.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

الانتفاضة الفلسطينية تدخل عامها الثالث

2694

العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم

محمد أحمد حسين

القدس

20/7/1423

المسجد الأقصى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- دخول الانتفاضة عامها الثالث. 2- انقلاب المفاهيم في ظل الهيمنة الأمريكية. 3- صمود أرض الإسراء أمام الجرائم اليهودية. 4- الحرب المعلنة على العراق وحلقة من حلقات الذل والمهانة التي تتعرض لها أمتنا. 5- لا عز للمسلمين إلا بالعودة إلى الإسلام وشرائعه وهديه.

الخطبة الأولى

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته، وأحذركم وإياي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله تعالى: مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].

أما بعد، فيقول الله تعالى في سورة التوبة: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأرْضِ أَرَضِيتُم بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِى ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ [التوبة:38، 39].

أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، يا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحاب المسجد الأقصى الأسير، يا من اختصكم الله في الرباط في ديار الإسراء والمعراج، ها هي انتفاضة الأقصى تكمل عامها الثاني وتستشرف عامها الثالث، وقد اشتدت وطأة الاحتلال وزادت ممارساته ضد أبناء شعبنا العابد المرابط في محاولته البائسة للنيل من عزيمة هذا الشعب وكسر إرادته، لإخضاعه لمخططات الاحتلال وذل المحتلين. وقد جرب الاحتلال على شعبنا كل الممارسات الظالمة التي تجاوزت أبسط الحقوق الإنسانية التي كفلتها كل الشرائع السماوية والمواثيق والمعاهدات الدولية، ويجري هذا في زمن كثر الضجيج فيه حول حقوق الإنسان، وقد تفردت قوى الاستكبار العالمي وعلى رأسها أمريكا الظالمة في تصنيف الدول والشعوب والأشخاص وفق مصالحها وأهدافها الاستعمارية، فهذا زعيم إرهابي، وتلك دولة شريرة تصنف في محور الأشرار، وذاك شعب يحمي الإرهاب على حد زعمهم ويمارسه ضد المحتلين لأرضه، وفق منطق قلب حقائق الأشياء ويسميها بغير أسمائها، فغدت المقاومة المشروعة للاحتلال إرهاباً! والاستكانة للمحتلين سلاماً.

وأصبحت الضحية معتدية، والمعتدي مدافعاً عن نفسه، وأضحى المستوطن الغازي مواطناً، والمواطن الشرعي لاجئاً، وباتت الشرعية الدولية ومؤسساتها أداة لتحقيق أهداف القوى المتنفذة في هذا العالم.

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، في ظل هذه المعايير الظالمة هب شعبنا يدافع عن عقيدة أمته وأرضها وحقوقها وكبريائها أمام الاحتلال الذي يقوم بحملة مسعورة لفرض واقع جديد، فتهويد القدس وتغييب وجهها العربي وملامحها الإسلامية وشطب هويتها الإيمانية التي تربطها بمكة المكرمة من خلال معجزة الإسراء، فنبينا عليه أفضل الصلاة والسلام أُسري من المسجد الحرام على المسجد الأقصى وعرج إلى السماوات العلى من هذه الرحاب الطاهرة.

فكانت القدس ومسجدها الأقصى محور هذه المعجزة وموطن بيعة الأنبياء لرسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام، وهي بوابة الأرض إلى السماء ومهوى أفئدة المؤمنين يشدون رحالهم إلى مسجدها، ويوحدون صفهم للذود عنها إذا ما رامها غاز، أو طمع بها غاصب، ولحكمة أرادها الله كانت القدس مؤشراً على قوة المسلمين.

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، خلال العامين الماضيين من عمر انتفاضة الأقصى مارس الاحتلال وما يزال يمارس أبشع أساليب القهر والعقوبات الجماعية ضد أبناء شعبنا الفلسطيني من قتل واعتقال واغتيال وفرض للحصار وتقطيع أوصال الوطن وعزل المدن عن محيطها الريفي ومنع التجول على المواطنين ومحاربتهم في لقمة عيشهم وتضييق سبل الحياة عليهم بتجريف الأراضي الزراعية وقطع مئات الآلاف من الأشجار المثمرة وتدمير المصانع وهدم البيوت وتشريد سكانها، تحت ذرائع الأمن الواهية، ومنع الطواقم الطبية من القيام بواجبها في إسعاف الجرحى والمصابين وتركهم ينـزفون حتى الموت، كما حصل أخيراً في مجزرة حي الزيتون في غزة وغيرها من المجازر الكثيرة التي اقترفها الاحتلال ضد الأبرياء من أبناء هذا الشعب على امتداد ساحة الوطن تحت سمع وبصر العالم بأسره.

بل لقد استهدف الاحتلال بعض هذه الطواقم الطبية، فقضى كثير من أفرادها شهداء أثناء تأدية الواجب، لينضموا إلى عشرات الألوف من الشهداء والجرحى والمعتقلين من أبناء هذا الوطن الذين قدموا من دمائهم ومهجهم أسمى التضحيات، نيابة عن أمة تخاذلت عن نصرة الحق وراح حكامها يستجدون حلول قضاياها من القوى الطامعة بأرض الإسلام والمسلمين.

وصدق الله العظيم حيث يقول: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَـٰرَكُمْ [محمد:31]، فرحمة الله على شهدائنا الأبرار وأسرانا البواسل الذين سطّروا بدمائهم وأرواحهم سفر الكرامة لشعبنا وأمتنا، وأضاؤوا مصباح الحرية في ليل الظلم والظلام الذي يخيم على عالمنا اليوم، فمزيداً من الصبر والثبات يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، فإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200].

واسألوا الله منازل الشهداء بقلب خاشع، ولسان صادق، ويقين لا يخالطه الشك ((من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه))[1] وعن سعيد بن زيد رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد))[2] أو كما قال فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.




[1] رواه أبو يعلى في مسنده منت حديث أنس، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة(2556).

[2] رواه الترمذي في كتاب الديات ح(1421)، وصححه الألباني.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن اهتدى بهديهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

وبعد، أيها المسلمون يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، إن الصمود البطولي لأبناء شعبنا وإصرار شعبنا على التمسك بحقوقه الشرعية في أرضه ووطنه وعدم المساومة على قضيته مهما بلغت التضحيات أفشل هذه الحرب العدوانية التي يشنها الاحتلال بترسانته العسكرية ضد أبناء شعبنا بهدف بسط السيطرة على الأرض الفلسطينية وتحويلها إلى مستوطنات ومعسكرات ومحميات وإنشاء الأسوار الأمنية لحماية المحتلين على حساب أمن وحرية شعبنا الذي يئس العدو من كسر إرادته واستسلامه، وفي هذا السياق جاءت الاجتياحات للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية وما يرافق هذه الاجتياحات من خراب وتدمير للبنية التحتية والتقتيل والترويع للمواطنين للوصول إلى حسم عسكري لمعركة الحرية والتحرير التي يرفع لواءها شعب مرابط بطل، رفض الذل والخنوع مهما اشتد الحصار عليه وعلى أماكن العبادة، وستبقى ذرية المسلمين تغدو إلى المسجد رغم كل الحواجز والعوائق.

ولله در القائل:

لا تخشى من يخشاك أيها البطل   في كفك الموت بل في كفك الأمل

أيها المسلمون، في الوقت الذي تسلب فيه شعوب إسلامية كثيرة أمنها واستقرارها كما هو الحال في فلسطين وأفغانستان وكشمير والشيشان، تعد قوى الاستعمار الجديد نفسها للانقضاض على ديار الإسلام والمسلمين تحت ذريعة تحقيق الأمن لشعوب العالم وحمايته من أسلحة الدمار الشامل، هذه الأسلحة التي تمتلكها قوى الاستكبار العالمي وتهدد باستخدامها ولا تمتلكها شعوب العالم الإسلامي، فهذه طبول الحرب تقرع من جديد ضد العراق لهدف وهو السيطرة على الأمة الإسلامية ورسم خريطة ديارها وفق مصالح الكافر المستعمر.

فهلا أفاقت أمتنا من سباتها لترى الأخطار المحدقة بدينها وحضارتها وشعوبها ووجودها، فتأخذ زمام المبادرة نحو توحيد صفوفها وجمع كلمتها وفق تعاليم دينها الحنيف وهدي نبيها الكريم عليه أفضل السلام وأتم التسليم، فنحن أمة لا عزة لنا إلا بالإسلام والعودة الصادقة لتحكيمه والاحتكام إلى شريعته الغرَّاء، التي أنقذت البشرية من الظلمات إلى النور، وصانت عزة الإسلام والمسلمين، ووفرت الأمن والكرامة لبني الإنسان، فهلا أخذ حكام الأمة موقفاً حازماً لوقف العدوان على الشعوب الإسلامية باستدعاء سفرائهم لدى الدول التي تباشر العدوان أو تعد له على أي شعب من شعوب الأمة، وهذا أضعف الإيمان، أو تداعى حكام الأمة لاستخدام طاقاتها، وهي تمتلك طاقات هائلة للضغط على المعتدين أو من يبتغون العدوان على أي شعب أو بلد عربي أو إسلامي، ولتكن نار الحق التي أشعلها شعبنا المرابط دفاعاً عن عزة الأمة وكرامتها ومقدساتها نبراساً يضيء السبيل لشعوب الأمة لرفع العدوان ومقارعة المعتدين إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً: وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ [الحج:40].

ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً