أيها المسلمون، يا من أديتم فريضة الصيام، اليوم أشرقت شمس عيد الفطر السعيد بعد أن رحل عنا الضيف الكريم رمضان المبارك سريعاً، هذه الأيام تمر مر السحاب في عمرنا، فهنيئا لمن استفاد من وقته بالعبادات والطاعات والأعمال الصالحات، ونحمد الله رب العرش العظيم على توفيق المسلمين أن صاموا معاً في يوم واحد، وأفطروا معاً في يوم واحد، ولا يؤبه بمن شذ، ومن شذ عن جماعة المسلمين فقد شذ في النار.
أيها المسلمون، يا من أديتم فريضة الصيام، اليوم أطلت علينا بشائر الجائزة لمن صام وقام وأكرم رمضان وكف لسانه عن الغيبة والنميمة والكذب والخطأ والبهتان، فيقول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))[1].
فهذا اليوم هو يوم الجائزة، كما بشرنا بذلك رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق، فنادوا: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم، يمن بالخير ثم يثيب عليهم الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقطفوا جوائزكم، فإذا صلوا نادى مناد: ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة))[2].
أيها المسلمون، يا من أديتم فريضة الصيام، تتمثل الجائزة بالثواب العظيم الجزيل من الرحمة والمغفرة والعتق من النار، هذا الثواب الذي لا يستطيع أحد من البشر أن يتصور مقداره، لأن المولى عز وجل لم يطلع أحداً عليه، حتى الأنبياء والمرسلين والأتقياء والصالحين، بل اختصه عز وجل لنفسه، فنسأل الله رب العرش العظيم أن يمنحنا وإياكم هذه الجائزة.
وعليه فإن العيد للصائمين، أما الذين أفطروا متعمدين بدون عذر شرعي فلا جائزة لهم، وقد خسروا الثواب الكبير، ولحقهم الإثم العظيم، وبئس المصير.
أيها المسلمون، يا من أديتم فريضة الصيام، طوبى وهنيئاً لمن صام وقام شهر رمضان المبارك، هذا الشهر الكريم الذي مر حزيناً متألماً للإجراءات الظالمة من الاحتلال البغيض الذي حرم مئات الآلاف من المسلمين من الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك، هذا الاحتلال الذي قتل آلاف الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال، فتيتمت الأولاد وترملت الزوجات وتـثكلت الأمهات، هذا الاحتلال الغاشم الذي نسف المنازل ودمر المؤسسات وفرض منع التجول وأقام الحواجز العسكرية والحصارات اللعينة على المدن والقرى والمخيمات، والناس صائمون راكعون ساجدون يستغفرون ربهم ويبتهلون إلى الله العلي القدير أن يتقبل صيامنا وقيامنا وأن يرفع الاحتلال عنا، وليس ذلك على الله ببعيد.
أيها المسلمون، يمر علينا هذا العيد في الوقت التي تنام فيه قضية القدس والمقدسات على المستوى المحلي والعربي والإسلامي والعالمي، وأخيراً يأتي الكونجرس الأمريكي ليدعي أن القدس عاصمة لإسرائيل، وهذا القرار الصادر قرار باطل شرعاً، لأن ليس صاحب صلاحية ليصدر مثل هذا القرار، ولا بد من التأكيد على موقفنا الإيماني الثابت من مدينة القدس كلها، بأنها مدينة عربية إسلامية، ويجب أن تعود إلى حظيرة وسيادة العرب والمسلمين، ونعلن باسمكم ومن على منبر المسجد الأقصى المبارك، نعلن رفضنا لتهويد المدينة، ورفضنا أيضاً لتدويلها، وأنه لا مجال للتنازل شرعاً عن القرار الرباني الإلهي بإسلامية هذه الديار المباركة المقدسة المطهرة، كما أن المسجد الأقصى المبارك يمثل جزءاً من عقيدتنا وإيماننا، وهو للمسلمين وحدهم، ونحن حراسه وسدنته وخدامه، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، جاء في الحديث النبوي الشريف: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله))[3] صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله العظيم وبحمده بكرة وأصيلاً، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي بعثه الله بشيراً ونذيراً.
أيها المصلون، إنه العيد يوم من أيام الله، إنه يوم عبادة تؤدى فيه صلاة العيد، وتقوى فيه صلات الرحم بين الناس، فمن كان مقاطعاً أمه أو ابنته أو أخته، فليبادر إلى زيارتها.
إن قطع الرحم من المحرمات، بل من الكبائر ومن يقطع صلة الرحم يقطعه الله من رحمته في الدنيا والآخرة، فحافظوا أيها المسلمون على صلة الرحم لينـزل الله رحمته علينا.
أيها المسلمون، ليس العيد بإقامة الحفلات والمسلسلات، ليس العيد للفاجرين والفاسقين والمنحرفين، إنما العيد للصائمين الذين أدوا ركن الصيام، فالمؤمن مسرور مبتهج لأن الله عز وجل وفقه وأعانه على أداء هذه الفريضة.
لقد كان التكريم من المولى عز وجل لهؤلاء الصائمين بأن جعل لهم عيداً يفرحون به لقول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم من حديث مطول: ((للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه))[4].
أيها المصلون، أذكركم في هذا العيد بتفقد عائلات الشهداء والأسرى والمعتقلين والمنكوبين وزيارة الجرحى والمرضى، أدخلوا السرور إلى قلوب شعبنا المنكوب الصابر المرابط، خففوا عنه وطأة المأساة التي يمر بها، فالعيد هو عيد التراحم والتواصل والتضامن والتكافل الاجتماعي.
أيها المصلون، أذكركم بحكمين فقهيين شرعيين، وهما:
الحكم الأول: بشأن التكبيرات في عيد الفطر السعيد، وقد بدأت التكبيرات من وقت غروب الشمس أمس الأربعاء وتنتهي هذه التكبيرات بانتهاء إلقاء خطبة العيد فقط، في حين أن التكبيرات أيام عيد الأضحى المبارك تستمر خمسة أيام.
الحكم الثاني: يتعلق بقبول التعازي يوم العيد حين زيارة المقابر، بحجة أن هذا العيد هو أول عيد يمر بعد وفاة الميت، وهذه بدعة، ولا يجوز شرعاً، لأن المدة المشروعة للتعازي هي ثلاثة أيام، ولا يجوز تجديد الأحداث.
[1] أخرجه البخاري في الإيمان (38)، ومسلم في صلاة المسافرين (760).
[2] أخرجه الطبراني في معجمه الكبير، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب(670)
[3] أخرجه مالك في الموطأ بلاغًا (1661)، ووصله الحاكم في المستدرك (1/93) وابن عبد البر في التمهيد (24/331) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: "هذا محفوظ معروف مشهور عن النبي عند أهل العلم شهرة يكاد يستغنى بها عن الإسناد" وصححه الألباني في صحيح الجامع [2937].
[4] أخرجه البخاري في الصوم (1904)، ومسلم في الصيام (1151).
|