.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

النفاق وأثره

2615

الإيمان, العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم, نواقض الإيمان

يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

القدس

14/6/1423

المسجد الأقصى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- خطورة تفشي النفاق. 2- المعاصي سبب نزول أنواع البلاء. 3- صورة من النفاق. 4- انتكاس المفاهيم في ظل سيطرة الفكر الغربي الصليبي. 5- صفات المنافقين. 6- بين يدي عدوان أمريكي متوقع على العراق وشعبه. 7- الطغيان الأمريكي ودعوة للاعتبار بالنازية. 8-إسلامية قضية فلسطين.

الخطبة الأولى

أما بعد، اتقوا الله- عباد الله -، واعلموا أن الله مطلع على السرائر والظواهر، لا تخفى عليه خافية يعلم ما تسرون وما تعلنون، وهو عليم بذات الصدور، ولكن مع الأسف إن بعضاً من الناس يخادعون الله وهو خادعهم ويخادعون عباد الله المؤمنين بأقوالهم المعسولة وعبارتهم الخلابة، فترى البعض يلقاك بوجه طليق ويظهر لك المحبة والمودة والصدق والإخلاص، ولكنه بخلاف ما يظهر، وعلى عكس ما يبدي، قد امتلأ قلبه غيظاً وحقداً وحسداً ونفاقاً و مراوغة، يبيع دينه بعرض من الدنيا، ويهدر كرامته في سبيل نيل بعض غرضه الشخصي أو حاجته الدنيوية، اتخذ صفات المنافقين له مركباً وابتعد عن صفات المؤمنين الصادقين.

أيها المؤمنون، إن النفاق مرض خطير وخزي كبير، إنه داء مهلك، ما فشا في أمة من الأمم إلا كان نذير دمارها وخرابها وسبيل شقائها وعذابها وما حل في نفس إلا كان دليلاً على مهانتها وضياع مكانتها وعزتها وفقدان شرفها وشهامتها، والنفاق عار في الدنيا، ونار في الآخرة، قال المولى تبارك وتعالى: إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلاْسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً [النساء:145].

عباد الله، البيع والشراء أمانة، والنفس الخبيثة تطمع بأكثر من الربح المشروع هو الكسب الحرام عن طريق الغش، فتحتال بذلك بشتى الوسائل الخفية والطرق المستورة، كالنقص في الكيل والميزان، والله تبارك وتعالى يقول في محكم التنزيل: وَيْلٌ لّلْمُطَفّفِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُوْلَـئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ [المطففين:1- 6]، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قدم المدينة، وكانوا من أبخس الناس كيلاً، فنزلت سورة المطففين، فما بال الناس في هذه الأيام يتلاعبون في الميزان قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله : ((خمس بخمس قيل: يا رسول الله ما خمس بخمس؟ قال: ما نقص قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم، ولا حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الطاعون، ولا طففوا المكيال إلا منعوا النبات، وأُخذوا في السنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم المطر)).

فيا أيها الناس، اطلبوا الرزق بالاستقامة تغنموا في الدنيا والآخرة، وإياكم والغش، فإن الغش بلاء في الدنيا وظلمات يوم القيامة، ولا تبطلوا فيه أموالكم، وتحروا الحق في بيعكم وشرائكم، وخافوا الله، فهو المطلع على بصائركم وخفاياكم تسلم لكم أموالكم ويحفظكم الله من بلواء دنياكم.

عباد الله، لماذا حل بنا ما حل من البلاء؟ لماذا أصبحت القلوب مليئة بحقدها وحسدها وبغضائها وشحنائها؟ لماذا أصبح هدف الناس الحصول على المال مهما كان بابه ومهما كان أسلوبه؟ ولو كان ربا أو كان أكل مال اليتيم أو شهادة الزور أو كان احتيالاً فيما لا يوافق الحقيقة أو نقصاً للمكيال والميزان. لماذا قطعت الأرحام وتمزقت العُرا؟ لماذا أصبح النفاق والخداع والدجل هو السبيل؟ فما هو العلاج؟ ما هو السبيل للخروج من هذا الفساد الذي نحن فيه؟

أيها المؤمنون، إن هناك شجرتين، أحداهما طيبة والأخرى خبيثة، هما لا يجتمعان، الشجرة الطيبة هي شجرة الإخلاص، والخبيثة هي شجرة النفاق، فتعالوا أيها المؤمنون لنعيش وإياكم مع النور الإلهي، مع رسول الله ، ومع أصحابه الكرام.

إن الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان كان يلقب في أيام رسول الله بصاحب السر، وأي سر، إنه سر خطير، إنه ليس سر وزارة الداخلية، وإنما هو سر مبعوث العناية الإلهية.

سيدنا علي كرم الله وجهه يقول عن حذيفة : علَم أسماء المنافقين وسأل عن المعضلات حين غُفِل عنها، فإن تسألوه تجدوه بها عالماً، وسأل رجل حذيفة فقال: ما النفاق؟ قال: أن تتكلم بالإسلام ولا تعمل به.

أيها المؤمنون، لنذهب وإياكم إلى قرب مدينة الرسول ونبينا عليه الصلاة والسلام قادم من المدينة من بني المصطلق بعدما عاد من الغزوة بنجاح كما عودنا في جميع غزواته.

المسلمون يقفون على ماء يسمى ماء المريسيع يسقون منه أنعامهم، وإذا برجل من المهاجرين يشتبك مع رجل من الأنصار يريد كل منهما أن يسقي قبل صاحبه، وإذا برأس النفاق عبد الله بن أُبي بن سلول يريد أن يشعلها فتنة في المجتمع الإيماني، وابن سلول كان شيخ المنافقين، وليس النفاق قاصراً عليه وحده، إنما النفاق شجرة خبيثة تلقي ثمارها في كل زمان وأوان، وفي كل عصر ومكان، قال ابن سلول: إن مثلنا ومثل المهاجرين كما قال القائل: جوع كلبك يتبعك، وسمن كلبك يأكلك. لقد آوينا أصحاب الرسول وأعطيناهم أموالنا وأدخلناهم ديارنا، فلما شبعوا أرادوا أن يأكلونا، والله لئن رجعت إلى المدينة لأخرجن محمداً منها ذليلاً.

غلام صغير من أصحاب الرسول يسمى زيد بن الأرقم ذهب ونقل الكلام إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: إن عبد الله بن أبي قال في حق الأنصار كذا، وقال: لئن رجعت إلى المدينة لأخرجن محمداً منها ذليلاً، فقال كبار الصحابة رضي الله عنهم: يا رسول الله لا تسمع إلى كلام هذا، فإنه غليم صغير، وقيل لعبد الله بن أُبي: يا عبد الله إن الغلام قد نقل ما قلت إلى رسول الله، فتعال ليستغفر لك رسول الله ، فلوّى رأسه كبراً، ورفض أن يذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. فماذا حدث؟ إن ماحدث تكاد تنشق الجبال منه، إن ما حدث تكاد الجبال تخر له هداً، لقد أنزل الله تبارك وتعالى سورة كاملة، فإذا بالرسول عليه الصلاة والسلام يذهب إلى دار الغلام الصغير زيد بن الأرقم.

قال زيد: لقد ذهبت إلى بيتي حزيناً مهموماً، خشيت أن يكذبني رسول الله وأنا صادق، وبينما أنا في بيتي إذا بالباب يطرق، وإذا بالطارق رسول الله يقول لي: يا زيد تعال، فإن الله قد صدّق أذنك من فوق سبع سماوات يقول الله تبارك وتعالى: إِذَا جَاءكَ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لَكَـٰذِبُونَ [المنافقون:1]، كاذبون في أي شيء، إلهنا يا عالم السر والنجوى، يا كاشف الضر والبلوى في أي شيء كذبوا؟ إنهم قالوا: نشهد إنك لرسول الله ومن يقول: نقر أو نعترف، الشهادة أقوى من هذا، وذاك لأن الشهادة تفيد رؤية الشيء رأي العين، وبعد ذلك يؤكدون الأمر فيحلفون يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي الذي يرويه نبينا عن الله تبارك وتعالى: (( لقد خلقتُ خلقاً ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمرُّ من الصبر، فبي حلفت لأتيحن فتنة تدع الحليم فيهم حيران، أبي يغترون أم علي يجترئون؟)).

أيها المؤمنون، وماذا حدث بعد ذلك؟ لقد كان لابن سلول ولد من أصحاب الرسول، وهو يمثل الشجرة الطيبة، يمثل شجرة الإخلاص، إنه عبد الله ابن كبير المنافقين، ابن رأس النفاق، وشتان بين الرجلين، هذا قلبه مشرق بنور الوحدانية، وذاك قلبه مظلم بظلمات النفاق، وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ [النور:40].

لقد ذهب إلى رسول الله وقال: يا رسول الله بلغني أنك أحللت دم أبي، يا رسول الله إذا كنت تريد قتل أبي فمرني أنا بقتله، فوالذي بعثك بالحق لو أمرتني بقتل أبي ما ترددت لحظة واحدة، ولا تأمر غيري بقتل أبي، فإني لا أطيق أن أرى قاتل أبي، فأكون قد قتلت مؤمناً بمنافق، هكذا كان أصحاب الرسول ، لقد رباهم على الصدق والإخلاص والإيمان تربو على مائدة القرآن، وتخلقوا بأخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام، فماذا قال له ؟ قال له: يا عبد الله ما أحللت دم أبيك حتى لا يقول الناس إن محمداً يقتل أصحابه، بل إننا نحسن صحبته ما دام بيننا.

وإذا بعبد الله يقف على باب المدينة ويمنع أباه من دخولها، ويقول لأبيه: لن تدخل المدينة إلا إذا أذن لك الرسول .

أيها المؤمنون، ولما حضرت الوفاة ابن سلول إذا بابنه يأتي إلى الرسول يقول: يا رسول الله إن عبد الله قد حضرته الوفاة وأريد قميصك لأكفنه فيه، عسى الله أن يخفف ما نزل به، وأعطاه النبي قميصه الطاهر، ومات عبد الله بن أُبي، كبير المنافقين، وإذا بابنه يأتي إلى الرسول ويقول: يا رسول الله إن عبد الله قد مات، فقم لتصلي عليه، وقام الرسول عليه الصلاة والسلام ليصلي عليه، وإذا بالفاروق عمر يقف أمام وجه رسول الله يقول: يا رسول الله إنه منافق، فلا تصل عليه، فيقول عليه الصلاة والسلام: ((لم يأمرني الله كما قلتَ يا عمر)) فصلى الرسول عليه ودفنه وقام على قبره، وإذا بالوحي ينزل على نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله تبارك وتعالى: وَلاَ تُصَلّ عَلَىٰ أَحَدٍ مّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَـٰسِقُونَ [التوبة:84]، إلى هذا الحد تبلغ رحمتك يا رسول الله! إلى هذا الحد تبلغ رأفتك يا رسول الله ويا صاحب الخلق العظيم ويا صاحب القلب الرحيم! إلى هذا الحد ترتفع بنفسك فوق الأحداث واستغفر النبي له، وإذا بالوحي ينزل: ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ [التوبة:80].

انظروا أيها المؤمنون إلى الفاروق عمر يأتي إلى حذيفة، ويقول له: يا حذيفة أناشدك الله هل تجدني من المنافقين فقال: لا ولا أزكي أحداً بعدك.

عباد الله، هل ضاعت البلاد إلا بالنفاق؟ هل ضاعت الأرزاق إلا بالنفاق؟ اتقوا الله يا عباد الله وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.

إن الشاب منا إذا أطلق لحيته اقتداء برسول الله قالوا: إنه إرهابي، أما إذا ذهب إلى أماكن اللهو وترك الصلوات وخاصة صلاة الجمعة فهو مواطن صالح، أماكن اللهو أصبحت عامرة، حفلات الزفاف انتشرت فيها المجون والترف، والإسراف حل في المجتمع، وأهلنا لا يجدون لقمة العيش، وبنفس الوقت أصبح قتل النفس المسلمة مستباحاً، ولأبسط الأسباب. لماذا أصبحنا نعلن الحرب على الله تبارك وتعالى وعلى بيوت الله ونمنع المصلين من دخول المسجد الأقصى، فإذا وقفتم أيها المؤمنون يوم القيامة بين يدي الله تبارك وتعالى فماذا ستقولون له: ماذا أعددتم لذلك اليوم العصيب؟ أعدوا له جواباً، لا تخشوا في الله لومة لائم، لا تخشوا الوعيد ولا التهديد لا تبيعوا دنياكم بأخراكم، ما الداعي إلى ذلك؟ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلابْصَـٰرُ [إبراهيم:42]

يا نائم الليل مسرورا بأوله     إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

عباد الله، دوام الحال من المحال، إن الرسول بين لنا صفات المنافقين في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم رضي الله عنهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي قال: ((أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)).

فاحذروا يا عباد الله هذه الخصال الذميمة، وعليكم بالتوجه إلى الله تبارك وتعالى، فهو القائل: فَفِرُّواْ إِلَى ٱللَّهِ إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءاخَرَ إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ [الذاريات:50، 51] صدق الله العظيم.

توجهوا إلى الله بقلوب مؤمنة صادقة، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله.

 


 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي زين المسلم بالأخلاق الحميدة، وجمله بالآداب المستقيمة وحذره من الأوصاف الممقوتة الذميمة، ليكون في حياته دائماً رضياً، وفي سيرته الحميدة بين الناس مرضياً، لا يماشي فاسقاً، ولا يصحب شقياً، ونشهد أن لا إله إلا الله، أوضح لعباده طريق الأبرار وحذرهم سلوك طريق الفجار فقال سبحانه: قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ الرعد:108] ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، إمام الصادقين وقدوة العاملين اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك الرسول الكريم النبي الأمي وعلى آله وأصحابه، أهل الصدق والوفاء والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، أيها المؤمنون، تواصل الدوائر الصهيونية الضاغطة في الولايات المتحدة وإسرائيل حملاتها الإعلانية المكثفة والرامية إلى تهيئة الرأي العام في أمريكا والعالم إلى اعتزام الإدارة الأمريكية شن هجوم وعدوان جديد على العراق، وتمارس الدوائر الصهيونية الضغط على الإدارة الأمريكية من أجل الإسراع بتنفيذ عدوانها وإسقاط النظام الحاكم فيه، هذه الأنباء ليست مفاجأة لنا، إنما الشيء الذي يسترعي انتباه المسلمين في كل مكان، هو التحريض المعلن والتهديد المبطن ضد دول عربية وإسلامية عدة، وهذه الدول تتفاوت صداقتها مع أمريكا بنسب مختلفة، فما الذي طرأ على الساحة؟ ولِـمَ هذا التغيير المفاجئ للإدارة الأمريكية؟ هل حقاً أن هذه الأنظمة لم تعد أنظمة ديمقراطية ترعى ما يسمى حقوق الإنسان أم أن هذه الأنظمة أصبحت تشكل خطراً على السلام والأمن العالميين أم لأن هذه الأنظمة أعربت عن تحفظها من ضرب العراق وعدم المشاركة في أي حملة عسكرية ضده، لعدم وجود أسباب مقنعة لضربه غير أسلوب الرعونة الأمريكي، أم لأن الإدارة الأمريكية لا تريد حتى لأصدقائها أن يقولوا: لا.

نعم أيها المؤمنون، أمريكا اليوم وقد أخذ بها جنون العظمة والقوة تتصرف كما يحلو لها وأنّى تشاء، تهدد هذا النظام، وتسقط ذاك، تضرب هذه الدولة، وتهدد تلك بلا ضابط ولا رادع، طالما أنها تدعي أنها سيدة العالم، وأمام هذه الغطرسة تعود الذاكرة إلى الأربعينيات من القرن الماضي عندما أخذ الزعيم النازي يهدد كل الدول الأوروبية المحيطة به بغزو أراضيها لتدعيم النظام النازي كأفضل نظام في العالم آنذاك، واليوم تتصرف الإدارة الأمريكية وزعامتها بنفس النهج والأسلوب الذي مارسه الزعيم النازي، فهي تريد أن تخضع العالم لما تسميه النظام العالمي الجديد، هل سألت أمريكا نفسها ماذا حل بالنازية بعد غطرستها وبطشها وتدميرها كل المحيطين بها؟ هل سأل الرئيس الأمريكي عن نهاية الزعيم النازي ليأخذ الموعظة؟ إن الغطرسة الأمريكية مهما بلغت من التعنت والظلم الجبروت لا بد أن تدفع الثمن غالياً وأن تعي جيداً أن الملايين المقهورة في عالمنا العربي والإسلامي لا بد أن يأتي يوم تنفض عن كاهلها غبار الوهن والخوف والخنوع، وأن تزلزل الأرض تحت أقدام الغزاة، إن التاريخ القديم والحديث لم يرحم الطغاة، لقد دفعوا ثمن جبروتهم وطغيانهم.

أيها المسلمون، لماذا وصفت أمريكا هؤلاء الزعماء بالقتلى؟ ولكن عندما تتحدى أمريكا العالم وتريد فرض هيمنتها بالقوة عليه تسمي ذلك دفاعاً عن الحرية والديمقراطية والحضارة! هل ضرب أفغانستان وإسقاط نظام الحكم بالقوة يسمى حضارة؟ هل غزو الصومال وتغيير نظام الحكم في غواتيمالا بالقوة حرية؟ هل التهديد بتغيير الأنظمة العربية في الوطن العربي دفاع عن الديمقراطية؟

أيها المسلمون، ما لهذه الأنظمة العربية قد ران على رؤوسها الطير لا تثور لكرامتها، ولا تدافع عن وجودها! ألا يخجلون من أنفسهم ومن شعوبهم؟ إلى متى هذا الخنوع وقد طال التهديد عروشَهم؟

أيها المسلمون، قوتكم في وحدتكم، ووحدتكم في عقيدتكم، وانتصاركم في إسلامكم، لتتوحد الصفوف وليجتمع قادة العالم الإسلامي والعربي لوضع حد للغطرسة الأمريكية، وإذا كان هذا حال أنظمتنا الإسلامية والعربية فلا يجوز لنا أن نغفل عما يجري في ساحتنا الفلسطينية، فإسرائيل تمعن في إذلال شعبنا، ها نحن نعود إلى نقطة الصفر بعد أن تحطمت الآمال وتقوضت الأماني، وها هو شعبنا يقبل بما يسمى غزة وبيت لحم أولاً، سنوات ضاعت هباء منثوراً، عشر سنوات دفع شعبنا الفلسطيني خيرة أبنائه شهداء وجرحى ومعتقلين، هدمت المنازل، وهدمت المصانع، ولا تزال تهدم، شعبنا الفلسطيني المسلم يواجه الحصار الخانق والعزل المتواصل والاغتيالات والاعتقالات والإبعاد والتشريد، ومع ذلك تجد من يلهث وراء حلول هزيلة تزيد من معاناته وتبعده عن جادة الصواب.

أيها المؤمنون، لقد قلنا أكثر من مرة: إن قضيتنا الفلسطينية هي قضية إسلامية مركزية، وإن واجب الأمة قادة وشعوباً الوقوف بحزم أمام كل المخططات الرامية إلى طمس هويتها الإسلامية، إن شعبنا الفلسطيني المسلم مطالب قبل غيره من الشعوب الأخرى أن يكون همّه الأول والأخير أسلمة القضية الفلسطينية والإبقاء على جذوة الإيمان، المحرك الأساسي له، فشعبنا هو شعب الرباط.

والأقصى المبارك الذي تمر هذه الأيام ذكرى حريقه المشئوم هو عنوان وجودنا ورمز عقيدتنا، فمن يحرر الأقصى؟ ومن يعيد للأقصى مجده؟ ومن يعيد بناء منبر صلاح الدين الذي أساسه الإيمان، وأساسه التوحيد، وأساسه مخافة الله تبارك وتعالى، فتمسكوا يا شعبنا في أرضنا المباركة بدينكم، تمسكوا بسنة نبيكم وعضوا عليها بالنواجذ، فوالله لا خلاص لنا إلا بالعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً