عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته، وأحذركم وإياي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله تعالى: مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وبدأ عدوان تحالف الإثم والشر والغطرسة والطغيان الذي تقوده أمريكا المستكبرة على بلاد الرافدين، هذا العدوان الغاشم الخارج على كل المعايير القانونية والأخلاقية، والذي يستهدف الشعب العراقي الشقيق وأرضه ومقدراته وكرامته وحريته وعزته ونهضته العلمية وإرادته الأبية التي رفضت وما زالت ترفض الهيمنة والتبعية للغزاة والمعتدين، تلك الإرادة التي تغذّيها عزة الإيمان وتشدها نحو المعالي ثقافة الإسلام التي احتضنتها حاضرة الرشيد، وشهدت بطاحها عزمات شعب خالد في بلد العلم والعز ومَعين النجدة لكل قضايا الأمة، منذ أشرفت على هذه الدنيا شمس الإسلام ونور الإيمان.
أيها المسلمون في كل مكان، ويأتي العدوان على العراق في ظل تخاذل وتواطؤ دول العروبة وتراجع دول منظمة المؤتمر الإسلامي، تلك الدول التي أعلنت أمام شعوبها وأمام العالم في مؤتمرين لها في مطلع هذا الشهر أنها ترفض العدوان على العراق أو أية دولة أخرى من دول الجامعة أو من دول منظمة المؤتمر الإسلامي، وقد وجدت هذه الدول ذريعة لمعارضة العدوان إذا كان لا يستند إلى الشرعية الدولية، ظناً من هذه الدول أنها وجدت ما يبرر عجزها وتواطؤها تحت ستار ما يسمونه الشرعية الدولية، هذه الشرعية المدعاة التي لم تأبه دولة الشر والعدوان لموقف مجلس أمنها من رفض العدوان، فعدلوا عن اللجوء إليه بعيداً عن قرارات هذه الشرعية، والتي تسارع دول العروبة ودول منظمة المؤتمر الإسلامي إلى احترام قراراتها والالتزام بتنفيذها.
لقد ضربت قوى الاستكبار العالمي بعرض الحائط قرارات مؤسسة الشرعية الدولية، واقترفت جريمتها بشن العدوان على العراق، لتلبي نوازع الغطرسة وتشبع نهم المكابرين بمصائب الشعوب وثرواتها لدى الطغمة المتنفذة في إدارة الشر في كلٍ من أمريكا وبريطانيا التي لا يغيب عن ذهن شعبنا ولا شعوب المنطقة ما جره استعمارها من ويلات على هذه البلاد بعد اقتسام تركة الدولة العثمانية بينها وبين دول الاستعمار آنذاك، فيما عرف بمعاهدة سايكس بيكو.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، وإذا جاز لنا القول أن التاريخ يكرر نفسه، فما العدوان الغاشم والغزو الجديد للعراق إلا مقدمة لإعادة رسم خارطة المنطقة وتقسيمها إلى كيانات، لا ترقى إلى مستوى دويلة، فضلاً عن دولة، هذه الكيانات التي ستغرق في شلال الحروب الداخلية والنزاعات العرقية والطائفية التي ستغذيها السياسات الاستعمارية للإبقاء على شعوب المنطقة ضعيفة ممزقة، ترزح في ظل المديونية، لإحكام انقياد الشعوب لإرادة الكافر المستعمر أو من ينصبه الكافر حاكماً من بني جلدتنا الذين يتكلمون بألسنتنا، وسيوفهم في خدمة أعدائنا، كما هو حال حكام الأمة اليوم الذين سقطت كل البراقع الزائفة عن وجوههم، وفقدوا ورقة التوت التي تستر عوراتهم، ولقد أصاب من وصفهم بقوله:
وكيف تنمو معاني العز في بلد إن كــان يحكمـه أذلاء
يستمرئون حيـاة الـذل ويحهم لديهم قد تساوى السم والماء
لا حق يجمعهم لا دين يردعهم للشر يدفعهم كبـر وفحشاء
أيها المسلمون، إن موقف المتخاذلين من حكام الأمة اليوم يشبه دور حكام دول الطوائف الذين تحالفوا مع الفرنجة في الأندلس، فضيعوا البلاد والعباد، وكان مصيرهم الخزي والعار، وسجلهم التاريخ في صحائفه السوداء مع الكامل الأيوبي وابن العلقمي الذي قام بعض حكامنا بدوره، فقدموا ديار العزة العربية والكرامة الإسلامية على طبق من الذل والاستخزاء، لتكون منطلقاً للعدوان على بلاد الحضارة الإسلامية وحاضرة الخلافة العباسية، بغداد الرشيد والمعتصم، وبوابة العز للأمة على امتداد التاريخ الإسلامي.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، من المعلوم من الدين بالضرورة أنه لا تجوز موالاة الكافر لقوله تعالى: لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَىْء [آل عمران:28]، وقوله تعالى: يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ءابَاءكُمْ وَإِخْوٰنَكُمْ أَوْلِيَاء إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَـٰنِ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ [التوبة:23]، فكيف بتولي الكافر وإعانته على قتل المسلم وتسهيل مهمته في الظهور على ديار الإسلام والمسلمين.
لقد أجمع علماء الأمة الذين يعتدُّ بقولهم أن دفع الغزاة عن ديار المسلمين فرض عين على جميع المسلمين لقوله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً [التوبة:123]، فتحرم معاونة أو مظاهرة أو مشاركة الكافر الغازي في قتل المسلمين واحتلال أرضهم.
ولتعلم شعوب الأمة أن ما تخسره الأمة على طبق الذل والهوان يفوق كثيراً ما تقدمه الأمة في ساح العطاء والفداء، دفاعاً عن الأرض والعرض والعقيدة والعزة والكرامة التي اختص بها الله نفسه وأكرم بها رسوله والمؤمنين، فقال تعالى: وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ [المنافقون:8].
جاء في الحديث الشريف عن خباب قال: كنا قعوداً على باب النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج علينا، فقال: ((اسمعوا))، قلنا: سمعنا، قال: ((اسمعوا))، قلنا: قد سمعنا، قال: ((إنه سيكون بعدي أمراء، فلا تصدقوهم بكذبهم، ولا تعينوهم على ظلمهم، فإن من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم لم يرد عليّ الحوض))[1]، أو كما قال، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
[1] أخرجه أحمد في المسند(6/395)، والطبراني في الكبير(3627)، والبيهقي في الشعب(7/45)، كلهم من حديث خباب. قال الهيثمي في المجمع (5/248): رجاله رجال الصحيحين، خلا عبد الله بن خباب، وهو ثقة. والحديث صححه ابن حبان (284)، والحاكم (1/151).
|