لا إله إلا الله عالم الغيب والشهادة، يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون، يعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ملك فقدِر، وعلا فقهر، إذا قضى فلا راد لقضائه، وإذا حكم فلا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب، إلهنا ومولانا، ليس في الوجود سواك رب يعبد، كلا ولا مولى هناك فيقصد, يا من له علت الوجود بأسرها رهباً، وكل الكائنات توحد، أنت الإله الحق الواحد الذي كل القلوب إليه تقر وتشهد.
ونشهد أن سيدنا ونبينا وعظيمنا وحبيبنا محمداً رسول الله نبي الأخلاق الفاضلة والقيم العالية والدرجات الرفيعة, قال لأبي ذر رضي الله عنه: ((يا أبا ذر هل أدلك على خصلتين خفيفتين على الظهر, ثقيلتين في الميزان)), قال أبو ذر رضي الله عنه: بلى يا رسول الله. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليك بالصمت وحسن الخلق)), صلى الله عليه وسلم وبارك عليك سيدي يا رسول الله ما دار في السماء فلك، وما سبح في الملكوت ملك، وعلى آل بيتك الطيبين الطاهرين وأصحابك الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
اتقوا الله يا عباد الله حق التقوى واعلموا أن الله سبحانه وتعالى مطلع على أسراركم وسيحاسبكم على أعمالكم، فالمسلم الحقيقي من سلم المسلمون من لسانه ويده وقد أطاع الله تعالى في أعماله وأقواله وأفعاله، فلا يطلق لسانه بالطعن في أعراضهم أو الكذب عليهم أو الإفساد بينهم ولا يمد يده إليهم بالسوء، فلا يسلب أموالهم ولا يريق دماءهم ولا يفسد حرياتهم، إن المسلم الحقيقي من يقيم للدين بنياناً وللإسلام أركاناً، فتراه واقفاً بين يدي الله تبارك وتعالى عند أوامره، لا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يكذب على الله في شرعه ولا في أمره ونهيه، يقول الله تبارك وتعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِـئَايَـٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ [الأنعام:21].
استمعوا أيها المؤمنون إلى الإمام الزاهد العابد الحسن البصري رضي الله عنه وهو يحدثنا عن صفات المؤمن فيقول: "هو في الصلاة خاشع، وإلى الركوع مسارع، قوله شفاء، وصبره تقوى، وسكوته فكرة، ونظرته عبرة، يخالط العلماء ليعلم، يسكت بينهم ليسلم، ويتكلم ليغنم، إن أحسن استبشر، وإن أساء استغفر، وإن ظُلم صبر، وإن جير عليه عدل، لا يتعوذ بغير الله ولا يستعين إلا بالله، وقور في الملا، شكور في الخلا، قانع بالرزق، حامد على الرخاء، صابر على البلاء".
فماذا أنتم فاعلون أيها المؤمنون فيمن يسرق ويغتصب أموال المسلمين ويأكل حقوق الضعفاء والمساكين؟ ماذا أنتم فاعلون فيمن اعتدى وبغى وطغى، ما موقفكم ممن يتآمر على المسلمين هنا وهناك ويطعن في دينهم ويتنكر لإسلامهم، اسألوا أنفسكم ولو لمرة واحدة: هل تعملون لأجل هذا الدين؟ إن المؤمن الحقيقي الذي يعمل لإقامة حكم الله وشرعه ويعمل لإيجاد دولة إسلامية ترفع الذل والعار والهوان عن المسلمين المؤمن الحقيقي إذا ذكر الله وجل قلبه وخشعت نفسه وفاضت عينه، إذا سمع القرآن انشرح صدره وزاد إيمانه وعلا يقينه , المؤمن من يتخذ المؤمنين أولياء، ولا يوالي من كان على الإسلام حرباً ويرضى بحكم الله وقضائه ويسلم له في جميع أموره.
أيها المسلمون من المسؤول عن فساد شبابنا وسوء أخلاقهم، فقد عمت البلية وانتشر الفساد، انتشر الفساد في طرقاتنا وأسواقنا، فأين التربية الإسلامية ؟ أين دور الآباء والأمهات ؟ أين دور الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ؟من الحكمة أن نراعي أولادنا وبناتنا وأن نراقبهم في أقوالهم وأعمالهم، فلا نسمح لهم بالكلام البذيء السيئ أو الكذب أو تقليد الآخرين فإن هذا يفسد الأخلاق ويورث الشقاء والتعاسة والسفاهة، وبنفس الوقت لا ندعهم يصاحبون إلا الأديب المستقيم ذا الخلق القويم والتربية الصالحة السليمة، والواجب علينا أن نعلم أولادنا الواجبات الدينية وإقامة الصلوات والصدق والأمانة وأدب الاستماع وتوقير الكبير والرحمة بالصغير وأن نعلمهم قراءة القران الكريم وسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وأنباء الأنبياء والصحابة والصالحين والأئمة.
وتذكروا أيها المؤمنون قول علي رضي الله عنه عن تأديب الأولاد حيث قال: "أدبوهم وعلموهم". والأدب من الآباء، والصلاح من الله تبارك وتعالى وتذكروا يا عباد الله أن من أدب ولده صغيراً سره كبيراً، ومن حسن تربية الأولاد أن يكون التأديب برفق ولين حتى يكونوا طائعين صالحين، فاتقوا الله أيها المسلمون في تربية أولادكم، فربوهم على الإسلام حتى يكونوا رجال المستقبل الذين يدافعون عن إسلامهم ودينهم وأرضهم ومقدساتهم.
أوليس أيها المؤمنون من صفات المؤمنين أنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم فلماذا لا يرحم بعضنا بعضاً! فنحن نمر بظروف سيئة صعبة، أصحاب العقارات والأملاك لماذا لا يرحمون المستأجرين, أوليس الله تبارك وتعالى يقول في محكم التنزيل: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:280]. وبنفس الوقت لا يجوز شرعاً لمستأجر أن يستغل الظروف المعيشية ويظلم المؤجِر، فالتعاون مطلوب شرعاً، وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
وأمر آخر أيها المؤمنون، ألا وهو حق الجوار, إذا سألت أيها المسلم عن حق الجوار فاستمع إلى الأدب النبوي الشريف، وبعد أن تسمعه مزق الدموع كبداً على هذا الفساد الشائع واذرف الدموع حزناً على فساد القلوب، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: ((حق الجار على جاره إن كان في خير فرحت له، وإن كان في شر حزنت له، إذا مرض عدته، و إذا مات شيعته، ولا تستطيل عليه بالبناء فتمنع عنه الريح إلا بإذنه)). ثم ماذا يا رسول الله؟ استمعوا أيها المؤمنون إلى هذه الفقرة وسجلوها على صفحات القلوب: ((وإذا دخلت على أهلك بفاكهة، إما أن تعطيه منها، وأما أن تدخل بها سراً ولا تخرج ولدك بها ليغيظ بها ولده))[1].
ما هذا السمو يا رسول الله؟ ما هذه العظمة؟ أتلك هي شريعة الله تبارك وتعالى.
نعم أيها المؤمنون، إنها شريعة الإسلام، إنها شريعة الله تبارك وتعالى.
إذا ما جزاء من اعتدي على حليلته يا رسول الله؟ ما جزاء من خان فراش جاره؟ استمعوا أيها المؤمنون إلى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((خمسة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يجمعهم مع العاملين ويدخلهم النار أول الداخلين)) من هم يا رسول الله؟ ((الفاعل والمفعول به - أي من فَعل فِعل قوم لوط - ومدمن خمر وضارب والديه حتى يستغيثا والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه، والناكح حليلة جاره))[2].
ما سر هذا الفساد؟ ما سر هذا الانحلال؟ تيقنوا أيها المؤمنون أن صلاح الأسرة والمجتمع في قول الله تبارك وتعالى: قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، صلاح المجتمع في قول المولى تبارك وتعالى: ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاء [النساء:34], إن الذين يظنون إن الإسلام لا يساير التطور واهمون، يعيشون في ظلمات العصور الوسطى، أما ربنا تبارك وتعالى فيقول: قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ [يونس:101]، ويقول الله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو ٱلاْلْبَـٰبِ [الزمر:9].
إن السلطان صلاح الدين لم يكن له سيارة فاخرة ولا قصر مشيد، لم يكن لصلاح الدين بيتاً يسكنه فقالوا: "أيها القائد لمَ لمْ تبنِ لك بيتاً؟ فقال: وما يفعل بالبيت من يتوقع الشهادة كل لحظة؟".
كان رضي الله عنه لا تراه إلا على ظهر دوابه أو تحت خيمته، لم يكن له بيت يسكنه، وكان إذا اشتدت المعركة وقف بين يدي الله سبحانه وتعالى يصلى ويدعو إلى الله تبارك وتعالى أن يكتب النصر للمؤمنين.
عباد الله لماذا تفرقت كلمتنا اليوم وأصبحنا كالغنم الشريدة في الليلة الشاتية لماذا يحارب المسلمون في شتى الأمصار والأقطار، إنه مخطط عدواني إرهابي تحت عنوان تصفية المسلمين في كل مكان، قسْمنا ها هنا، في أرضنا المباركة وهل تحرك أحد من أبناء الأمة لنجدتنا؟ هل تحمس منهم أحد؟ هل تسمع لهم صوتاً؟ رحا الحرب تدار سراً، وأعراض المسلمين تنتهك هنا وهناك، ونحن في غفلة معرضون لا تجد أبناء الأمة يجتمعون إلا على حفل ساهر أو كأس خمر أو جسد محرم والعياذ بالله.
وأنتم ترون أيها المؤمنون، إن الصيف قد أقبل، وعندما يقبل الصيف تفتح أبواب الغضب من شدة ما نرى من الأجسام العارية والألبسة الشفافة، فاتقوا الله يا عباد الله، وأقيموا دولة الإسلام فيكم وراقبوا أولادكم.
هناك ظاهرة خطيرة, ظاهرة الشباب الذين يتاجرون بالمخدرات، هذه الأعمال المحرمة شرعاً، وهذه الظاهرة الخطيرة المدمرة تفتك في أبنائنا وأولادنا، إن التجارة بالمخدرات تعتبر من السموم القاتلة التي تقضي على قوة المجتمع وسُمُوِه ورُقِيه، فقد بدأت تنتشر وللأسف الشديد في بلادنا وديارنا أو في بلادنا المباركة.
وفي توفيق من الله تبارك وتعالى فقد هيأ الله عز وجل فئة مؤمنة لتحارب هذه الظاهرة الخطيرة، فنتوجه إليهم بالشكر والامتنان، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يشد من أزرهم وأن يكون معهم في محاربة هذا المرض السرطاني القاتل.
فاتقوا الله يا عباد الله في أولادكم، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يطهر مجتمعنا من الفساد والانحلال وسوء الأخلاق، وبقي لي في هذه الكلمة ملاحظة أوجهها إلى المسئولين في وزارة التربية والتعليم في وطننا الغالي، لقد تعطلت الدراسة لفترة زمنية طويلة، وذلك بسبب الأحداث، وهذا هدف من أهداف الحملة الظالمة على أمتنا، والواجب علينا جميعاً أن نعمل جاهدين من أجل تعويض الأيام السابقة، وما فات الطلاب من التحصيل العلمي، وخاصة الجامعات التي ما تزال مغلقة بسبب عدم طرح رواتب المدرسين والعاملين في هذه المؤسسات التعليمية، والواجب علينا وعلى جميع المسئولين أن يبذلوا كل ما في وسعهم من أجل حل هذه المشكلة.
وأما أنتم يا أبناءنا الطلاب، جدوا واجتهدوا وعوضوا ما فاتكم، فإن الأمم إنما تبنى بالعلم، يا طلاب الجامعات، ويا طلاب المراحل العلمية المختلفة، أنتم في هذه الأيام في صراع فعليكم بالعلم، اجعلوا رسالتكم في الحياة طلب العلم لوجه الله تعالى وأخلصوا النية له، نريد الطبيب المسلم والصيدلي المسلم والمهندس المسلم والعالم العامل المسلم والمدرس المسلم والمحاسب المسلم.
أيها الطالب أدِ صلاتك واقرأ كتابك، واستعن بالله، وخاصة أن أبناء التوجيهي العامة على أبواب الامتحانات، اسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكم جميعاً التوفيق والسداد واتباع سبل الخير والرشاد وأن يكتب لكم النجاح والصلاح والفلاح.
عباد الله، توجهوا إلى الله تبارك وتعالى بقلوب صادقة وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله.
[1] قال ابن حجر بعد أن ذكر أسانيد الحديث: وأسانيدهم واهية لكن اختلاف مخارجها يشعر بأن للحديث أصلاً. فتح الباري (10/446).
[2] رواه البيهقي في شعب الإيمان بإسناد فيه من لا يعرف،(4/378)، قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(العلل المتناهية 2/633)، وقال ابن كثير: هذا حديث غريب، وإسناده فيه من لا يعرف لجهالته (تفسير القرآن العظيم (3/240). |