أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون حق التقوى، واستمسكوا من دينكم بالعروة الوثقى، اطلبوا رضى ربكم بطاعته، واحذروا نقمته وغضبه بترك معصيته.
أيها المسلمون، إن لكل أمة عيدًا يتكرر عليهم في أوقات مخصوصة، يتضمن عقائدهم وعاداتهم ومورثاتهم وتطلعاتهم وآمالهم، تبتهج كل أمة في عيدها، وتفرح باجتماعها، وتقدس له الزمان وتختار له المكان وتلبس له الجديد وتتجمل فيه بالطارف والسريد، وقد جعل الله لكل أمة من الأمم الجاهلية عيدًا بقضائه وقدره؛ فتنة لهم وزيادة في ضلالهم كما قال تعالى: وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لاِنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ [آل عمران:178]، وقال تعالى: لّكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ [الحج:67]، قال ابن عباس : "المنسك العيد" عن أنس قال: قدم النبي المدينة ولنا يومان نلعب فيهما فقال النبي : ((لقد أبدلكم الله تعالى بهذين العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى)).
وأعياد الأمم غير الإسلامية أعياد جاهلية ضالة، خالية من المعاني السامية والمصالح العاجلة والآجلة، مجردة من العواطف النبيلة الصادقة، كما قال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ [آل عمران:85].
أما العيد في الإسلام فهو معان عظيمة، ومثل كريمة، ومنافع كبيرة، ومصالح عاجلة وآجلة، والإسلام له عيدان لا ثالث لهما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وكلاهما يكونان عقب عبادة عظيمة، وبعد ركن من أركان الإسلام يؤدى كل ركن في أفضل زمان، فعيد الأضحى يعقب الوقوف بعرفات ويكون يوم الحج الأكبر، وعيد الفطر يكون بعد صيام شهر رمضان وقيامه، وبعد اجتهاد في العبادة وتشمير في الطاعة في أيام وليالٍ فاضلة شريفة، وساعات منيفة يضاعف فيها الثواب ويتقي فيها المسلم العقاب، يسابق فيها المسلم الزمن، ويبادر ساعات العمر بصالح العمل، ويستنفذ طاقات بدنه في مرضات ربه حتى إذا بلغت الروح حاجاتها وتحققت أشواقها ونالت هذه الروح غذاءها من العبادة وبدأت النفس تكل، وبدأ العزم يمل، فتح الإسلام للمسلم باب المباح الطيب، وأرخى له زمام الدعة والتمتع بالحلال لتجم القوى، ولتتكامل التربية الروحية والبدنية وليستعد الإنسان إلى أنواع من العبادات الأخرى.
وفي الحديث عن النبي : ((إن لربك عليك حقًا، وإن لبدنك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا، وإن لزورك عليك حقًا))، وقال بعض السلف: "رَوِّحُوا عن هذه القلوب ساعة وساعة؛ فإنها تكل كالأبدان".
والدين الإسلامي ينقل خطوات المسلم في طريق مأمون، وينقله من حال إلى حال، ومن حسن إلى أحسن، فيجدد حياته وحيويته ويدفعه للصلاح والإصلاح ويأخذ بيده إذا عثر.
والعيد من شعائر الإسلام الظاهرة، وحكمه الباهرة، ومنافع العيد كثيرة، ومصالحه وفيرة، فمنافع العيد في العقيدة، ومنافع العيد في العبادة، ومنافع العيد في الشريعة، ومنافع العيد في الاجتماع الإنساني، ومنافعه في الدنيا والآخرة.
أما منافع العيد في العقيدة: فإن أحكام العيد تكرر توحيد الله على عباده وما يجب للرب على خلقه من العبادة التي لا تنبغي إلا لله، بما يتضمن هذا العيد من الدعاء والتعظيم والانقياد والاستسلام والحب ونحو ذلك مما هو خالص حق الله تعالى، قال الله تعالى: وَأَنَّ ٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً [الجن:18].
وأما منافع العيد في العبادة: فإن تعاليم العيد تتحقق بها العبادة لرب العباد؛ حيث يتم في فريضة العيد الذل والخضوع لله مع المحبة للرب، والعبادة يدور قطب رحاها على المحبة والذل والخوف، قال بعض السلف: "من عبد الله بالخوف وحده فهو خارجي، ومن عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالذل والخوف والمحبة فذلك هو العابد"، قال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خـٰشِعِينَ [الأنبياء:90].
وأما منافع العيد في الشريعة فمن حيث إظهار فرائض الإسلام وشعائر الدين وإعلان تعاليم الإسلام، وإعلاء شأن شرائع الإيمان ليبقى الدين الإسلامي محفوظًا قويًا عزيزًا منيعًا لا تؤثر فيه معاول الهدم ولا تمتد إليه يد التغيير والتبديل لأن الإسلام ذاته قويٌ في تشريعاته، يمتزج بالفطرة امتزاج الروح بالبدن ويسهل تعلم أحكامه على الكبير والصغير والذكر والأنثى، والحاضر والبادي.
فأركانه مشاهدة ظاهرة، وحدوده علانية، وتعاليمه وأحكامه منشورة وطبيعته عالمية، قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدّينُ ٱلْقَيّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [الروم:30]، ولهذه القوة الذاتية يزداد صفاءً كل يوم ويتسع انتشارًا ويثبت رسوخًا, فهو كالشمس في علوه وكضيائها في دنوه، فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين مؤمنين.
وأما منافع العيد في الاجتماع فيتحقق بالعيد الألفة بين المسلمين وانطفاء الأحقاد والضغائن والعداوة ويتم التعاطف والتراحم والتزاور وتنتهي القطيعة، ويتبادلون المنافع، وفي الحديث: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)).
ومن منافع العيد وحِكمه وغاياته إظهار جمع المسلمين فاقتهم وحاجاتهم واضطرارهم إلى ربهم، وأنه لا يستغنون عنه طرفة عين يتوسلون إلى الله في قضاء حاجاتهم وصلاح أمرهم بصلاة العيد في جَمْعِهم وسماع التذكير بنعم الله وأيامه واستماع ومعرفة أحكام الإسلام في الخطبة فينقلبون من مصلاهم بالخير العظيم والفضل العميم الذي لم يكن لأمة قبلهم فلله الحمد على سوابغ نعمه وعلى عظيم كرمه.
عن سعيد بن أبي أوس الأنصاري عن أبيه مرفوعًا: ((إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فينادون: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير، ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أُمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، أطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا نادى منادي: ألا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة))، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة. رواه الطبراني.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه: ((إذا كان يوم عيد الفطر هبطت الملائكة على أبواب السكك تنادي بصوت تسمعه الخلائق إلا الإنس والجن: يا أمة محمد اخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل، فإذا برزوا إلى مصلاهم قال الله تعالى: يا ملائكتي ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ قالوا: إلهنا وسيدنا أن توفيه أجره، فيقول الله: أشهدكم أني قد جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم مغفرتي ورضواني، وعزتي وجلالي لا يسألوني اليوم في جمعهم هذا شيئًا في الآخرة إلا أعطيتموه، ولا لدنياهم إلا نظرت لهم، انصرفوا مغفورًا لكم)) قال مورك العجلي: "فيرجع قوم من المصلى كيوم ولدتهم أمهاتهم".
ولما يغشى هذه الأمة من الخير في هذا العيد المبارك ولما يتنزل عليها من الرحمة والبركات أمر النبي بالخروج إليه حتى الحُيَّض وذوات الخدور من غير تبرج وتطيب وتزين ِفتنة ليشهدن الخير، عن أمة عطية رضي الله عنها قالت: أمرنا النبي أن نخرج في الفطر والأضحى العواتق والحُيًَّض وذوات الخدور، فأما الحُيَّض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت يا رسول الله: إحدانا لا يكون لها جلباب قال: ((لتلبسها أختها من جلبابها)) رواه الشيخان.
وفي رواية قالت: كنا نُأمر أن نخرج يوم العيد حتى تخرج البكر من خدرها، حتى تخرج الحُيَّض فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر ولا إله إلا الله ولله الحمد.
عباد الله، الصلاة الصلاة فإنها عمود الإسلام وناهية عن الفحشاء والآثام، أقيموها في بيوت الله جماعة؛ فإنها أول ما يُسأل عنه العبد فإن قبلت قبلت وسائر العمل، وإن ردت، ردت وسائر العمل.
وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم, فمن أداها فله البركة في ماله والبشرى له بالثواب، ومن بخل بها فقد محقت بركة ماله والويل له من العقاب.
وصوموا شهر الصيام وحجوا بيت الله الحرام تدخلوا الجنة بسلام، وعليكم ببر الوالدين وصلة الأرحام فقد فاز من وفى بهذا المقام، وأحسنوا الرعاية على الزوجات والأولاد والخدم ومن ولاّكم الله أمره، وأدوا حقوقهم واحملوهم على ما ينفعهم وجنبوهم ما يضرهم قال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَـئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
وفي الحديث: ((كلكم راع، وكلم مسئول عن رعيته)).
الله أكبر، الله أكبر, لا إله إلا الله, والله أكبر, الله أكبر, ولله الحمد.
أيها المسلمون، إياكم والشرك بالله في الدعاء والاستغاثة والاستعانة والذبح والنذر والتوكل ونحو ذلك من العبادة؛ فمن أشرك بالله في عبادته فقد حرم الله عليه الجنة قال تعالى: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].
وإياكم وقتل النفس التي حرم الله، ففي الحديث: ((لا يزال المسلم في فسحة من دينة ما لم يصب دمًا حرامًا)).
وإياكم والربا؛ فإنه يوجب غضب الرب، ويمحق بركة المال والأعمار، قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ ٱلرّبَوٰاْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278، 279]. وفي الحديث: ((الربا نيف وسبعون بابًا أهونها مثل أن ينكح الرجل أمه)).
وإياكم والزنا؛ فإنه عار ونار، قال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء:32]، وفي الحديث: ((ما من ذنب أعظم عند الله بعد الشرك من أن يضع الرجل نطفته في فرج حرام)).
وإياكم وعمل قوم لوط؛ فقد لعن الله من فعل ذلك، ولعن رسول فاعل ذلك، لعنه ثلاثًا.
وإياكم والمسكرات والمخدرات فإنها موبقات مهلكات توجب غضب الرب، وتمسخ الإنسان فتجعله كالحيوان، يرى الحسن قبيحًا والقبيح حسنًا، عن جابر أن النبي قال: ((كل مسكر حرام، وإن على الله عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال, عصارة أهل النار)) رواه مسلم والنسائي.
وإياكم وأموال المسلمين وظلمهم؛ فمن اقتطع شبرًا من الأرض بغير حق طوقه الله إياه من سبع أراضين.
وإياكم وأموال اليتامى والمساكين؛ فإنه فقر ودمار، وعقوبة عاجلة ونار.
وإياكم وقذف المحصنات الغافلات؛ فإن ذلك من المهلكات.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ولله الحمد.
وإياكم والغيبة والنميمة؛ فإنها ظلم للمسلم وإثم تذهب بحسنات المغتاب وقد حرمها الله بنص الكتاب.
وإياكم وإسبال الثياب والفخر والخيلاء؛ ففي الحديث: ((ما أسفل من الكعبين فهو في النار)).
يا معشر النساء، اتقين الله تعالى، وأطعن الله ورسوله، وحافظن على صلاتكن، وأطعن أزواجكن، وارعين حقوقهم، وأحسنَّ الجوار، وعليكن بتربية أولادكن التربية الإسلامية ورعاية الأمانة, وإياكن والتبرج والسفور والاختلاط بالرجال، وعليكن بالستر والعفاف تكنَّ من الفائزات، وتدخلن الجنة مع القانتات، ويرضى عنكن رب الأرض والسموات.
عن عبد الرحمن بن عوف قال النبي : ((إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت)) رواه أحمد والطبراني.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله فجاء إلى النساء مع بلال فقال: ((يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا جَاءكَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلْـٰدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَـٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) [الممتحنة:12]، ثم قال: ((أنتن على ذلك)) قالت امرأة: نعم يا رسول الله.
وروى الإمام أحمد أن أمامة بنت رقية بايعت رسول الله على هذه الآية وفيه ((ولا تنوحي ولا تتبرجي تبرج الجاهلية)).
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر, ولله الحمد.
بسم الله الرحمن الرحيم: وَإِذَا قُرِىء ٱلْقُرْءانُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|