أما بعد: فيا أحبة الله يقول الله تعالى في كتابه الكريم: سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلاْقْصَى ٱلَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَـٰتِنَا إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ [الإسراء:1] صدق الله العظيم.
إن الله سبحانه وتعالى قد قرر في كتابه الكريم في صدر سورة الإسراء قراراً ربانياً بإسلامية بيت المقدس بصفة خاصة وفلسطين بصفة عامة، هذا القرار الرباني لا يقبل النقض ولا الاستئناف ولا التحريف ولا التبديل، وسيبقى هذا القرار نافذاً إن شاء الله إلى قيام الساعة، ونحن في هذه الأيام في هذه البلاد وما نرى ونشاهد من اعتداءات يومية على المقدسات الإسلامية في فلسطين لواجب أن نذكر ونتذاكر معاً ارتباط المسلمين الوثيق بهذه البلاد.
من هذه الارتباطات الارتباط العقدي، ويتمثل ذلك جلياً في أمرين: الأول حادثة الإسراء والمعراج حيث إن الإسراء معجزة من المعجزات، والمعجزات في الشرع جزء من العقيدة الإسلامية فارتباط المسلمين بهذه البلاد هو ارتباط عقدي.
والثاني: أن بيت المقدس سيكون إن شاء الله أرض المحشر والمنشر للحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن ميمونة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس قال: ((أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه)) هذا هو الارتباط العقدي لمليار ونصف مليار مسلم على وجه الكرة الأرضية لمسرى نبيهم وقبلتهم الأولى بالمسجد الأقصى المبارك الذي بارك الله حوله.
وأما الارتباط الثاني فهو الارتباط التعبدي، ويتجلى ذلك في أمور منها:
أولاً: أن المسجد الأقصى المبارك كان قبلة للمسلمين، استقبلوه في عهد النبي ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً على اختلاف الروايتين، واستقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة.
والأمر الثاني أن الركعة في المسجد الأقصى، وعندما نقول المسجد الأقصى المبارك لا نقصد المكان الذي نصلي فيه، بل يشمل هذا المكان والأقصى القديم والمرواني وقبة الصخرة وجميع الساحات والمحاريب والمصاطب، هذه المساحة التي تبلغ 144 دونماً، الركعة فيها بخمسمائة ركعة كما جاء في الحديث الصحيح.
ثالثاً: أن المسجد الأقصى المبارك هو أحد المساجد الثلاث التي تشد إليها الرحال كما أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن النبي أنه قال: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا)).
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، وأما الارتباط السياسي فقد كان الفتح الروحي بحادثة الإسراء والمعراج ثم كان الفتح السياسي في العام الخامس عشر للهجرة على يد أمير المؤمنين عمر حين استلم مفاتيحها من بطريرك الروم صفرونيوس، فعم الأمن والأمان والسلامة والإسلام هذه البلاد المباركة الطيبة.
وهناك الارتباط التاريخي حيث إن العرب سكنوا هذه البلاد منذ قرون طويلة.
والارتباط الحضاري، فكل عمارة ومسجد تدل دلالة واضحة على صنع المسلمين من أقواس ومن محاريب للصلاة وغير ذلك في هذه البلاد المباركة.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، ونسمع في هذه الأيام أصوات نشاز تقول بأنه لا يجوز للأوقاف الإسلامية أن ترمم في الأقصى إلا بموافقة الآخرين، ونقول بأن المسجد الأقصى المبارك مسجد إسلامي، وليس لغير المسلمين حق التدخل فيه أو الإشراف عليه أو إبداء الرأي فيه، والمسلمون وحدهم الذين يتولون أمره. وبهذه المناسبة نحيي الأيدي المباركة التي رممت المسجد القديم وقبله المرواني وتساهم في ترميم ساحات المسجد الأقصى المبارك، فالخير سيبقى في هذه الأمة كالطود الأشم، لن تهزه عواصف هوجاء ولا رياح عاتية، هذا هو الأقصى الذي صلى فيه نبينا محمد إماماً بالأنبياء والمرسلين، هذا هو الأقصى الذي صلى فيه عدد كبير من الصحابة وعلى رأسهم أمير المؤمنين عمر ، هذا هو الأقصى الذي رفع فيه بلال الأذان بصوته الندي فبكى الصحابة رضوان الله عليهم حيث تذكروا نبيهم لأن بلالاً لم يؤذن بعد وفاة النبي ، هذا هو الأقصى الذي دفن الصحابة بجواره ومنهم عبادة بن الصامت أول قاض للإسلام في بيت المقدس، وشداد بن أوس وغيرهما من عشرات الصحابة.
هذا هو الأقصى الذي يصرخ ويستغيث: أما آن لي أن أتحرر كشقيقي المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي بالمدينة، هذا هو الأقصى الذي أغلق المحتلون إحدى نوافذه في الأيام الماضية، لماذا تغلق النافذة الجنوبية في الأقصى القديم؟ ما شأن الآخرين، وهو مسجد إسلامي ليس لأحد غير المسلمين الحق فيه؟
إن الأقصى خط أحمر لا يخضع للمفاوضات ولا للحلول ولا للمساواة، إنه أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين بالنسبة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
إنها مدينة القدس قلب فلسطين النابض، وعندما نتحدث عن القدس فإننا لن نتناسى أو ننسى أرض الآباء والأجداد، الأرض التي ولدنا على ثراها وأكلنا من خيرها وشربنا من مائها، لكنها القدس جوهرة فلسطين، فلا تنازل عن مدينة القدس لأن أي تنازل عنها يؤدي لا سمح الله إلى التنازل عن مكة المكرمة وعن المدينة المنورة، ومن أراد بالأقصى سوءاً أهلكه الله.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، وفي هذه الأيام تمر بنا ذكرى الحريق المشؤوم في هذا الشهر، في الحادي والعشرين منه، يوم امتدت الأيدي الغاشمة الحاقدة لتحرقه وأتت على منبر البطل صلاح الدين الذي أصبح أثراً بعد عين، فمن حريق إلى مذبحة الأقصى إلى الإغلاقات المتكررة إلى منع المصلين من الوصول إليه، إلى تحرير المخالفات للسيارات التي تحمل المصلين لصلاة الفجر والاعتداءات على سياراتهم، إلى مصادرة الهويات والأراضي وهدم البيوت، إن هذا الظلم لن يدوم، فكم من دولة ظالمة زالت وزالت وسيزول المحتل إن شاء الله.
أيها المسلمون، إن الواجب على المسلمين في شتى بقاع المعمورة أن لا يشجبوا وأن لا يستنكروا، فالشجب والاستنكار لا يجدي، ولكن يجب أن يقفوا مع أهل هذه البلاد، مع الأقصى والقدس، يفدوهما بدمائهم وبأرواحهم وأموالهم، كي يساعدوا المرابطين في الثبات في هذه البلاد.
أما أن تنفق الملايين في معصية الله ورسوله وفي طرق الغواية والضلال وفي دعم الاقتصاد الأوروبي والأمريكي وفي مسابقات الخيل فهذا غير جائز شرعاً، تقام الحملات لدعم القدس وأهلها، فتجمع خمسة ملايين أو سبعة، هذه قيمة القدس؟ هذه قيمة الأقصى عند المليار ونصف مليار مسلم على وجه الأرض؟ بينما يهودي واحد يأتي من أمريكا مثل مسكوفيتش ليتبرع بستمائة مليون دولار لإنشاء المستوطنات في جبل أبي غنيم وفي رأس العامود، لا بد أن تصحو الأمة من غفلتها وأن تقوم من سباتها وأن تتمسك بكتاب ربها وسنة نبيها وأن تعلن الصلح مع الله حتى تدركنا رحمة الله عز وجل فقد جاء في الحديث ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ولعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، قيل: أين هم يا رسول الله؟ صلى الله عليه وسلم قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)).
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فيا فوز المستغفرين استغفروا الله...
|