أما بعد:
يقول سبحانه وتعالى في سورة النساء فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ [النساء:104]، و يقول رب العالمين في سورة الأعراف: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوء ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [الأعراف:167]، صدق الله العظيم.
أيها المسلمون، يا من تخطيتم حواجز الاحتلال ويا من كسرتم الحصار، لقد سبق أن تعرض العالم الإسلامي إلى عدة حروب وغزوات ومجازر ومن أبشعها وأفظعها تلك الحروب الصليبية التي امتدت قرابة مائتي سنة وشملت بلاد الشام بما فيها فلسطين وبلاد مصر ووقعت مدينة القدس أسيرة حوالي مائة عام.
هذه الحروب التي رفعت الصليب شعاراً لها، والسيد المسيح عليه السلام بريء منهم ومن أعمالهم الإجرامية ومن مجازرهم الوحشية، فقد ذكرت كتب التاريخ أن الصليبين ذبحوا من المسلمين في باحات المسجد الأقصى قرابة سبعين ألف مسلم إلى أن قيض الله عز وجل لهذه الأمة البطل الإسلامي صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه الذي هزم الصليبين في معركة حطين قرب طبريا في فلسطين، وتمكن من تحرير القدس بعد أشهر معدودات من معركة حطين بعد أن وحد صفوف المسلمين وشحذ هممهم ضد الوهن بالطاعات وتقوية الصلة بالله عز وجل.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، كما تعرضت بلاد الشام والعراق إلى غزو التتار والمغول وقتلوا وذبحوا وخربوا ودمروا وحاربوا العلم، حيث أتلفوا الآلاف من الكتب والمخطوطات العلمية في بغداد، وألقوها في نهر دجلة حتى اسود ماؤه لكثرة ما أتلفوا من الكتب، إلى أن تصدى لهم الظاهر بيبرس من سلاطين المماليك البحرية وتمكن القائد بيبرس من هزيمة التتار والمغول في معركة عين جالوت قرب مدينة بيسان في فلسطين أيضاً، وذلك بعد أن وحد صفوف المسلمين وشحذ هممهم بالأيمان وقويت صلتهم بالله سبحانه وتعالى.
أيها المسلمون، يا خير أمة أخرجت للناس، لقد تجددت المجازر الوحشية في بلاد فلسطين المقدسة المباركة في هذا العصر منذ عام ألف وتسعمائة وثمان وأربعين، حتى يومنا هذا، منها مجازر دير ياسين والدوايمة والناقورة في عام ألف وتسعمائة وثمان وأربعين، وتكشف الحفريات والتحريات عن مجازر أخرى وقعت في فلسطين عام ثمان وأربعين، ولكن لم تكن معلومة حينئذ وكذلك المجازر التي وقعت عام ستة وخمسين ومنها مجزرة كفر قاسم وقبيا والمجازر التي وقعت عام ألف وتسعمائة وسبع وستين، حيث ترك أهل فلسطين ضحية للمؤامرات الدولية الاستعمارية. (اللهم ثبت قلوبنا على الإيمان، اللهم لا تجعلنا فتنة للقوم الكافرين)
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، لا يزال شعبنا الفلسطيني المرابط في هذه الأيام يتعرض للإبادة العرقية والعنصرية من خلال القتل والتجويع والحصار وعدم إسعاف الجرحى والعقاب الجماعي بالحصار، ومن خلال حرمانه من الدواء والغذاء والماء والكهرباء، وكل ذلك على أيدي قوات الجيش الإسرائيلي المحتل الذي انتهك حرمات المساجد والكنائس في نابلس وبيت لحم وجنين بما فيها كنيسة المهد المحاصرة في بيت لحم (اللهم الطُف بنا).
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إن المجازر الوحشية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين وفي البلدة القديمة في نابلس في هذه الأيام لهي وصمة عار علي جبين مرتكبيها، وهي امتداد لمجازر صبرا وشاتيلا التي وقعت في لبنان عام 1982، وهي امتداد لمجازر قانا في جنوب لبنان أيضاً التي وقعت عام 1996 وصادفت ذكراها السادسة أمس الخميس.
ولن تنسى الأجيال الصاعدة هذه المجازر، ولن يستسلموا للحلول الممسوخة المطروحة من قبل بريطانيا وأمريكا وإسرائيل.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إن زيارة وزير خارجية أمريكا مؤخراً هي زيارة فاشلة وهزيلة كما توقعنا ولم تحقق إلا الأسوء وهي تهدف إلى امتصاص نقمة الشعوب والجماهير العربية والإسلامية التي عبرت عن سخطها لما يجري على الساحة الفلسطينية من اعتداءات غير إنسانية على الشعب الفلسطيني وممتلكاته كما عبرت الجماهير عن عدم رضاها عن الحكام في البلاد العربية والإسلامية لصمتهم وسكوتهم وتخاذلهم عن نصرة هذا الشعب الصامد المرابط المنكوب.
كما أن الهدف من زيارة وزير خارجية أمريكا هو إضفاء الشرعية للاجتياح الذي قام به الجيش الإسرائيلي لمناطق السلطة الوطنية الفلسطينية.
كما كشفت زيارة وزير الخارجية الأمريكي عن ضعف الإدارة الأمريكية وتضاربها بالتصريحات وعدم قدرتها على كبح جماح إسرائيل بعد أن أعطتها الضوء الأخضر في الاجتياح, لقد قدم وزير الخارجية الأمريكي نفسه وأهان نفسه وأهان أمريكا معه في هذه الزيارة، وإن تصريحات الرئيس الأمريكي صباح هذا اليوم لتؤكد ذلك، ومع ذلك فإن التحالف الصهيوني الصليبـي قائم حتى الآن ضد الإسلام والمسلمين، وقد بدا في أفغانستان والآن في فلسطين ثم سيكون في بلد عربي آخر، ولكن الله يمهل ولا يهمل.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إننا من على منبر المسجد الأقصى المبارك نحيي هبة إخوتنا، الشعوب العربية والإسلامية في التعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني الذي هو جزء منهم وبالتعبير عن سخطهم وغضبهم لما يجري ضد هذا الشعب من قتل ودمار.
مع التأكيد على أنه لا يجوز شرعاً حصر القضية الفلسطينية في جمع التبرعات هنا وهناك ـ مع الشكر لكل من ساهم وتبرع وجازاه الله خيراً ـ.
ونذكر الحكام والملوك والرؤساء في البلاد العربية والإسلامية أن يتقوا الله في أنفسهم وفي شعوبهم، ثم نذكرهم بواجباتهم تجاه فلسطين والقدس والأقصى وأنه لا يجوز لهم شرعاً التخلي عن مسؤولياتهم، الله عز وجل سائلهم يوم القيامة عن أعمالهم.
ونذكر الحكام بقول رسولنا الأكرم بالحديث القدسي عن الله عز وجل: ((وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره ولم ينصره)).
ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: ((ما من امرئ يخذل مسلماً في موطن ينتقص من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته )).
ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث ثالث: ((من أذل عند قوم فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة)) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فاتقوا الله أيها الحكام، فهل من مدكر؟ هل من مستجيب ؟ اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.
ادعوا الله وأنتم موقنون، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله.
|