.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

إلى متى يا أمتي؟!

3198

العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم

محمد أحمد حسين

القدس

1/3/1424

المسجد الأقصى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- القرآن يدعو المسلمين إلى العودة إلى دينهم. 2- استجابة سلفنا الصالح لدعوة القرآن. 3- ذلة المسلمين وفرقتهم حين ابتعدوا عن دينهم. 4- لا مخرج إلا بالعودة من جديد إلى كتاب الله وسنة رسوله .

الخطبة الأولى

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته، وأحذركم وإياي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله تعالى: مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].

أما بعد: فيقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ [الحديد:16]، لقد ذكرت كتب التفسير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ إلا أربع سنين)[1].

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (إن الله استبطأ قلوب المؤمنين، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نجوم القرآن فقال تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ[2].

أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، أيها الصابرون على البلاء واللأواء وكيد الأعداء، إنه القرآن الكريم خطاب رب العالمين لأمة الإسلام وأهل الإيمان، يقرع القلوب وينادي العقول لاتباع هدايات الله والعمل بذكره الذي بشر به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلفكم الصالح، وهو النور الذي بعث به نبيكم عليه الصلاة والسلام، يبدد جاهلية فسدت فيها العقائد وانحرفت فيها طبائع الإنسانية، وسادها الظلم والقهر والوأد والقتل لأتفه الأسباب، فما أن طرق داعي الله قلوبهم وملأ ذكر الله أسماعهم، حتى غدوا خير أمة أخرجت للناس، تخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، وتعيد للإنسان كرامته الإنسانية في ظل رسالة الإسلام الشاملة التي جعلها الله رحمة للناس جميعاًً وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ [الأنبياء:107].

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، أما آن للمسلمين بعد طول غياب عن تحكيم كتاب الله في شؤون حياتهم من خلال دولة الإسلام التي يرعاها خليفة المسلمين وسلطانهم، أما آن لهم أن يعودوا إلى معين عزتهم ومصدر قوتهم ووحدتهم بعد أن رأوا بأم أعينهم ما جرت عليهم معصيته من ويلات، ببعدهم عن دينهم وتخليهم عن دستورهم الخالد وهداياته الباهرة، وصدق الله العظيم: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ ايَـٰتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ [طه:124-126].

والمتبصر بأحوال المسلمين على امتداد التاريخ الإسلامي يجد هذه الحقيقة القرآنية ماثلة للعيان، حين ابتعدت الأمة عن ذكر الله وهدايات كتابه العزيز أصابها الضعف واعتراها الهوان وطمعت بها أمم الأرض للسيطرة عليها واحتلال أرضها ونهب خيراتها وطمس حضارتها، بإلقائها في النهر كما فعل المغول، أو نهبها ومحاربة عقول علمائها كما فعل الاحتلال الأنجلو أمريكي في العراق اليوم، تحت ستار تحريره، بل تجريده من كل شيء.

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، ومنذ نُحي الإسلام عن سدة حكم الأمة جربت أمتكم كثيراً من الشعارات التي طرحت في ساحة الأمة كالقومية والاشتراكية، وصنفت الدول العربية والإسلامية إلى أنظمة رجعية أو تقدمية، في ظل أنظمة وضعية صاغها الإنسان بعيداً عن أحكام دين الأمة التي تنبثق عن الشريعة، التي تنظم الحياة والأحياء في ظل حاكمية الله.

وفي ظل هذه الأنظمة فقدت الأمة وحدتها، وضعفت العقيدة في نفوس أبنائها، وتراجعت فكرة الدفاع عن أرض الأمة في ظل التمسك بالحدود الإقليمية والنزعة الضيقة بالانتساب إلى الجنسيات المتعددة التي أفرزتها الحدود الاستعمارية بأرض المسلمين، حتى غدا المسلم غريباً في ديار الإسلام.

أيها المسلمون، في ظل هذه الشعارات هُزمت الأمة، وحلت بها النكبات بعد أن رُزئت الأمة بإلغاء نظام الحكم الإسلامي الذي كانت ترعاه الخلافة، فكانت نكبة ديار الإسراء والمعراج التي سلب شعبها من أرضه لاجئاً في سائر بقاع العالم، واكتمل احتلال هذه الديار في نكبة أو في نكسة عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين، كما احتلت أراض عربية أخرى في سيناء والجولان ولبنان، وفي ظل غياب الأمة عن هدايات الله والجري وراء السراب الخادع للنهضة تحت شعارات العلمانية والديمقراطية التي تسوقها أنظمة الكفر في حملة العولمة وفق نظامها وتطوراتها، ويحاول حكام أمتنا المهزوزة تطبيقها على واقع الأمة وغرسها في تربة لا تعيش فيها، وقد فقدت الأمة مع هذا الواقع أدنى مقومات التعاون وعوامل الوحدة، وفرط عقد الدفاع المشترك التي أقرته جامعة الدول العربية إحدى إفرازات الاستعمار القديم، مما حدا بالكثير من أعضاء هذه الجامعة أن يكونوا عوناً للغازي المستعمر بتسخير أرضهم ومياههم وأجوائهم لاجتياح بلاد الرافدين مهد الحضارات الإسلامية وحاضرة حواضر الخلافة الإسلامية، يوم تنكرت أنظمة عربية لتاريخها وحضارتها وعزة أمتها وكرامة شعوبها، وراحت ترى في الاحتلال والاستعمار مخلصاً لها من أخطار محتملة، لتكون الأمة فريسة لأخطار محققة من قبل المستعمرين القدامى، والجدد من البريطانيين والأمريكيين الذين يعملون على رسم خارطة جديدة للمنطقة العربية والإسلامية وفق أهدافهم ومخططاتهم، هذا إذا بقيت شعوب الأمة تغطُّ في سبات عميق، يرعاه حكامها وولاة أمورها تحت ذرائع العجز والضعف المفضي إلى الذل والعار الذي تسعى إليه بعض شعوب الأمة أو بعض أبناء فلذاتها، الذين يتكلمون بألسنتنا، وينفذون مخططات أعدائنا بتمكينه من ناصية الأمة في زمن زادت فتنه، وليل اشتد ظلامه، وكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم يطل على الأمة في ذكرى مولده يحذر الأمة من هذه الفتن بقوله: ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا))[3] أو كما قال.

فاعتبروا يا أولي الأبصار، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.




[1]  رواه مسلم في صحيحه (3027) كتاب التفسير، باب في قوله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ.

[2]  رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، وابن مردويه في تفسيره، كما عزاه إليهما السيوطي في الدر المنثور 8/58.

[3]  رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة (118)، كتاب الإيمان، باب الحث على المبادرة بالأعمال.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن اقتدى واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

وبعد: أيها المسلمون، من الحق الذي أنزله الله على رسوله عليه الصلاة والسلام واستجاب له المؤمنون وعملوا على تطبيقه قول الله تعالى: وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ [الأنعام:153]، وقوله تعالى: وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155]، وقوله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24]، فحياتكم أيها المسلمون في اتباع كتاب الله وسنة رسوله.

أما آن لكم ـ أيها المسلمون ـ أن تخشع قلوبكم لهذا الذكر الحكيم والهدي المبين والحق اليقين الذي عمل به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلفكم الصالح، فدانت لهم الدنيا ونشروا رايات الحق خفاقة في ربوع العالم، يهدون إلى الخير، وبه يعملون، وينبذون الشر، وعنه يعدلون، أيام كان المسلمون بحالة مرهوبة، والعود صلب المكسر، أيام كان الدين ملأ نفوسهم، وأتوا على كسرى العظيم وقيصر، فهلا نهج المسلمون اليوم نهج الألى سبقوا والتفوا حول قرآنهم وسنة نبيهم، فهو القائل: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي))[1] إذاً لا مخرج للأمة مما تعانيه إلا الرجوع إلى دينها والحكم بما أنزل الله، فهذا هو السبيل الوحيد لنهضة الأمة والذود عن كرامتها وحماية أوطانها، وكما حررت الأمة بلادها من اجتياح المغول في عين جالوت، وردّت الحملات الصليبية في حطين يوم كان الشعار: وا إسلاماه، وكان الحاكم لا يبتسم وبيت المقدس أسير الاحتلال.

أما أنتم يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، وقد اشتدت الهجمة الاحتلالية في القتل والتدمير والاجتياح، فمزيداً من الصبر والثبات والرباط ووحدة الصف، ولا تسمحوا لحاقد أو مارق أن يفتَّ في عضدكم أو يفرق جمعكم، وليرتفع الجميع إلى مستوى المسؤولية التي تواجه الشعب بأسره، لا تخيبوا أمل الأمة في رباطكم وجهادكم، فلا زلتم الطائفة الظاهرة في بيت المقدس وأكناف بينت المقدس رغم البلاء واللأواء وتكالب الأعداء وخذلان الأشقاء، وتمثلوا قول القائل:

كونوا بني قومي جميعاً إذا اعترى                    خطب ولا تتفرقوا آحـادا

تأبى الرمـاح إذا اجتمعن تكسـرا                 وإذا افترقن تكسرت آحادا

أيها المسلمون، أيها المصلون في رحاب المسجد الأقصى المبارك، خلال الأسبوع المنصرم ودع المسلمون عالماً عاملاً من علماء المسلمين، مثالاً للدعوة والدعاة، صادقاً، ولا نزكي على الله أحداً، عاملاً لرفعة شأن الإسلام والمسلمين، إنه الشيخ عبد القدير زلوم، نسأل الله تعالى أن يعوض الأمة خيراً بفقده وسائر إخوانه العلماء.



[1] أخرجه مالك في الموطأ: كتاب الجامع (1661) بلاغاً، ووصله الحاكم (1/93)، والدارقطني (4/245)، وابن عبد البر في التمهيد (24/331)، والبيهقي (10/114) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال ابن عبد البر: "وهذا محفوظ معروف مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم شهرة يكاد يستغنى بها عن الإسناد"، ثم ذكر له شواهد، وصححه ابن حزم في الإحكام (6/243)، وحسن الألباني إسناد الحاكم في مشكاة المصابيح (186)، وانظر: السلسلة الصحيحة (4/361).

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً