجيد.

أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، مِنْ على منبر المسجد الأقصى المبارك ينعي أهل العلم الشرعي في بيت المقدس بخاصة, وفي فلسطين بعامة؛ عالماً عاملاً من علماء فلسطين، إنه المرحوم ـ بإذن الله ـ سماحة الشيخ عبد القادر عبد المحسن عابدين، الذي ترك بوفاته فراغاً في هذه المدينة المقدسة المباركة، فإن فقد العلماء هو نزعٌ للعلم بين الناس، فرحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وعوّضَ طلاب العلم الشرعي وذويه خير العِوَض، لله ما أخذ، وله ما أعطى، فكل شيء عنده بمقدار، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، لا تزال امتحانات الثانوية العامة قائمة، تبذل وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية جهوداً كبيرة مباركة لإنجاح هذه الامتحانات، رغم الإعاقات والحصارات المفروضة على شعبنا، فجزى الله خيراً رجالات التربية والتعليم, والمعلمين والمراقبين والمصححين، الذين قاموا ويقومون في إنجاح العملية التربوية، ونتمنى لطلابنا وطالباتنا النجاح والتوفيق والسداد.

أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، أتناول وبإيجاز موضوع كفالة اليتيم في الإسلام، فأقول وبالله التوفيق: لا يخفى عليكم أن ديننا الإسلامي العظيم يحث على كفالة ورعاية الأيتام، فالله عز وجل يقول: فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ [الضحى:9]، ويقول رسولنا الأكرم : ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا))، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى[1].

ويقول في حديث نبوي آخر: ((من مسح على رأس يتيم لم يمسحه إلا لله، كان كان له في كل شعرة مرت عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين)) وفرّق بين إصبعيه: السبابة والوسطى[2].

وفي حديث شريف ثالث: ((إن اليتيم إذا بكى اهتز لبكائه عرش الرحمن، فيقول الله تعالى: من أسكته وأرضاه عليّ أن أرضيه يوم القيامة))[3].

وفي الأثر أخبرنا رسول الله صلىالله عليه وسلم بأن امرأة تزاحمه على باب الجنة، فسأل عنها، فقيل له: إنها أرملة قامت على أولادها الأيتام.

فالمرأة التي تترمّل وتتفرغ لأبنائها الأيتام، لا تتزوج من رجل آخر، فإن الله عز وجل يهيئ لها مرتبة عليا يوم القيامة، فإنها تزاحم حبيبنا ورسولنا على باب الجنة.

وفي مجتمعنا الفلسطيني هناك العشرات، بل المئات من النساء اللواتي يزاحمن رسولنا على باب الجنة، إنهن الخنساوات، وليست خنساء واحدة.

والسؤال يا مسلمون: لماذا نعرض إلى موضوع كفالة اليتيم، وكفالة اليتيم معروفة لديكم يا مسلمون؟

والجواب: إن الحكومة الأمريكية تدعو إلى عدم كفالة الأيتام إذا كان آباؤهم شهداء أو استشهاديين؛ كعقوبة لهؤلاء الأيتام؛ ولردع الآخرين، كما تدّعي أمريكا.

والإجابة من على منبر المسجد الأقصى المبارك بأن الله عز وجل يقول: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِّزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].

ثم ما ذنب الطفل البريء حتى يحرم من الرعاية والكفالة؟ ثم لم يطلب منا ديننا العظيم أن نفتح ملفاً للآباء حتى نقول: هذا يستحق، وهذا لا يستحق، ثم هل يحق لنا شرعاً أن نحرم المسلمين من التوافق بتبرعهم وكفالتهم للأيتام.

ثم إن ديننا الإسلامي العظيم هو دين الرحمة والتكافل والتضامن، وهو دين الحضارة والعزة والكرامة؛ لأنه دين سماوي؛ ولأنه خاتم الأديان، وهو دين للإنسانية جَمْعاء، وعليه فإن المطلب الأمريكي هو مطلب فارغ مرفوض, ويتعارض مع قِيَمِنا الدينية والإنسانية، وإن قَِيمَنا السامية بعيدة عن الانتقام، بعيدة عن الأحقاد، بعيدة عن الغطرسة، وعلى أبناء هذا الدين العظيم أن يتمسكوا به, وأن يعتزّوا به وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ [المنافقون:8]، صدق الله العظيم.



[1] أخرجه البخاري في الطلاق (4892), ومسلم في الزهد (5296), من حديث سهل بن سعد.

[2] أخرجه أحمد (5/250), والطبراني في الكبير(8/202), والأوسط (3/285), من حديث أبي أمامة, وضعفه الهيثمي في المجمع(8/160).

[3] ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن(20/101).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً