أيها المسلمون، في عصر التحدِّي الحضاري ودوَّامة التحامل الإعلامي على هذا الدين الإسلامي تتعاظم حاجةُ الأمة الإسلامية إلى الاضطلاع بمهمَّة المشروع الحضاري الإسلامي، تقويماً للمسيرة، وتصحيحاً للرُّؤى، وتنسيقاً في الجهود والمواقف، وإعلاءً لمنظومة المُثُل والقيم، وإشاعةً للودِّ والتسامح والتراحم، وبثاً لروح التعاون والتصافي والتفاهم، وبالتالي ارتقاءً بالإنسانية وإسعاداً للبشرية.
معاشر المسلمين، واستقراءً لنصوص الوحي المطهَّر، واعتباراً بحوادث التأريخ، وتأمُّلاً في دنيا الواقع، يخرجُ الغيور المستبصر ويدرك المتابع المتأمِّل أن آليات الهجوم على الإسلام وتشويه حقائقه وطمس محاسنه تتنامى ولا تتناهى، وتتعاظم ولا تتناغم، وتكون أكثر خطورة وأشدَّ ضراوةًَ حينما تشعل الحرب الإعلامية فتيلَها، وتذكي الهجمة الدعائية أُوارَها حيث لم تعُد مقتصرةً على بعض الأقلام الآحادية المغرضة، بل تبنَّتها مراكزُ أبحاث ودراسات، وتلقَّفتها دوائر ومؤسَّسات، في ظاهرةٍ من التحامل المنظَّم والتخطيط المبرم، مما يستدعي من الأمة وقفةً جادة متأنِّية لدراسة أبعاد هذه الحملة ومراميها وأهدافها، ووضع البرامج والآليات العملية لمواجهتها والتصدِّي لها، ومن هنا جاءت الحاجة الملحَّة لتبنِّي الأمة للمشروع الحضاري الإسلامي، الذي ينبغي على كل ذي دين وغيرة أن يُسهم بما يستطيع لدعمه وتشجيعه، ولو بإعطاء صورة مشرقة عن الإسلام في حسن تعامله وتصرفاته, وضبط سلوكياته وأخلاقياته.
إخوة العقيدة، ولعل أهمَّ بواعث طرح هذا المشروع الحضاري تلك الحملاتُ الموتُورة التي تصوَّب سهامُها ضدَّ دين الأمة وقيمها وثوابتها وبلادها، تطاولت على مقام الربوبية والألوهية، ونالت من جناب صاحب الرسالة المصطفوية ـ بأبي هو وأمي ـ، وسخرت من الحدود الشرعية وطالبت بإلغائها، وهاجمت الحجاب وقضايا المرأة المسلمة، وحملت على مناهج التعليم الإسلامي، واتَّهمت المؤسسات الخيرية والإغاثية والإنسانية، وشوَّهت دورها الريادي الذي تقوم به عالمياً، وسلَّطت ألسنة حداداً وأبواقاً شداداً على بلاد الحرمين حرسها الله في أهمِّ جوانب كيانها ومكوِّنات وجودها، تشويهاً للحقائق، وتضخيماً للهنات والشقاشق، وما ذاك إلا لأنها محضن الإسلام، ومأرز الإيمان، ومتنزَّل القرآن، ولها المكانة الكبرى والقدح المعلَّى في تبني قضايا المسلمين والدفاع عن حقوقهم. والأدهى من ذلك الأساليبُ المنفِّرة التي تقوِّض دعائم السلام العالمي، وتخلخل ضمانات الأمن الدولي، وتُسهم في إضعاف فُرصِ التعايش بين الحضارات، وتدعم الصدامَ والصراع بين المؤسسات، وتغذِّي الإنسانية بالأحقاد، وتذكي لهجةَ الكراهية بين الشعوب، وتروِّج الأكاذيب والأراجيف والشنشنات الأخزمية، وكلُّ ذلك لن يضير هذا الدين بحمد الله، بل لقد كان من أسباب الإقبال عليه والقراءة عنه، كما أن هذه الافتراءات ستتحطم بإذن الله أمام صخرة تمسّك الأمة بثوابتها، وستتلاشى أمام سدِّها المنيع المتمثِّل في عدم اهتزاز قناعات الأمة بدينها، وتلاحم رعاتها ورعيَّتها، في مرحلة حرجة وفترة عصيبة تتطلَّب بُعدَ النظر وتغليبَ منطق العقل والحكمة، والإرجاءَ لصغار المصالح لئلا تفوت كبارُها، والأخذَ بأدنى المفاسد حتى لا تحصُل عظامُها، فالدين والأمة والمجتمع والبلاد مستهدفةٌ في أعزِّ مقوِّماتها، ولذلك فإن تبنِّي الأمة للمشروع الحضاري الإسلامي يحقق الحفاظ على ثوابتها وهويَّتها، ويوحِّد جهودها في مواجهة المخاطر، ويحفظها بإذن الله أن تُستدرج لمعارك خاسرة، أو أن يستثار ويُستفزَّ بعضُ أبنائها في أنماط هامشية، تُستجرّ الأمة من خلالها إلى ويلاتٍ من الفتن والمحن، وطوفانٍ من الرزايا لا يعلم عواقبها إلا الله. كما أن الحفاظ على جبهة الأمة الداخلية ووحدة صفِّها الأرضيةُ الصلبة التي ينطلق منها هذا المشروع الحضاري، ليتفيَّأ العالم ظلالَه خيراً وعطاءً، وسعادةً ونماءً، وأمناً وسلاماً، وتسامحاً ووئاماً، في بعد عن غوائر الشرور والعنف والإرهاب، ومسالك الظلم والإفساد والإرعاب.
إخوة الإيمان، ومما يؤكِّد أنه قد آن الأوان لتبنِّي الأمة لهذا المشروع الحضاري أن تلك الحملات المغرضة تقدَّم للعالم بقالب أخَّاذ، تغطّيه أصباغٌ خادعة، ومكاييج حضارية مصطنعة، لا يلبث قناعها أن يسقط، ليتبدَّى زيفُ الشعارات، وترنُّح هذه الحضارات، فقُدِّمت الحملات تحت شعار حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، ومن أجل الحرية والعدالة والمساواة والرخاء والانفتاح، وتخليص الإنسانية من الجمود والتخلف، والتقدم بها نحو حياة تسودها مقاييس التحديث والتقدم والحضارة، في حربِ مصطلحات خطيرة، يوشك أن تخدَع ببهرجها كثيراً من المنهزمين من أبناء هذه الأمة.
أمة الإسلام، لقد استهدفت هذه الحملاتُ الدعائية القضاءَ على الوجه الإسلامي المتألِّق، وتشويهَ صورته الوضاءة، والهجومَ على حضارتنا الإسلامية، وقيمنا الاجتماعية المحافِظة، في عولمةٍ مشبوهة، تنفث سمومها لتفرض أنماطاً من الهيمنة الفكرية والأخلاقية على الأمة الإسلامية، وتحمل أبعاداً عقدية خطيرة. ومن أسفٍ أن ينبري بعض المخدوعين من أدعياء الفكر والثقافة بأصواتٍ ببغوية ليستعديَ أصحابَ هذه الحملات المغرضة على أمته وتأريخه وبلاده، في تشويهٍ متعمَّد، وآخرون في تشويه غير متعمَّد، ممن يجهلون أو يتجاهلون حقيقة رسالة الإسلام الحضارية، فلا يحسنون عرضَه وتقديمَه للعالم، بجمالياته ومحاسنه وأخلاقياته، لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَىَّ عَن بَيّنَةٍ [الأنفال:42].
أمة الإسلام، إن سبيل المواجهة لهذه الحملات الإعلامية أضحى أمراً حتمياً على الغيورين، بعدما تبيَّن خطورةُ الأمر وأبعاد المؤامرة، وأن القوم يعدُّون لأبعاد تآمرية على أمتنا الإسلامية لا يمكن إغفالها أو تجاهلها، أو الاعتذار عنها وتبريرها، أو يظنَّ أن التنازلات والاستجابة لشدة ضغوط هذه الحملات ستثني أصحابَها عن تحقيق أحلامهم ضدَّ هذه الأمة. وإذا ما أخذنا شاهداً حياً على ذلك فإن قضية المسلمين الكبرى قضيةَ فلسطين المسلمة المجاهدة تأتي مثلاً ساخناً على الأطماع الدنيئة، لأصحاب هذه الحملات الدعائية العدوانية، حيث صُوِّرت المقاومة الشرعية والانتفاضة الجهادية على أنها عمليات إرهابية، واليوم يكاد أسفُنا لا ينقضي ونحن نرى ونسمع ما يتحدَّى مشاعرَ أكثر من مليار وربع مليار من المسلمين، ويمثِّل صدمةً عنيفة لهم، وذلك بقرار خطير غير مسبوق يسلب مدينة القدس عروبتها وإسلاميتَها، في تحدٍ للحقوق التأريخية والقرارات الدولية، مما يتطلَّب استنفاراً إسلامياً عاجلاً على كافة الصُعُد والمستويات، لمواجهة صهينة أولى القبلتين ومسرى سيد الثقلين ، أقر الله الأعين بفك أسره وتحريره.
ومن هنا فإن تبنِّي الأمة المشروع الحضاري سيُسهم بأفعال لا بردود أفعال إلى مواجهة هذه الحملة وأبعادها بالأساليب الحضارية الهادفة إلى تثبيت هوية الأمة وتفعيل دورها من حيث كونُها أمة الخيرية والرحمة والشهادة على العالمين، وإبراز دورها الحضاري، وحقِّها التأريخي، ووجهها المشرق، وتصحيح الصورة المغلوطة على الإسلام وأهله، وتوعية الأمة بخطورة الحملة ضدَّ دينها وثوابتها وبلادها ومقدساتها، والسعي في إصلاح أحوالها وتفادي أزماتها بتقوية عقيدتها بربها، والتلاحم الصادق بين قياداتها وشعوبها، والمطالبة بتجاوز خلافاتها الجانبية ومعاركها الوهمية، والتوحُّد في وجه الطوفان الكاسح الذي يسعى لاجتياح الجميع، وأن يتم تنسيق الجهود بسدِّ جميع الثغرات التي ينفذ منها المصطادون بالمياه العكرة. والحاجةُ ملحَّة لمقابلة الحملة بنفسِ وسائلها، وإلى وضع برنامج علمي إعلامي مدروس، يتَّسم بحسن العرض، وأسلوبِ الخطاب المتمثِّل في قول الحق تبارك وتعالى: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83]، وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ [الإسراء:53]، وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ [النحل125]، والحوارِ الحضاري للعالم بلغاته الحية، وتوضيح الحقائق أمامه، وبيان خطورة الحملات الظالمة، وما تجره من استعداء العالم، وإعلاءِ لهجة الحقد والكراهية والتمييز، وما تجره من شقاء على الإنسانية. والحق أن غياب الإعلام الإسلامي الهادف ومواكبة التطور التقاني، واستثمار القنوات الإعلامية الفضائية والشبكات المعلوماتية الإلكترونية كان من أكبر العوائق لوصول الكلمة الرصينة والحوار الهادف إلى العالم، فهل يعي رجال الإعلام والأعمالِ في الأمة حقيقة دورهم، ووجوب إسهامهم في هذا المشروع الحضاري دفاعاً عن دينهم وأمتهم وبلادهم؟! وهل يحسِن علماء الشريعة ودعاةُ الإسلام عرضَ ما لديهم من حقٍّ وثوابت، مرتبطاً بالمبادئ والغايات، والمصالح والقيم والأخلاقيات، والآداب والشرائع والجماليات، في تنسيقٍ للجهود وسلامة للصدور، وبعدٍ عن غوائل الشرور، ومراعاة للأولويات، وحسن تعامل مع المتغيرات المرتبطة بالوسائل والأساليب، حتى تقام الحجة، وتتضح المحجة، فالحق يعلو ولا يُعلى عليه.
وفي طلعة البدر ما يغنيك عن زُحَلِ
فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلأرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ [الرعد17].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه محمد ، إِنَّ رَبّى لَطِيفٌ لّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ [يوسف:100].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
أيها المسلمون، في عصر التحدِّي الحضاري ودوَّامة التحامل الإعلامي على هذا الدين الإسلامي تتعاظم حاجةُ الأمة الإسلامية إلى الاضطلاع بمهمَّة المشروع الحضاري الإسلامي، تقويماً للمسيرة، وتصحيحاً للرُّؤى، وتنسيقاً في الجهود والمواقف، وإعلاءً لمنظومة المُثُل والقيم، وإشاعةً للودِّ والتسامح والتراحم، وبثاً لروح التعاون والتصافي والتفاهم، وبالتالي ارتقاءً بالإنسانية وإسعاداً للبشرية.
معاشر المسلمين، واستقراءً لنصوص الوحي المطهَّر، واعتباراً بحوادث التأريخ، وتأمُّلاً في دنيا الواقع، يخرجُ الغيور المستبصر ويدرك المتابع المتأمِّل أن آليات الهجوم على الإسلام وتشويه حقائقه وطمس محاسنه تتنامى ولا تتناهى، وتتعاظم ولا تتناغم، وتكون أكثر خطورة وأشدَّ ضراوةًَ حينما تشعل الحرب الإعلامية فتيلَها، وتذكي الهجمة الدعائية أُوارَها حيث لم تعُد مقتصرةً على بعض الأقلام الآحادية المغرضة، بل تبنَّتها مراكزُ أبحاث ودراسات، وتلقَّفتها دوائر ومؤسَّسات، في ظاهرةٍ من التحامل المنظَّم والتخطيط المبرم، مما يستدعي من الأمة وقفةً جادة متأنِّية لدراسة أبعاد هذه الحملة ومراميها وأهدافها، ووضع البرامج والآليات العملية لمواجهتها والتصدِّي لها، ومن هنا جاءت الحاجة الملحَّة لتبنِّي الأمة للمشروع الحضاري الإسلامي، الذي ينبغي على كل ذي دين وغيرة أن يُسهم بما يستطيع لدعمه وتشجيعه، ولو بإعطاء صورة مشرقة عن الإسلام في حسن تعامله وتصرفاته, وضبط سلوكياته وأخلاقياته.
إخوة العقيدة، ولعل أهمَّ بواعث طرح هذا المشروع الحضاري تلك الحملاتُ الموتُورة التي تصوَّب سهامُها ضدَّ دين الأمة وقيمها وثوابتها وبلادها، تطاولت على مقام الربوبية والألوهية، ونالت من جناب صاحب الرسالة المصطفوية ـ بأبي هو وأمي ـ، وسخرت من الحدود الشرعية وطالبت بإلغائها، وهاجمت الحجاب وقضايا المرأة المسلمة، وحملت على مناهج التعليم الإسلامي، واتَّهمت المؤسسات الخيرية والإغاثية والإنسانية، وشوَّهت دورها الريادي الذي تقوم به عالمياً، وسلَّطت ألسنة حداداً وأبواقاً شداداً على بلاد الحرمين حرسها الله في أهمِّ جوانب كيانها ومكوِّنات وجودها، تشويهاً للحقائق، وتضخيماً للهنات والشقاشق، وما ذاك إلا لأنها محضن الإسلام، ومأرز الإيمان، ومتنزَّل القرآن، ولها المكانة الكبرى والقدح المعلَّى في تبني قضايا المسلمين والدفاع عن حقوقهم. والأدهى من ذلك الأساليبُ المنفِّرة التي تقوِّض دعائم السلام العالمي، وتخلخل ضمانات الأمن الدولي، وتُسهم في إضعاف فُرصِ التعايش بين الحضارات، وتدعم الصدامَ والصراع بين المؤسسات، وتغذِّي الإنسانية بالأحقاد، وتذكي لهجةَ الكراهية بين الشعوب، وتروِّج الأكاذيب والأراجيف والشنشنات الأخزمية، وكلُّ ذلك لن يضير هذا الدين بحمد الله، بل لقد كان من أسباب الإقبال عليه والقراءة عنه، كما أن هذه الافتراءات ستتحطم بإذن الله أمام صخرة تمسّك الأمة بثوابتها، وستتلاشى أمام سدِّها المنيع المتمثِّل في عدم اهتزاز قناعات الأمة بدينها، وتلاحم رعاتها ورعيَّتها، في مرحلة حرجة وفترة عصيبة تتطلَّب بُعدَ النظر وتغليبَ منطق العقل والحكمة، والإرجاءَ لصغار المصالح لئلا تفوت كبارُها، والأخذَ بأدنى المفاسد حتى لا تحصُل عظامُها، فالدين والأمة والمجتمع والبلاد مستهدفةٌ في أعزِّ مقوِّماتها، ولذلك فإن تبنِّي الأمة للمشروع الحضاري الإسلامي يحقق الحفاظ على ثوابتها وهويَّتها، ويوحِّد جهودها في مواجهة المخاطر، ويحفظها بإذن الله أن تُستدرج لمعارك خاسرة، أو أن يستثار ويُستفزَّ بعضُ أبنائها في أنماط هامشية، تُستجرّ الأمة من خلالها إلى ويلاتٍ من الفتن والمحن، وطوفانٍ من الرزايا لا يعلم عواقبها إلا الله. كما أن الحفاظ على جبهة الأمة الداخلية ووحدة صفِّها الأرضيةُ الصلبة التي ينطلق منها هذا المشروع الحضاري، ليتفيَّأ العالم ظلالَه خيراً وعطاءً، وسعادةً ونماءً، وأمناً وسلاماً، وتسامحاً ووئاماً، في بعد عن غوائر الشرور والعنف والإرهاب، ومسالك الظلم والإفساد والإرعاب.
إخوة الإيمان، ومما يؤكِّد أنه قد آن الأوان لتبنِّي الأمة لهذا المشروع الحضاري أن تلك الحملات المغرضة تقدَّم للعالم بقالب أخَّاذ، تغطّيه أصباغٌ خادعة، ومكاييج حضارية مصطنعة، لا يلبث قناعها أن يسقط، ليتبدَّى زيفُ الشعارات، وترنُّح هذه الحضارات، فقُدِّمت الحملات تحت شعار حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، ومن أجل الحرية والعدالة والمساواة والرخاء والانفتاح، وتخليص الإنسانية من الجمود والتخلف، والتقدم بها نحو حياة تسودها مقاييس التحديث والتقدم والحضارة، في حربِ مصطلحات خطيرة، يوشك أن تخدَع ببهرجها كثيراً من المنهزمين من أبناء هذه الأمة.
أمة الإسلام، لقد استهدفت هذه الحملاتُ الدعائية القضاءَ على الوجه الإسلامي المتألِّق، وتشويهَ صورته الوضاءة، والهجومَ على حضارتنا الإسلامية، وقيمنا الاجتماعية المحافِظة، في عولمةٍ مشبوهة، تنفث سمومها لتفرض أنماطاً من الهيمنة الفكرية والأخلاقية على الأمة الإسلامية، وتحمل أبعاداً عقدية خطيرة. ومن أسفٍ أن ينبري بعض المخدوعين من أدعياء الفكر والثقافة بأصواتٍ ببغوية ليستعديَ أصحابَ هذه الحملات المغرضة على أمته وتأريخه وبلاده، في تشويهٍ متعمَّد، وآخرون في تشويه غير متعمَّد، ممن يجهلون أو يتجاهلون حقيقة رسالة الإسلام الحضارية، فلا يحسنون عرضَه وتقديمَه للعالم، بجمالياته ومحاسنه وأخلاقياته، لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَىَّ عَن بَيّنَةٍ [الأنفال:42].
أمة الإسلام، إن سبيل المواجهة لهذه الحملات الإعلامية أضحى أمراً حتمياً على الغيورين، بعدما تبيَّن خطورةُ الأمر وأبعاد المؤامرة، وأن القوم يعدُّون لأبعاد تآمرية على أمتنا الإسلامية لا يمكن إغفالها أو تجاهلها، أو الاعتذار عنها وتبريرها، أو يظنَّ أن التنازلات والاستجابة لشدة ضغوط هذه الحملات ستثني أصحابَها عن تحقيق أحلامهم ضدَّ هذه الأمة. وإذا ما أخذنا شاهداً حياً على ذلك فإن قضية المسلمين الكبرى قضيةَ فلسطين المسلمة المجاهدة تأتي مثلاً ساخناً على الأطماع الدنيئة، لأصحاب هذه الحملات الدعائية العدوانية، حيث صُوِّرت المقاومة الشرعية والانتفاضة الجهادية على أنها عمليات إرهابية، واليوم يكاد أسفُنا لا ينقضي ونحن نرى ونسمع ما يتحدَّى مشاعرَ أكثر من مليار وربع مليار من المسلمين، ويمثِّل صدمةً عنيفة لهم، وذلك بقرار خطير غير مسبوق يسلب مدينة القدس عروبتها وإسلاميتَها، في تحدٍ للحقوق التأريخية والقرارات الدولية، مما يتطلَّب استنفاراً إسلامياً عاجلاً على كافة الصُعُد والمستويات، لمواجهة صهينة أولى القبلتين ومسرى سيد الثقلين ، أقر الله الأعين بفك أسره وتحريره.
ومن هنا فإن تبنِّي الأمة المشروع الحضاري سيُسهم بأفعال لا بردود أفعال إلى مواجهة هذه الحملة وأبعادها بالأساليب الحضارية الهادفة إلى تثبيت هوية الأمة وتفعيل دورها من حيث كونُها أمة الخيرية والرحمة والشهادة على العالمين، وإبراز دورها الحضاري، وحقِّها التأريخي، ووجهها المشرق، وتصحيح الصورة المغلوطة على الإسلام وأهله، وتوعية الأمة بخطورة الحملة ضدَّ دينها وثوابتها وبلادها ومقدساتها، والسعي في إصلاح أحوالها وتفادي أزماتها بتقوية عقيدتها بربها، والتلاحم الصادق بين قياداتها وشعوبها، والمطالبة بتجاوز خلافاتها الجانبية ومعاركها الوهمية، والتوحُّد في وجه الطوفان الكاسح الذي يسعى لاجتياح الجميع، وأن يتم تنسيق الجهود بسدِّ جميع الثغرات التي ينفذ منها المصطادون بالمياه العكرة. والحاجةُ ملحَّة لمقابلة الحملة بنفسِ وسائلها، وإلى وضع برنامج علمي إعلامي مدروس، يتَّسم بحسن العرض، وأسلوبِ الخطاب المتمثِّل في قول الحق تبارك وتعالى: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83]، وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ [الإسراء:53]، وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ [النحل125]، والحوارِ الحضاري للعالم بلغاته الحية، وتوضيح الحقائق أمامه، وبيان خطورة الحملات الظالمة، وما تجره من استعداء العالم، وإعلاءِ لهجة الحقد والكراهية والتمييز، وما تجره من شقاء على الإنسانية. والحق أن غياب الإعلام الإسلامي الهادف ومواكبة التطور التقاني، واستثمار القنوات الإعلامية الفضائية والشبكات المعلوماتية الإلكترونية كان من أكبر العوائق لوصول الكلمة الرصينة والحوار الهادف إلى العالم، فهل يعي رجال الإعلام والأعمالِ في الأمة حقيقة دورهم، ووجوب إسهامهم في هذا المشروع الحضاري دفاعاً عن دينهم وأمتهم وبلادهم؟! وهل يحسِن علماء الشريعة ودعاةُ الإسلام عرضَ ما لديهم من حقٍّ وثوابت، مرتبطاً بالمبادئ والغايات، والمصالح والقيم والأخلاقيات، والآداب والشرائع والجماليات، في تنسيقٍ للجهود وسلامة للصدور، وبعدٍ عن غوائل الشرور، ومراعاة للأولويات، وحسن تعامل مع المتغيرات المرتبطة بالوسائل والأساليب، حتى تقام الحجة، وتتضح المحجة، فالحق يعلو ولا يُعلى عليه.
وفي طلعة البدر ما يغنيك عن زُحَلِ
فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلأرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ [الرعد17].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه محمد ، إِنَّ رَبّى لَطِيفٌ لّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ [يوسف:100].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
|