أما بعد:
فيقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ [آل عمران:139، 140].
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، في ظل الضعف الإسلامي والعجز العربي والصمت الدولي يستمر العدوان الإسرائيلي في أسوء صورة في حربه البشعة ضد شعبنا المرابط.
هذه الحرب التي استهدفت وتستهدف الأرض والبشر والحجر والشجر وكل مقومات الحياة لإنساننا الفلسطيني منتهكاً بذلك أبسط الحقوق الإنسانية التي ضمنتها كل الشرائع السماوية والمواثيق الدولية في حماية المدنيين في ظل الاحتلال والحروب.
إن الإنسان الفلسطيني الذي يتوق للحرية ويرفض القهر والظلم والاحتلال يسعى ليموت شهيداً محفوظة كرامته، رافعاً هامته، تشده عزة الإيمان، ليطاول الجبال ويدفعه عبق الشهادة، نحو الجنان، في حياة هادئة بعيدة عن الجريمة والهوان مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ ٱلنَّبِيّينَ وَٱلصّدّيقِينَ وَٱلشُّهَدَاء وَٱلصَّـٰلِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً [النساء:69].
وإذا كان غير المؤمنين من الناس يحرصون على أية حياة في الدنيا، فإن المؤمن لا يرضى دون الحياة الكريمة في الدنيا والفوز العظيم في الآخرة، وهو في ذلك يجمع بين الحسنيين وصدق الله العظيم: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبّصُونَ [التوبة:52].
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، في الوقت الذي يتعرض فيه الشعب الفلسطيني لكافة أنواع البلاء من قتل وجرح وترويع وحصار خانق، وما تشهده المدن والقرى والمخيمات من اجتياح وتدمير للمساكن والممتلكات والمؤسسات، تقف الأنظمة الحاكمة في دنيا العروبة والإسلام موقف التخاذل مما يجري في أرض الإسراء والمعراج، أرض الرسالات، أرض المسلمين والتي ينتسب إليها المسلمون من خلال الإسلام وعقيدته السمحاء والذي يستمدون أخلاقهم وعفتهم من إيمانهم بها وانتسابهم إليها.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، خارج الأزمات يبدو حكام الشعوب الإسلامية أنهم ما زالوا حريصين على مصالحها وحقوقها ومقدراتها، يجيشون الجيوش ويصاحبونها في أيام الاستقلال المزعوم والمناسبات، يطلقون على بنادقها أسماء الصحابة الكرام والبررة العظام: عمر وسعد وخالد وصلاح الدين.
ويخال للمواطنين أن حكام الأمة يتحينون الفرصة لرفع الظلم والبطش عن شعوبنا لتسترد حقوقها المسلوبة وكرامتها المنصوبة، وسرعان ما تتكشف الحقيقة حين التراجع عن ميادين التضحية، فيتراكع المنهزمون لتجتر الشعوب الثائرة مرارة الهزيمة بقمع إرادتها وعدم تمكينها من أهدافها ولقد أصاب واصفهم:
أسـد علي وفي الحروب نعامـة فتخاء تجفل من صـفير الصافـر
ألقاب مملكة في غير موضعهـا كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
فساح الوغى يفقدهم والمروءة تندبهم
مررت على المروءة وهي تبكي فقلــت: عـلام تنتحـب الفتـاة
فقالت: كيف لا أبكـي وأهلـي كلهـم مـن دون خلق الله مـاتوا
جاء في الحديث الشريف عن كعب بن عجرة رضي الله عنه فقال: كنا جلوساً بباب النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج علينا، وقال: اسمعوا. قالوا: سمعنا، قال: ((سيكون من بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ولا يرد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه، وسيرد علي الحوض)).
فيا فوز المستغفرين استغفروا الله وأنتم موقنون في الإجابة.
|