أما بعد:
أيها المسلمون المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، صبراً صبراً فإن موعدكم النصر بإذن الله، وتذكروا أن الله عز وجل قد شرفكم بشرف المرابطة والصمود في ثغر من أهم ثغور الإسلام، وفلسطين المسلمة التي تنازل عنها قادة وحكام العرب في زمن الذل والخنوع والاستسلام وفي زمن عزّ فيه الرجال.
هنا، في هذه الرحاب الطاهرة، شعبنا الفلسطيني في أرضنا المقدسة يذبح ويقتل ويعدم على مرأى ومسمع العالم الإسلامي.
أمريكا الظالمة التي أعلنت حرباً لا هوادة فيها على الإسلام والمسلمين تعطي حكومة إسرائيل المبرر الصريح والدعم المادي والسياسي لما تقوم به من مذابح ضد شعبنا الفلسطيني تحت ستار الدفاع عن النفس ومحاربة الإرهاب.
إن هذه الحرب القذرة هي الجزء الثاني من مسلسل الحرب ضد الإسلام بعد أفغانستان، وكذلك خطط أن تكون الفصل الثالث بعد حرب العراق، لكن اختلاط الأوراق والأحداث على الساحة الفلسطينية في أعقاب زيارة المبعوث الأمريكي وزير الدفاع الأمريكي إلى العواصم العربية وفي أعقاب قرار مؤتمر القمة العربية، وتبني الزعماء العرب بما يسمى بمبادرة السلام السعودية، كل ذلك قد أحرج الإدارة الأمريكية التي كانت تطمع بأن تحصل على الضوء الأخضر لضرب العراق، فكانت تطمع بداية أن تمهد لإيجاد حل للقضية الفلسطينية وفق الرؤيا الإسرائيلية، ويؤدي إلى استمرار الوضع في هدوء, غير أن النهاية كانت بما لا يشتهون.
فإسرائيل تثبت من خلال عدوانها أنها لا تريد السلام، إنما استسلام الشعب الفلسطيني أمام رغباتها التوسعية.
أيها المؤمنون، إن الفصل التالي من العدوان الأمريكي الإسرائيلي على الإسلام سيكون العراق بعد فلسطين ثم سوريا ولبنان وإيران، طالما أن الأمة في سبات عميق تعجز عن حشد ما لديها من طاقات عسكرية واقتصادية ومادية لخدمة القضايا الإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وتحرير المقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك الذي يقوم الإسرائيليون بمنع المصلين من الوصول إليه لأداء صلاة الجمعة في هذا اليوم.
ولعل اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي المدججة بالسلاح والهراوات لساحات المسجد الأقصى عقب صلاة يوم الجمعة الماضي دليل على ذلك، وإن انتهاك المقدسات يدل دلالة واضحة أن سلطات الاحتلال لا ترعى حرمات البشرية ولا الأماكن المقدسة.
إن الأيام القادمة ستكشف للعالم أجمع بشاعة العدوان الإسرائيلي عندما تتبين كل ضحايا العدوان، إن كشف التعتيم الإعلامي على ما يجري في المدن الفلسطينية سيظهر مجازر أكثر بشاعة ووحشية من مجازر صبرا وشاتيلا.
أيها المسلمون، لماذا لا يتم حتى الآن قطع العلاقات مع إسرائيل، ولو من باب التعاطف الرمزي مع شعبنا المرابط الصامد؟؟؟.
ومرة أخرى، صبراً يا أهلنا، يا من أذهلتم العالم بصمودكم وتضحياتكم، سيكتب لكم النصر بإذن الله.
أيها المؤمنون، نحن أمة عقيدة، وعقيدتنا قول: لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ولا قوي ولا مهيمن ولا عزيز إلا الله تعالى، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، رجال حملوا هذه العقيدة لن يهزموا أبداً.
تذكروا أيها المؤمنون أن الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاس رضي الله عنه عندما ذهب بأمر من أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ليحارب في جبهة خارجية وتحرك لواء الإسلام وإذا بأمير المؤمنين يدعوهم قائلاً: (يا سعد أوصيك ومن معك بتقوى الله، فإننا إذا عصينا الله تساوينا مع العدو في المعصية، وفاق علينا في العدة والعدد، أنا لا اخشي على الجيش من عدوه وإنما أخشى عليه من ذنوبه).
كلمات قالها الأمير فأين نحن منها في هذه الأيام، وتحرك الجيش على بركة الله، لم يكن هناك أقلام تبعث الرعب في القلوب لما كان هناك مؤمنون أوفياء أولياء ويقول تعالى: كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ [البقرة:249].
عندما كان المؤمنون حقاً متمسكين بعقيدتهم، جنوداً عرفوا الله في الرخاء فعرفهم بالشدة، كان النصر حليف المؤمنين، عندما كانوا مؤمنين حقاً مناصرين لعقيدتهم.
فاتقوا الله يا عباد الله، اتقوا الله مهما كان، اتقوا فقد طال بنا زمن العصيان، اتقوا الله، لا تولوا ووجوهكم شطر الشرق والمغرب، إنما ولوا وجوهكم شطر المسجد الحرام، الله أقوى من أمريكا وأقوى من الصين وروسيا، أقوى من كل من في الأرض ومن في السماء، إنما حدث ذلك لأمتنا حتى تعود إلى الله تبارك وتعالى وتقيم دولة الإسلام خفاقة عالية في عنان السماء، لأننا قبل ذلك نسينا الله فنسيَنا، أما الذين قدموا أنفسهم لله فأرواحهم في حواصل طير خضر تسعى في الجنة أنّى تشاء، هم في جنة من آمنوا بالله.
مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً [الأحزاب:23].
تذكروا أيها المؤمنون جيداً، إذا كان سيطر عليهم الخوف فلن ينتصروا علينا، وسوف يخرجون من ديارنا غير مأسوف عليهم.
فقد ذكر في الحديث الصحيح عن الصحابي الجليل عبد الله بن أبي أوفى _ رضي الله عنهما _ أن الرسول صلى الله عليه وسلم في ماضي أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتي غابت الشمس ثم قام في الناس فقال: ((أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف))، ثم قال: ((اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم)).
|