.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

خطبة استسقاء 29/8/1423هـ

2747

الرقاق والأخلاق والآداب

آثار الذنوب والمعاصي, التوبة

علي بن عبد الرحمن الحذيفي

المدينة المنورة

29/8/1423

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تأخر نزول المطر بسبب الذنوب والمعاصي. 2- الدعاء والاستغفار من أسباب نزول الخيرات. 3- الأمر بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى. 4- الحث على الدعاء والذكر والتقوى. 5- التخويف من النار. 6- دعاء.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإنكم قد شكوتم إلى الله تبارك وتعالى جدْب دياركم، واستئخار المطر عن إبانه عنكم، وقد وعدكم الله عز وجل بالإجابة إذا سألتموه وإذا دعوتموه، فقال تبارك وتعالى: وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ [غافر:60].

وإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رُفع إلا بتوبة، وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً [فاطر:45]، وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلٰكِن يُؤَخِرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ فَإِذَا جَآء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَـئَخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [النحل:61].

إن رحمة الله عز وجل قريب من المحسنين كما قال تبارك وتعالى: ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ [الأعراف:55، 56].

إن الله تبارك وتعالى قد خلق الأسباب، ورتَّب على الأسباب مسبباتها، وإنه تبارك وتعالى فعَّال لما يريد. هو الذي ينزل الغيث، وهو الذي يغيث العباد، ويفرِّج الكربات، ويجيب الدعوات، ويقضي الحاجات، ولا تشتبه عليه الدعوات بالألسن.

إن الله تبارك وتعالى جعل الدعاءَ وجعل الاستغفار من أسباب نزول الأمطار، قال تبارك وتعالى عن نوح عليه الصلاة والسلام: فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً [نوح:10-13].

وإن ربنا تبارك وتعالى جعل الطاعات سببًا لكل خير في الدنيا وفي الآخرة، وجعل المعاصي سببا لكل شر وعقوبة في الدنيا والآخرة، كما قال عز وجل: وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ [الشورى:13].

وقد أمرنا الله بأن نتوب إليه في كل ساعة وفي كل وقت، فقال تبارك وتعالى: وَتُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

قد خلق الله ابنَ آدم بصفاتٍ يخطئ فيها، وبصفات يقع [بها] في الذنب، ولكن الله تبارك وتعالى يقبل منه التوبة، ويقبل عثرتَه إذا نزع عن معصيته، وإذا التجأ إلى ربه، فإنه يتقبله عز وجل، ففي صحيح مسلم أن النبي قال: ((والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون لله فيغفر لهم))[1].

فاتقوا الله عباد الله، ارغبوا إلى الله في حاجاتكم، وتوكلوا عليه واعتمدوا عليه، ولا تنسوا ذكر الله عز وجل، اتقوه سراً وجهاراً، فإن تقوى الله من أسباب نزول البركات، وبقاء النعم ودوامها، قال تبارك وتعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [الأعراف:96].

رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَـٰنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ [البقرة:286].

إن الغيث ـ يا عباد الله ـ فيه حياةٌ لبني آدم، وفيه حياة لما خلق الله على ظهر الأرض، والله هو الذي ينزِّله برحمته، لا يقدر أن ينزل الغيث إلا الله، قال تبارك وتعالى: وَهُوَ ٱلَّذِى يُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ ٱلْوَلِىُّ ٱلْحَمِيدُ [الشورى:28].

فارغبوا إلى الله عز وجل، ارغبوا إليه، واسألوه فرادى، واسألوه جماعات أن يهيئ الله لكم من أمركم رشداً، وأن لا يكلنا ويكلَكم إلى أنفسنا، فمن وكله الله إلى نفسه فإنه يعجز ويضيع، ومن وكله إلى الناس هلك.

فاتقوا الله عباد الله، جاء في الحديث عن النبي ـ عن ابن عمر ـ: ((يا معشر المهاجرين، خمس بخمس، وأعوذ بالله أن تدركوهن: ما وقعت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت والأمراض التي لم تكن في أسلافهم، وما نقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، وما منعوا زكاة أموالهم إلا حُبس عنهم القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل لله بأسهم بينهم، وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا فأخذ بعض ما في أيديهم))[2].

فالذنوب ـ يا عباد الله ـ هي سبب كل شر، وسبب كل عقوبة، وأعظم عقوبة هي عقوبة الحبس في جهنم، فإن جهنم إذا دخلها الإنسان فإنها عذاب شديد، قال الله تبارك وتعالى عن أهلها: هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِى رَبّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارِ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ [الحج:19-22]، وكل مصيبة في الدنيا فإنها دون ذلك، ولكن المسلم ينبغي له وهو مأمور بذلك أن يرغب إلى الله، وأن يستعيذ بالله من شر نفسه ومن سيئات أعماله دائماً، وأن يستعيذ بالله من سوء القضاء، ومن كل شر في الدنيا والآخرة، فإنه لا يأتي بالخيرات إلا الله، ولا يصرف السوء إلا الله عز وجل: وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ [النحل:53].

فادعوا الله أيها المسلمون، ادعوا الله تبارك وتعالى وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله تبارك وتعالى يقول: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إن بالبلاد والعباد من اللأواء والضنك والشدة ما لا يكشفه غيرك، اللهم أنت الله الملك لا إله إلا أنت، نحن عبيدك نرغب إليك، نرفع أيدينا إليك، نتوسل إليك بأسمائك وصفاتك، نسألك اللهم أن تغيثنا، اللهم أغثنا وأغث المسلمين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من الآيسين، اللهم اجعلها سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم صيبا نافعاً يا رب العالمين، اللهم إن رحمتك أوسع من ذنوبنا، وإن رحمتك أرجى عندنا من أعمالنا، فلا تكلنا إلى أنفسنا، اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثاً مجلِّلا سحًّا عاماً غدقا طبقا، اللهم تغيث به البلاد والعباد، يا أرحم الراحمين، نسألك اللهم أن لا تردنا خائبين، برحمتك يا أكرم الأكرمين، اللهم يا رب العالمين، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك، إنك على كل شيء قدير، رحمن رحيم.

توجَّهوا إلى الله، وأخلصوا له الدعاء، فإنه تبارك وتعالى قد وعد بالإجابة، وهو أرحم الراحمين، واقلبوا لباسكم تأسياً برسول الله [3].

أسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنكم، ونصلي ونسلم على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



[1] أخرجه مسلم في التوبة (2749) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] أخرجه ابن ماجه في الفتن، باب: العقوبات (4019)، والطبراني في الكبير (12/446) والأوسط (5/62)، والبيهقي في الشعب (3/197)، وصححه الحاكم (4/540)، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع (5/318): "رجاله ثقات"، وصححه الألباني بمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة (106).

[3] سنة قلب الرداء أخرجها البخاري في الجمعة (1011)، ومسلم في الاستسقاء (894) من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.

 

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً