أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، يا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد احتشد جمعكم في هذه الرحاب الطاهرة، رحاب المسجد الأقصى، الذي بارك الله فيه، وبارك حوله، وقد شددتم الرحال من بواكير هذا اليوم الأغر، يوم الجمعة الأخيرة من هذا الشهر الفضيل، وقد اجتمع لكم الفضل والخير من جميع أطرافه، أديتم فريضة الصيام، وهي ركن من أركان الإسلام، وحذتم فضيلة المكان، حيث المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث مسجد تشد إليه الرحال، وتجثو أمام هيبته مواكب الرجال.
لقد اجتزتم كل العوائق والحواجز التي يقيمها الاحتلال، لتحول بينكم وبين المسجد الأقصى المبارك، وما درى هذا الاحتلال الغاشم أن العقيدة الراسخة لا تقف أمامها الحواجز والعوائق في سبيل الوصول إلى المسجد الأقصى الذي يمثل جزءاً من عقيدتنا الإسلامية لارتباطه بمعجزة الإسراء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، نسأله تعالى أن يجعل جمعنا مغفوراً وصيامنا مقبولاً وأن لا يجعل فينا شقياً ولا محروماً وأن يحفظ المسلمين والمسجد الأقصى المبارك من كيد المائدين واعتداء المعتدين، وأن يجمع شمل المسلمين لإعلاء كلمة الحق والدين، إنه على كل شيء قدير، وهو نعم المولى ونعم النصير.
أيها المسلمون، أيها الصائمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، إن جمعكم الميمون هذا في بيت المقدس ومسجدها الأقصى يؤكد حقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، أنكم أهل هذه الديار تضرب جذوركم في أعماق أرضها ثابتة راسخة رسوخ جبالها وشموخ مسجدها، الذي تحدى وما يزال كل الغزاة والطامعين بكم وبأرضكم، كما أن جمعكم هذا في هذه الرحاب الطاهرة يوجه رسالة واضحة للاحتلال والمحتلين أن للقدس حضارتها وتاريخها ومقدساتها، وأن هذه الأرض المباركة لن تكون إلا لأهلها الشرعيين بوجهها الإسلامي المشرق وهويتها العربية، ولن يغير هذا الوجه أو يطمس هذه الهوية ما يمارسه الاحتلال من تهويد وتغيير لمعالم القدس أو الحفر في باطن الأرض بحثاً عن حضارة وهمية تقوم على دعاوى مزعومة لم يكتب لها التاريخ بقاء أو استمراراً، بل مرت مرور الغابرين من الغزاة الذين قارعوا القدس فقرعتهم، ونازلوها فهزمتهم، وأفسدوا فيها فلفظتهم.
فوطنوا النية ـ أيها المسلمون ـ للرباط في هذه الديار المباركة التي أكرمكم الله بسدانة مسجدها في الوقت التي تهفوا إليه قلوب الملايين من المسلمين ولا يستطيعون الوصول إليه منذ غدت القدس أسيرة الاحتلال، وغاب عن ساحة الوغى فاروقها عمر، ومحررها صلاح الدين.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، إن جمعكم هذا يدق ناقوس الخطر للعالم الإسلامي بما يحدق بهذه الديار، إذ راح حكام المسلمين اليوم يقومون بدور الكامل الأيوبي ودور حكام دول الطوائف بالأندلس، الذين استعانوا بعدوهم للقضاء على بعضهم بعضاً، لقاء عرض زائل وسلطان موهوم، ألم يقرؤوا قول الله تعالى: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ [البقرة:217]، فهل توقف معسكر الكفر على اختلاف مسمياته عن حرب الإسلام والمسلمين بشتى الوسائل العسكرية والثقافية والفكرية؟
ولكم في ما يجري اليوم على ساحة الشعوب الإسلامية عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فالعدوان المبرمج الذي يستهدف الأرض والإنسان في فلسطين برهان واضح على سياسة التطهير العرقي الذي تنتهجه سلطات الاحتلال لتحقيق مخططها الصهيوني بالسيطرة على أرض بلا شعب، وأنى لهم ذلك، وقد بشركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرباط في هذه الديار إلى يوم الدين.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، لم تقتصر الحرب في هذا الزمان على شعبنا وأرضه، بل امتدت إلى ساحات كثيرة أخرى في دنيا المسلمين، فأفغانستان والشيشان والسودان وغيرها، كل ذلك تحت ذرائع مختلفة، تقود إلى هدف واحد، هو حرب الإسلام والمسلمين، كما تفعل أمريكا رأس الكفر في هذا الزمان، فتجيش الجيوش وتحشد الحلفاء لشن عدوان سافر على أرض الرافدين، لتدمير الشعب العراقي الذي يرزح تحت الحصار الدائم باسم الشرعية الدولية وتطبيق قرارات مجلس الأمن، بل مجلس الحرب الذي أصبح أداة طيعة لخدمة الإدارة الأمريكية في بسط هيمنتها على بلاد المسلمين بأسرها وإعادة نشر خارطة المنطقة بما يتفق ومخططاتها الاستعمارية.
لقد بلغ الصلف مداه بهذه الإدارة، حيث طلبت من الأنظمة القائمة في دنيا العرب والمسلمين تسهيل عملياتها الحربية أثناء عدوانها المرتقب على العراق، وكأن هؤلاء بمعزل عن غايات الحرب الصليبية الجديدة التي تقودها أمريكا الحاقدة ضد الإسلام والمسلمين، فهلا أفاق المسلمون من سباتهم، وعاد اللاهثون وراء سراب المستعمر الكافر إلى رشدهم، فوحدوا صفهم وجمعوا كلمتهم، واستذكروا العزة الإسلامية في شهر رمضان، شهر الجهاد والفتوحات والانتصارات في بدر ومكة وعين جالوت وعمورية واليرموك، وغيرها من أيام الله المجيدة.
وصدق الله العظيم: وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155]، جاء في الحديث الشريف عن جابر رضي الله عنه قال: ((يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قِبل العجم يمنعون ذاك)) فهل من معتبر وهل من مدّكر، فاعتبروا يا أولي الأبصار، وادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة.
|