أما بعد: فأوصيكم ـ عباد الله ـ ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى، تدرّعوا بها شدةً ورخاءً، سرَّاءً وضراءً، واعمروا بها أوقاتكم صباحاً ومساءً، فبها تُدفع المحن والبلايا، والفتن والرزايا، وبها تُبوَّأ الجنان عاقبةً وجزاءً.
أيها المسلمون، في ذِروة تداعيات الأحداث في الأمة، وفي ظل التهاب الأوضاع في المنطقة، بل وفي خضمّ تفجّر القضايا في العالم، ووسط هذا الصمت العالمي، والتخاذل الدولي، والغليان في الشارع الإسلامي، لا بد من وقفة حازمة، نستقرئ فيها التأريخ، ونتأمل في سنن الله الكونية والشرعية، لتُقوَّم من خلالها مسيرةُ الأمة، ونقف طويلاً مع الذات للمحاسبة الدقيقة والمراجعة الشاملة، بمصداقيةٍ وشفافية، ثم الأخذ بزمام المبادارت للعمل الجاد لتحقيق مصالح الأمة أفراداً ومجتمعات، حفاظاً على المكتسبات، وتوطيداً للأمجاد والحضارات، قبل أن يجرفها تيار المتغيرات، وتضمحل في أَتُّون المستجدَّات.
معاشر المسلمين، وللتفاعل الإيجابي مع الحدث، وللعيش مع القضية عن كثب، أستسمحكم ـ يا رعاكم الله ـ أن أنتقل بكم نقلة شعورية من هنا حيث المسجد الحرام، حيث تعيشون الأمن والأمان، إلى هناك وما أدراك ما هناك، حيث المسجد الأقصى المبارك، وما يعيشه في هذه الأيام من أوضاع مأساوية، وما نكأته الأحداث الأخيرة من جراحات دموية، لا يسع الغيورين على أحوال أمتهم السكوتُ عليها، والتغاضي عنها، ولله الأمر من قبل ومن بعد. ولعل ذلك الإسراء المشاعري يؤكّد الارتباط الشرعي والتأريخي الوثيق بين هذين المسجدين الشريفين، سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَـٰتِنَا إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ [الإسراء:1].
إخوة العقيدة، لم يُبرز التأريخ قضيةً تجلّت فيها ثوابتُنا الشرعية وحقوقنا التأريخية وأمجادنا الحضارية كما برزت فيها الأحقاد الدولية وظهرت فيها المتناقضات العالمية وانكشف فيها حرب المصطلحات وتعرّى فيها بريق الشعارات وسقط القناع عن التلاعب فيها بالوثائق والقرارات كقضية المسلمين الأولى، قضية فلسطين المسلمة المجاهدة الصامدة، والقدس المقدسة، والأقصى المبارك، حيث تشابكت حلقات الكيد في سلاسل المؤامرة، لتمثل منظومةً شمطاءَ من العداء المعلن، والكره المبطّن، في تآمر رهيب من القوى العالمية، كان من أبرز إفرازاته الخطيرة انخداعُ كثير من بني جلدتنا بخطط أعدائنا، ويتجلى ذلك في إقصاء قضية فلسطين والقدس والأقصى من دائرتها الشرعية ومنظومتها الإسلامية، إلى متاهاتٍ ومستنقعات من الشعارات القومية والإقليمية، والنعرات الحزبية والطائفية، وذلك ـ لعمرو الحق ـ بترٌ لها عن قوّتها المحرِّكة، وطاقتها الدافعة المؤثرة، حتى تاهت القضية في دهاليز الشعارات، والتواء المسارات، وظلام المفاوضات، ودياجير المساومات، وأنفاق المراوغات، في معايير منتكسة، وموازين منعكسة، ومكاييل مزدوجة، تسوِّي بين أصحاب الحقوق المشروعة و[أصحاب] الادعاءات الممنوعة، حتى خُيِّل لبعض المنهزمين أن القضية غامضة شائكة، لغياب التأصيل العقدي والشرعي لهذه القضية. أولسنا أمةً لها مصادرها الشرعية، وثوابتها العقدية، وحقوقها التأريخية؟!
إخوة الإيمان، ماذا يؤكدّ قرآننا وسنة نبينا ؟! ماذا تقرّر عقيدتنا؟! ماذا يدوِّن تأريخنا عن القضية وأطرافها؟! مما يؤكد بجلاء أن الصراع بيننا وبين اليهود صراع عقيدة وهوية ووجود.
ألم نقرأ قول الحق تبارك وتعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ [المائدة:82]، وقوله سبحانه: وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]؟!
اقرؤوا التأريخ لتدركوا أن يهود الأمس سلف سيِّئ، ويهودَ اليوم خلف أسوأ، كفَّارُ النعم، ومحرِّفو الكلم، عُبَّاد العجل، قتلة الأنبياء، مكذِّبو الرسالات، خصوم الدعوات، شُذَّاذ الآفاق، حثالة البشرية، مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء ٱلسَّبِيلِ [المائدة:60].
هؤلاء هم اليهود، سلسلةٌ متصلة من اللؤم والمكر والعناد، والبغي والشر والفساد، وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ [المائدة:64].
حلقات من الغدر والكيد، والخسة والدناءة، تطاولوا على مقام الربوبية والألوهية، لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء [آل عمران:181]، وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ [المائدة:64]، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
لقد رموا الرسل بالعظائم، واتهموهم بالشناعات والجرائم، آذوا موسى، وكفروا بعيسى، وقتلوا زكريا ويحيا، وحاولوا قتل محمد ، عملوا له السحر، ودسّوا له السمّ، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُم ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ [البقرة:87].
أمة الإسلام، واليوم تواجه الأمة الصراع على أشدّه مع أعداء الأمس واليوم والغد، مع أحفاد بني قريظة والنضير وقينقاع، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة. فهل يعي بنو قومنا حقيقةَ أمةِ الغضب والضلال بعد أن تفاقم شرهم وتطاير شررهم وطفح بالعدوان كيلهم؟! فالصراع أخذ يتفجّر ويتعاظم، والاستغلال والأطماع تزداد وتتفاقم، والتمادي في الاستخفاف بالعرب والمسلمين ومقدساتهم بلغ أوج خطورته من جرذان العالم، نقضةِ العهود والمواثيق، مَنْ عشَّش الغدر والتخريب والمكر في عقولهم، وسرى الظلم والطغيان في عروقهم، فأبوا إلا الصَلَف والرعونة والفساد والأذى، فاستحقوا لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
لما جنحتِ الأمةُ للسلم تحقيقاً للمصالح الكبرى ودرءاً للمفاسد العظمى لم يجنحوا لها. ولا عجب، فهو سلام مع جهة لا يرضيها إلا تصفية الخصم، واستلاب أرضه، وتشريد أهله، والعبث باقتصاده، وإلغاء كرامته، وانتقاص سيادته، وتقطيع أوصاله، وتناثر أشلائه.
ألا فلتعلم الأمة أن هؤلاء القوم قومٌ تأريخهم مقبوح، وسجلهم بالسواد مكلوح، ولن يرضوا إلا بتحقيق أطماعهم، لا بلّغهم الله مرادهم.
يريدون إقامة دولة إسرائيل الكبرى، وأن تكون القدس عاصمةً لها، كما يطمحون ويطمعون إلى هدم المسجد الأقصى، وبناء هيكلهم المزعوم على أساسه، يريدون إبادة دولة التوحيد والقرآن، وإشادة دولة التوراة والتلموذ على أنقاضها، عليهم من الله ما يستحقون. فعلى مبادرات السلام السلام، مع قومٍ هذا ديدنهم عبر التأريخ، وتلك أطماعهم ومؤامراتهم.
ولعل ما شهدته الساحة الفلسطينية هذه الأيام من مشاهد مرعبة ومآسي مروِّعة حيث المجازر والمجنزرات، والقذائف والدبابات، جُثثٌ وجماجم، حصار وتشريد، تقتيلٌ ودمار، في حرب إبادة بشعة، وانتهاك صارخ للقيم الإنسانية، وممارسة إرهاب الدولة الذي تقوم به الصهيونية العالمية، مما لم ولن ينساه التأريخ، بل سيسجّله بمداد قاتمة، تسطّرها دماء الأبرياء، الذين رويت الأرض بمسك دمائهم، من إخواننا وأخواتنا على أرض فلسطين المجاهدة، الذين يُذبَّحون ذبح الشياه. عشراتُ المساجد دمِّرت، ومئات البيوت هُدّمت، وآلاف الأنفس أُزهقت، كم نساءٍ أيِّمت، وأطفالٍ يُتِّمت، ومقابر جماعية أقيمت، فإلى متى الذل والمهانة والضعف والهزيمة والاستسلام؟! أما آن لهذا الهوان أن ينتهي، وللضعف والذل أن ينقضي، وليلِ الليل الطويل أن ينجلي؟! فهل تفيق أمتنا من سباتها؟! نداءٌ حار إلى قادة المسلمين أن أدركوا فلسطين قبل أن تضيع، واعملوا على إنقاذ الأقصى قبل أن يُستقصى.
إن من يشنّ هذه الحرب الضروس ومن يقف وراءها انطلاقاً من فلسفة الإبادة العنصرية لن يفلت من قبضة الجبار جل جلاله، كما لن يسلم من غضب الشعوب، وسخط التأريخ. إنها مأساة يعجز اللسان عن تصويرها، ويخفق الجنان عند عرض أحزانها، ويعيى البيان عن ذكر مآسيها، ويقصر الوصف عن بيان أبعادها وخطورتها، مأساةٌ بكل المقاييس، ومعضلةٌ بكل المعايير، ليس لها من دون الله كاشفة، فرحماك ربنا رحماك، واللهم سلم سلم.
إن هذه الكارثة من أوضح الدلائل على سجية القوم، وما يكنُّونه لأمتنا ومقدّساتنا، إنه لأمر تبكي له العيون دماً، يُقتَل الأبرياء العزّل على أيدي سفاحي الصهاينة، ورثة النازية والفاشية، فأيُّ حقٍّ لهم في فلسطين؟! الأرضِ العربية الإسلامية التأريخية إلى قيام الساعة، التي تبوّأت منذ فجر التأريخ مكانتها المرموقة لدى المسلمين، بل هي جزء من ثوابتهم، وأمانة في أعناقهم، ولن يفرّطوا بشبر من أرضها ـ بإذن الله ـ ما دام فيهم عرق ينبض، وإن الحق الذي يدعيه يهود في فلسطين خرافةٌ لا سند لها، وصلافةٌ لا مبرِّر لها، لقد مضى أكثر من خمسة عقود من الزمان على قضية المسلمين الكبرى، والمأساة تتجدد يوماً بعد آخر، فأين المسلمون؟!
إني أنادي والرياح عصيبة والأرض جمرٌ والديار ضِرام
يا ألف مليون ألا من سامع؟! هل من مجيب أيها الأقوام؟!
قد بُحّ صوتي من نداكِ أمتي هلا فتًى شاكي السلاح هُمام؟!
لقد نكأت الأوضاع المستجدة الجراح، فأين منا خالد والمثنَّى وصلاح؟! يا ويح أمتِنا ماذا أصابها؟! أيطيب لنا عيش، ويهدأ لنا بال، ويرقأ لنا دمع، ومقدساتنا تئنّ، وقدسُنا تستنجد، وفلسطيننا تنادي، والأقصى يستصرخ قائلاً:
كلُّ المساجد طُهِّرت وأنا على شرفي أُدنَّس؟!
كل ذلك يحدث على مسمع من العالم ومرآه، وكأن المسلمين لا بواكي لهم، أين العالم بهيئاته ومنظماته؟! أين مجلس أمنهم وهيئة أممهم؟! أين هم من بكاء الثكالى، وصراخ اليتامى، وأنين الأرامل، واغتصاب الأرض، وتدنيس العرض؟! فسلام الله على جنين الصُّمود، ونابلس الشُّموخ، أين شعارات ومنظمات حقوق الإنسان الزائفة؟! ماذا يردّ الضمير العالمي؟! وأين هي المقاطعات السياسية والاقتصادية على مجرمي الحرب والمستهترين بالأعراف الدولية والقرارات العالمية؟!
يا صناع القرار، يا قادة العالم، يا أصحاب الرأي، يا من تدّعون محاربة الإرهاب، ماذا تسمون ما فعله هؤلاء المجرمون بالمسلمين في فلسطين؟! وسيرجع إليك الطرف خاسئاً وهو حسير، حينما يتَّهمون أصحاب الحق المشروع المقاومين للظلم والبغي والاحتلال بالإرهابيين، فهل تطلُّعات أكثر من مليار من المسلمين في الحفاظ على مقدساتهم تُعدُّ وحشية وإرهابا؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
أيها الإخوة المرابطون على أرض فلسطين المجاهدة الصامدة، أرضِ العز والشموخ والفداء، والتضحية والجهاد والإباء، يا أهلنا في الأرض المباركة فلسطين، يا أحبتنا في أرض الإسراء والمعراج، عُذراً إن وجدتم من كثير من أبناء أمتكم التخاذل والتثاقل، لَكَم أرَّقنا أنَّ أقصانا أسير بأيدي البغاة الطغاة العتاة، فما يُذكر الأقصى ـ أقر الله الأعين بفكّ أسره وقرب تحريره ـ إلا وتعتصر قلوبُنا حسرةً وأسى على ما جرى له ويجري، مما فطّر الأكباد، وأدمى القلوب، فصبراً صبراً أيها المرابطون.
لقد سطرت انتفاضتُكم المباركة بأحرف العز والنصر والشرف ملحمةً من أروع النماذج في التأريخ المعاصر، لقد أعدتم الأمل في النفوس، فثِقوا بنصر الله لكم، متى ما نصرتم دينه، إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]. قلوبنا معكم، والله ناصركم، والمال نبذله، فواصلوا دربَكم، واستنهضوا الهمما. هنيئاً لكم تقديمُ الأرواح رخيصةً في سبيل الله، ودعاؤنا أن يتقبل الله قتلاكم شهداء، وأن يكتب لمرضاكم عاجل الشفاء، وأن يحيينا وإياكم حياة السعداء. لا تيأسوا من روح الله، فالنصر قادم بإذن الله، وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ [الروم:47]، أَلا إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214].
الله أكبر، هذه بوارق النصر تلوح، ورائحته تفوح، تتوِّجها انتفاضةٌ جهادية باسلة، لا تزال هي الورقة الرابحة، وشمعة الأمل المضيئة في أيدي المخلصين من أبناء هذه الأمة، حيث لم تنجح معها سياسة ليّ الذراع، وألوان الصلف والتعسف. إنها أرواح تتهادى نصرة لدين الله، وإعلاءً لكلمة الله، وما أكثر النماذج الحية في أمتنا المعطاءة، التي أنجبت الأبطال والشهداء. ولئن كان سياق العاطفة يغلب في طرح هذه القضية المؤرقة، فأيُّ عاطفة يجمل بها أن تجمد وتتبلّد في أوضاع ملتهبة وأحداث متفجرة؟! غير أن عاطفتنا لا ينبغي أن تطغى على عقولنا وحكمتنا، فتخرج بها عن الضوابط الشرعية والأنظمة المرعية، في كفاحٍ موهوم أو غوغائية مثيرة.
لا بد من الجدِّ في مسالك الإصلاح، والاستيقاظ من الغفلة والتغفيل، وبعث الوعي العميق والتأصيل الوثيق بخطىّ مؤصلة، ومنهجية مدروسة، تواجه دسائس اليهود، بكل حزم وحكمة.
أمةَ الجهاد والفداء، إن واجب المسلمين الوقوف مع إخوانهم في العقيدة في فلسطين وغيرها، ودعمهم مادياً وعينياً ومعنوياً، والإنفاق في سبيل الله، فالجهاد بالمال مقدَّمٌ على الجهاد بالنفس في كثير من آي الكتاب وسنة النبي الأواب كما لا يخفى على أولي الألباب، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَـٰرَةٍ تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ [الصف:10-11]، وقال : ((جاهدوا المشركين بألسنتكم وأموالكم وأنفسكم)) خرجه مسلم في صحيحه.
والمسلم الحق لا يتردد في البذل والعطاء في مواطن الجهاد والفداء، هَا أَنتُمْ هَـؤُلاَء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم [محمد:38].
أيها الأحبة في الله، ألا وإن مما يبعث على التفاؤل هذا التفاعل الإسلامي، والتعاطف الإيماني، والترابط الأخوي الشعبي والرسمي لأمتنا الإسلامية مع إخوانهم المسلمين هناك، ولقد تابع الغيورون بكل تقدير وإعجاب ما أسفرت عنه حملة التبرعات الشعبية المباركة لدعم انتفاضة الأقصى، مع ما يؤمَّل من بذل المزيد في نصرة الحق وأهله، وردع الظلم وأهله، فهنيئاً لهذه البلاد المباركة مبادراتها الإيجابية العملية البناءة، ولا غرو فلها القدح المعلَّى والدور المجلَّى في نصرة قضايا المسلمين ووقوفها معهم، لا سيما عند الكوارث؛ تشدّ أزرهم، وتضمّد جراحهم، انطلاقاً من واجبها الإسلامي في كونها قبلة المسلمين، ومحطّ أنظارهم، ولقد كانت قضية فلسطين إحدى ثوابت سياستها الخارجية، في مؤازرة شتى قضايا أمتنا الإسلامية، جعله الله في موازينها، وزادها من الخير والهدى والتوفيق بمنه وكرمه.
والدعوة موجهة إلى المسلمين جميعاً في دعم هذه الحملات الخيرية المباركة، لنكون يداً واحدة تسبق أفعالُنا أقوالَنا في نصرة الإسلام والمسلمين، والدفاع عن مقدساتنا، وعدم التفريط بأيٍّ من ثوابتنا العقدية والشرعية وحقوقنا التاريخية مهما كلفنا ذلك من ثمن، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والذلة الصغار على أعداء الإسلام والمسلمين من اليهود والوثنيين وسائر المفسدين، وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف:21]، وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ [الحج:40]، وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ وَمِن رّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْء فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ [الأنفال:60].
بارك الله لي ولكم في الوحيين، ونفعني وإياكم بهدي سيد الثقلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان للأوابين غفوراً.
|