أما بعد:
قال الله عز وجل في كتابه العزيز وهو أصدق القائلين: وَكَأَيّن مّن نَّبِىّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِى أَمْرِنَا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ [آل عمران:146، 147]. صدق الله العظيم.
أيها الإخوة المصلون، يا أبناء شعبنا الفلسطيني المرابط المجاهد، يا أمة الإسلام، يا أمتي، يا خير أمة أُخرجت للناس، موضوع خطبة الجمعة.
الاجتياح الإسرائيلي لشعبنا ودلالاته وما هو المطلوب من شعبنا وامتنا في هذه المرحلة؟
فأقول وبالله التوفيق: حكومة العدو الإسرائيلي بزعامة الأحمق الإرهابي شارون قررت وقبل أكثر من عشرين يوماً أن يجتاح الجيش الإسرائيلي مدننا وقرانا ومخيماتنا، فعاثوا في الأرض فساداً فقتلوا وجرحوا وأسروا كما تعرفون الآلاف وهدموا البيوت وارتكبوا المجازر وهدموا المساجد وحاصروا شعبنا، ولكي يخفوا هذه الجرائم وهذه المجازر قاموا بسرقة الشهداء ودفنهم، نعم أيها الإخوة فما هي دلالة هذا الإرهاب الإسرائيلي؟
هذا يدل أولا: على أن اليهود قوم مجرمون إرهابيون كما قال الله عز وجل فيهم: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ [المائدة82]. هذا الاجتياح له دلالته على أن اليهود قتلة الأنبياء، فقد قتلوا سيدنا زكريا ويحيى عليه السلام، وحاولوا صلب السيد المسيح عليه السلام، وحاولوا قتل النبي محمد ، وتاريخهم كما تعرفون سلسلة من الجرائم في كفر قاسم وفي دير ياسين وفي صبرا وشاتيلا.
إذاً ما ارتكبه الصهاينة من مجازر في مخيم جنين الصمود وفي مدينة نابلس وفي غيرها هو من مسلسل إجرامهم، وهذا يؤكد استحالة التعايش السلمي بيننا وبينهم، وهذا تذكير لأبناء جلدتنا ولحكام العرب والمسلمين الذين ظلوا سنوات يلهثون خلف ما يسمى بالمسيرة السلمية والحل السلمي، إذ أنه من الاستحالة أن يكون هناك تعايش سلمي بين هؤلاء اليهود ـ الذين ارتكبوا هذه المجازر في الماضي وارتكبوها قبل أسابيع وفي كل يوم يرتكب الصهاينة مجزرة ضد شعبنا ـ وبين شعبنا الفلسطيني إلا أن هؤلاء اليهود المجرمون سوف يدفعون ثمن هذه المجازر ثمناً غالياً، فأرواح الشهداء ودماء الجرحى والله لن تذهب هدراً، سيدفع الصهاينة ثمنها بإذن الله..
اللهم يتِّم أطفال اليهود كما يتموا أطفالنا، اللهم رمل نساء اليهود كما رملوا نساءنا، اللهم اهدم كيانهم وبنيانهم ودولتهم كما هدموا بيوتنا يا رب العالمين..
هذه دلالة على هذا الاجتياح الإسرائيلي، اليهود قتلة مجرمون إرهابيون عدوانيون.
أما الدلالة الثانية على هذا الاجتياح: هي أن أمريكا عدوة لشعبنا ولأمتنا، فما كان الجيش الإسرائيلي ليجتاح مناطقنا إلا من خلال مباركة وموافقة وبدعم أمريكي للكيان الصهيوني، وكما تعلمون أن أمريكا وقفت مع دولة الكيان منذ أكثر من سبعين سنة، دعمتها سياسياً وعسكرياً ومالياً، وهذا أيضا تذكير لأبناء جلدتنا ولطواغيت العرب والمسلمين الذين هم تبع وذيل لأمريكا، ويزعمون بأن أمريكا راعية السلام! أمريكا راعية للإرهاب، وهذا الإرهابي بوش يقول: إن شارون رجل سلام!!.. شارون الذي تلطخت أيديه وأيدي حكومته وجيشه ومنذ عشرات السنين بالمجازر.. ها هو بوش يزعم أن شارون رجل سلام، وهذا تذكير مرة أخرى لمن يحجون البيت الأسود الذي نسأل الله أن يجلل البيت الأبيض بالسواد وأن يذل أمريكا وأن يذل من ينسق مع أمريكا ويسير في فلكها يا رب العالمين.
نعم يصدق في الأمريكان قول الله عز وجل: وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]. فاليهود والأمريكان في خندق معادي للإسلام والمسلمين، فعلى المسؤولين الفلسطينيين وحكام العرب والمسلمين أن يراجعوا أنفسهم وأن يتوقفوا عن التنسيق مع أمريكا وعن التبعية لها والتذلل لها.
أما الدلالة الثالثة على هذا الاجتياح الإسرائيلي: فقد ظهر عجز وتخاذل حكام العرب والمسلمين الملوك والرؤساء، فهم كغيرهم شاهدوا المجازر التي ارتكبها اليهود ضد شعبنا فلم تحرك هذه الأنظمة ساكناً وقفت موقف المتفرج ليصدق في هؤلاء الحكام الملوك والرؤساء قول الله عز وجل: وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَىْء وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ [النحل:76]. ملوككم، رؤساؤكم يصدق فيهم هذه الآية وهو كلٌ على مولاه، يعني الملوك والرؤساء يعيشون على مساعدات أمريكا ـ وغيرها ـ المشبوهة، وما من مساعدة تقدمها أمريكا أو أوروبا أو هذه المؤسسات إلا ويقصد بها مصادرة الإرادة ومصادرة القرار السياسي .. عندما تأتي أمريكا وتقدم كذا مليون لهذه الدولة أو كذا مليار لهذه الدولة تكون بهذه المساعدة قد صارت قرارها السياسي، ولذلك ذبح الشعب الفلسطيني وملوك العرب والمسلمين لا يحركون ساكناً ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ويصدق فيهم قول الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
ويقول الشاعر أيضاً:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
حكام العرب يعيشون عالة على أمريكا، ولذلك ـ أيها الإخوة ـ لم نفاجئ بهذا الموقف المخزي لحكام العرب والمسلمين لأنهم أوصلوهم إلى سدة الحكم ليقوموا بالنيابة عنهم لمحاربة شعوب العرب والمسلمين.
يا حكام العرب، يا للخزي والعار.. يُذبح شعبنا في كل يوم، وهم لا يحركون ساكناً، لا نسمع إلا مبادرة من هنا ومن هناك، كفاكم خزيا يا حكام العرب والمسلمين، كيف ستواجهون ربكم يوم القيامة؟ إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول كلمته المأثورة: (والله لو عثرت بغلة في أرض الفرات لخفت أن يسألني الله عنها يوم القيامة لمَ لم أسوِ لها الطريق)، لله درك يا عمر بن الخطاب تخشى من الله يوم القيامة أن يسألك عن ناقة تعثرت في أرض الفرات.
يا ملوك العرب والمسلمين، إن شعباً يتعثر، إن شعبنا الفلسطيني ُيذبح، تنتهك المقدسات وينتهك المسجد الأقصى ولا تحركون ساكناً، بأي وجه سوف تلتقون ربكم، اللهم إنا نسألك إما أن تهدي حكام العرب والمسلمين وإما أن تأخذهم أخذ عزيز مقتدر وأن تريح الشعوب من هؤلاء الحكام الفجرة يا رب العالمين، هذه دلالة ثالثة على هذا الاجتياح.
أما الدلالة الرابعة، فقد أظهر هذا الاجتياح تفاعلاً لدى جميع الشعوب العربية والإسلامية، يا إخوتنا المصلين، كان المطبّعون والذين يعملون على أمركة هذه الشعوب ـ خاصةً فئة الشباب ـ كانوا قد ظنوا بأن هؤلاء سوف يقبلون بالتطبيع مع اليهود والانحناء لأمريكا، وإذا بهؤلاء الشباب يهبون في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي نصرة للشعب الفلسطيني.. فقد خرج الشعب المصري في أرض الكنانة التي نسأل الله أن يحفظها وأن يحفظ شعبها، وخرج شعب الأردن وشعب سورية والعراق ولبنان وفي السعودية وفي الإمارات، وقفوا، وهبوا مع شعبنا يدعمون هذا الشعب مادياً ومعنوياً بهذه المظاهرات والمسيرات والتبرعات، لقد شاهدنا عبر محطات التلفزة كيف يتسابق الشعب السعودي، الرجال والنساء والأطفال والأغنياء والطلاب، وكذلك في اليمن وفي الأردن وفي مصر.
إن هذه التبرعات وهذه المسيرات أقلقت الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك هي الآن غير راضية عن السعودية وعن مصر بالذات، لأن مصر.. شعب مصر، علماء مصر، وشعب السعودية، وعلماء السعودية يصفون جهاد شعبنا والعمليات الجهادية بأنها عمليات استشهادية، ويأتي الإرهابي بوش فيقول ـ وهو غضبان على علماء السعودية ومصر وغيرها لأنهم يصفون جهادنا بأنه استشهاد ـ يقول لهم: هذا إرهاب، لا يا بوش اسمع ـ لا سمعت الرعد ـ فان جهاد شعبنا ضد الاحتلال هو جهاد مشروع أقرته الشرائع السماوية وأقرته القوانين الوضعية، وبارك الله بعلماء المسلمين.
ولقد أفتى علماء المسلمين بأن هذه العمليات الجهادية هي استشهاد، وهي قمة في الجهاد، وبارك الله في مفتي مصر الذي وصف هذه العمليات بالاستشهادية بعد أن كان قد أفتى خطأً في الماضي بأنها عمليات انتحارية، ولقد أفتينا نحن في رابطة علماء فلسطين بأن هذه عمليات جهادية استشهادية، ونسأل الله عز وجل أن يجمعنا مع الاستشهاديين في الفردوس الأعلى، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
الإرهابي شارون والإرهابي بوش غاضبون علينا نحن العلماء لأننا نحرض الناس على القتال وعلى الجهاد.. اسمعوا يا صهاينة.. اسمعوا يا أمريكان: إن وظيفة العلماء هي أن يحرضوا الأمة على الجهاد امتثالًا لقول الله عز وجل: يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَرّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ [الأنفال:65]. هذا واجبنا، إذ لا بارك الله في العلماء إن لم يجاهدوا، وإن لم يحرضوا على الجهاد.
فإذن ـ أيها الأخوة ـ من بركات هذه الانتفاضة أن انتفاضتنا حركت الشعوب في العالم العربي والإسلامي، وإننا من هنا من مدينة نابلس جبل النار، من فلسطين نطالب إخواننا كل الشعوب في العالم العربي والإسلامي أولا أن يوقفوا كافة أشكال التطبيع السياسي والثقافي والاقتصادي والأمني مع العدو الإسرائيلي، نطالب كل الشعوب أن تقاطع البضائع الإسرائيلية وكذلك البضائع والسلع الأمريكية، ونطالب كل من له مدخرات لدى البنوك الأمريكية أن يسحبوا هذه الأرصدة حتى تتكسر أمريكا من خلف الدولار بإذن الله عز وجل، وإننا نثمن دعوة الجهاد في مصر التي طالبت بسحب الأرصدة من أمريكا حتى يذلها الله تبارك وتعالى، كما إننا نطالب كل الشعوب أن تنتقل من مرحلة المظاهرات والمسيرات ومن مرحلة جمع التبرعات للشعب الفلسطيني، الانتقال إلى مرحلة الجهاد بالنفس، لن نرضى نحن الشعب الفلسطيني إلا إذا جاءت هذه الجيوش، وإذا جاء هؤلاء المجاهدون ليشاركوننا في الجهاد في فلسطين ضد العدو المحتل، وهم قادمون بإذن الله تبارك وتعالى.
أيها الإخوة الكرام، وأخيراً وليس آخراً، إن اجتياح الجيش الصهيوني لأرض شعبنا ومقاومة شعبنا له تدل على أن شعبنا الفلسطيني هو شعب صابر مرابط مجاهد بطل لن يستسلم.. وإن جيوش العالم العربي في الثمانية والأربعين وفي السبعة والستين لم تصمد أمام الجيش الصهيوني كما صمد المناضلون المجاهدون في مخيم جنين وفي مدينة نابلس وفي غيرها.. وهذا دليل على أن شعبنا لن يستسلم أبداً ولن يستسلم للمحتلين بإذن الله، بل باعترافات العدو الإسرائيلي، أنفسهم فقد نشرت جريدة هآرتس قبل ثلاثة أيام تقول: إسرائيل لم تنتصر في حملتها (السور الواقي).. ومقال آخر في جريدة يدعوت أحرنوت يقولون: (شارون يقود إسرائيل للكارثة).
ونسأل الله أن تحل الكوارث على الكيان الصهيوني بإذن الله تبارك وتعالى.
فيا أبناء شعبنا ضمدوا جراحكم واصبروا على ما أصابكم، فإن من يسكن فلسطين أرض الرباط لا بد أن يدفع الثمن.. قوافل من الشهداء والجرحى والمعتقلين وأن تهدم البيوت وأن نحاصر وأن نجوع إلا أننا يجب أن نبعث رسالة للصهاينة المحتلين نقول لهم كما قال الشاعر:
اقتلوني مزقوني أغرقوني في دمائي لن تظلوا فوق أرضي لن تطيروا في سمائي
نحن نقول للمحتلين، يا أحفاد القردة والخنازير ويا أبناء الأفاعي، أيها الصهاينة قد تنجحون في قتل المئات واعتقال الآلاف، ولكنكم لن تقضوا أبداً على جهادنا وعلى انتفاضتنا وعلى مقاومتنا، لن نرفع لكم الرايات البيض أبداً سنظل نجاهدكم بإذن الله، وإن استطعتم أن تهدموا مئات البيوت فلن تهدموا عزائمنا ولن تكسروا إرادتنا، فشعبنا ماضٍ في جهاده بإذن الله حتى نحرر فلسطين، كل فلسطين، من بحرها إلى نهرها، بإذن الله تبارك وتعالى.
فيا أبناءنا، يا أبناء الشعب الفلسطيني، استمروا في مقاومتكم، في جهادكم، وانسوا ما يسمى بالمفاوضات السلمية الذليلة، انسوا أن تكون أمريكا راعية للسلام، فأمريكا راعية للإرهاب.. تمسكوا بكتاب الله عز وجل وبسنة نبينا محمد ، فوحدوا صفوفكم واصبروا على هذه الابتلاءات، فلا يمكن أبداً لشعب مسلم عبر التاريخ أن ُيمكّن له إلا بعد الابتلاء، فالفرج آت بإذن الله، والنصر قريب بإذن الله.. فمصير الاحتلال كغيره من صور الاحتلال، فقد احتل الفرس والروم فلسطين، واحتل الصليبيون والتتار فلسطين، لكن كل هذا كله زال، وسيزول هذا الاحتلال القائم بإذن الله عز وجل، فمصير إسرائيل إلى الزوال مصداقا لقول الله تبارك وتعالى: فَإِذَا جَاء وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا [الإسراء:104]، فَإِذَا جَاء وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا [الإسراء:7]، أي سيدخل المسلمون، سيدخل الأردني والمصري والسوري والعراقي والسعودي، سيدخلون القدس وفلسطين فاتحين مكبرين مهللين، وُسيقضى على دولة إسرائيل بإذن الله إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً [المعارج:6، 7]، وصدق القائل: ((واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً)) أو كما قال.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
|