أما بعد، فيا عباد الله اتقوا الله تعالى.
كثيرة هي التساؤلات.. ونحن نرى ما تتقلب فيه الأمة من نكبات خلال سنوات، قرن مضى بل أكثر .. نذهب ونعود .. ونتكلم ونصمت .. لكنما هو حديث واحد .. وهي قضية القضايا .. قضية تجمعت فيها كل المصائب .. قضية أرتنا كلَّ عيوبنا ..ووضحت خللنا وتناقضنا .. قضية مصيرية ارتبطت بها كل القضايا .. نشأت قضايا المسلمين بعدها على شاكلتها .. رأينا فيها دماءنا التي أهدرت .. رأينا فيها كرمتنا التي مرغت .. رأينا بيوتنا تحرق وتهدم .. وأشجارنا تجتث .. رأينا نساءنا تهان كرامتهن .. إنها الأرض المقدسة .. قبلة الأمة الأولى وبوابة السماء ومهد الأنبياء وميراث الأجداد .. مسؤولية الأحفاد .. معراج محمدي .. وعهد عمري .. إلى مسجدها تشد الرحال ومن قبله تشد الأبدان والنفوس والأفئدة، فتحها المسلمون بعد وفاة الرسول بست سنوات، وحكموه قرون طويلة ثم احتله الصليبيون تسعين عاماً فأخرجهم صلاح الدين رحمه الله .. وإن احتله اليهود هذه الأيام فإنهم لن يخرجوا إلا بأمثال عمر وصلاح .. إنها فلسطين المشرفة .. وقدسها المقدسة.
ونمنا عن القدس حتى تحدر دمع الرجولة منا دمـــاء
وأغضى عن القدس أبطالنا فزلزل شارون منها الإبـاء
فــلا عمر يستشير الإخاء ولا خالد أسد الكبريـــاء
ولا من صلاح يقينا البـلاء ويحمي حمى موطن الأنبياء
أيها الأحبة، حديثنا يتجدد عن فلسطين .. فلسطين التي يدمي جرحها كل يوم، فماذا فعلنا لها، ماذا قدمنا من تضحيات .. وماذا حققنا من التنازلات .. وهل أدينا أقل الواجبات ؟! أمام صيحات أمهاتنا وأخواتنا المكلومات ؟! نداءات استغاثة يقدمها إخواننا كلَّ يوم في أرض الإسراء والمعراج، قدموا دماءهم وبذلوا أرواحهم وهدمت منازلهم وحوصروا في ديارهم ؟! فهل قمنا بأبسط أدوار النصرة لهم؟ بل هل بحثنا في أسباب خسائرنا وهواننا ونحن أعز الأمم ؟! هل أزكى هزائمنا عوجُُ خلقي ؟! أو خلل سياسي ؟ أم غش ثقافي ؟! أو انحراف عقدي أم جبن وتجاهل يؤخر يوم النصر ؟! تأتينا قضية فلسطين الدامية بعشرات الضحايا هذه الأيام لتكون محطة امتحان وكشفاً لقوة المسلمين وغيرتهم على دينهم وأوطانهم وحرماتهم.
لقد أبانت لنا قضية فلسطين وبعض قضايانا الأخرى مثل الشيشان وأفغانستان مقدار ما استودعت هذه الأمة من خير في شبابها وشيوخها ونسائها حين ترى أولئك الأبطال الذين وقفوا في وجه أعدائهم لا سيما الصهاينة يقاومونهم بالحجر أمام أسلحتهم ومجنزراتهم .. يسارعون إلى ملاقاة ربهم، دماؤهم على ثيابهم وأبدانهم لم ترفع، لتبقى وساماً فوق صدورهم، يقدمون أنفسهم شهداء في سبيل الله لقتل الصهاينة اليهود في محلاتهم وسيارتهم .. وفلسطين التي أبانت لنا هذه العزة أوضحت مقدار خذلاننا وخوارنا وكثير منا يرى ما يقع فلا نحير جواباً .. ولا يحرك بعضنا ساكنا .. تقع أمامهم الحوداث وتدلهم الخطوب فلا يألمون لمتألم .. ولا يتوجعون لمستصرخ .. ولا يحنون لبائس .. بل أعظم من كل ذلك أنه في ذات الوقت الذي يذبح فيه المسلمون ترى كثيراً منا لاهين عن مصابهم بإقامة مهرجانات سياحية تسوق للعهر والفجور .. أو دورات وبطولات رياضية.. أو رقص على جراح الأمة بحفلات غنائية.. فإلى الله المشتكى، وبه وحده المرتجى لإغاثة هؤلاء المنكوبين.
أيها الإخوة المؤمنون، لقد أتى على مسلمي فلسطين قرابة قرن من الزمن مرابطين في ثغور الإباء .. مدافعين بأموالهم وأنفسهم عن واسطة العقد في بلاد الشام .. عن البلاد التي كتبت تاريخها بدماء الصحابة، وصورت بعد فضل الله بسيوفهم. تسلَّمها أبو حفص عمر ثم تتابعت حكومات الإسلام في أرضها وتعالت رايات الإيمان في ساحاتها، حاول الصليبيون كسرها فجاسوا خلال الديار، لكن المسلمين وقفوا لهم بالمرصاد .. وقفوا لهم حين كان العلماء يحدثونهم عن الجهاد ويحثونهم عليه .. ويوضحون لهم كيف يفتح الجهاد أبواب الجنان وكيف يوصد أبواب المذلة والهوان .. ومقدار ما يضخ من دماء الكرامة والعزة في الجسد الإسلامي فيطيرون شوقاً إلى الجنان ولسان حالهم.
يسـتعذبون المـوت قبـل لقائـه وهم إذا حمى الوطيس تدفقوا
خمّوا المصاحف للصدور وأسرعوا ووجوههم فيها الشهادة تشرق
ثم ترى الأسخياء من الأغنياء وقفوا وراء العلماء ليسخروا المال في حماية العقيدة متعبدين بأموالهم بعد عون الله تعالى سبل العزة وطرائق الحكمة، أما الحكام فكانوا مجرة من المناقب وكواكب من المكرمات كان من بدورها عماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي الذين وجدوا جهودهم وغرسوا في الأمة روح الجهاد والمجاهدة فوقفوا درعاً أمام الصليبين حتى أخرجوهم.
وتمر الأيام .. وتتعاقب السنون .. ليتمالأ الكفر مرة أخرى .. وتآمر الصليبيون وحملة التلمود .. لوضع فلسطين في قبضة اليهود في جريمة من أعظم جرائم العصر، بإخراج شعب من أرضه وإقامة شعب آخر مكانه ويستمر الصهاينة اليهود في القتل والإيذاء إمعاناً في النكاية في إخواننا هناك، أسالوا الدماء .. وأزهقوا الأرواح، ودنسوا المقدسات .. وبعثوا المؤامرات .. اعتداءات وانتهاكات في صور مرعبة تجعل من حق المظلوم أن يستخدم كل سلاح لحماية نفسه. عدو صهيوني في أرضنا المباركة في فلسطين يقاتله أطفال وشباب أحداث ليس لهم حيله إلا العصي والحجارة والصراخ، ليدفعوا عن أنفسهم ومقدساتهم ومنازلهم وحرماتهم ومدنهم، قدموا لنا أروع الأمثلة بعمليات استشهادية لا زلنا نراها ونسمع عنها تجلب لنا ولهم العزة والكرامة.
ويعزم أبناء فلسطين على التسابق إلى قتال اليهود والإثخان فيهم حين علموا حقاً أن لا مقاومة للصهاينة إلا بالقتال وأن قذيفة من حديد أو حجر تساوي آلاف القذائف من الكلمات .. وبدأت قوائم القتلى تتصاعد في أوساط اليهود .. أخذ الأمن ينحسر.. والهجرة اليهودية إلى فلسطين تتراجع، بل هرب منها كثير ممن أتوا إليها ينشدون السلام في أرض الميعاد .. واقتصادياتهم إلى مزيد من الانهيار .. وتذوق المسلمون حلاوة النصر ورحيق الكرامة بدلاً من ذل الهزيمة وعفن السلام المزعوم .. ولكن ما حال إخوانهم من العرب والمسلمين ..هل وقفوا درعاً لحمايتهم وكانوا سبباً لنصرتهم .. هل أدوا واجبهم ؟! لقد رأينا غفلة وتغافلاً .. وصمتاً مريباً مرة وعجزاً مرات ومرات إلا عن بعض المساعدات التي تُبعث من هنا وهناك، ويكون فيها خير ودعم على قلتها، خيرُُ ودعم ُُ للمرابطين هناك، لا سيما ما رأينا من مساعدات مالية وتفاعل عظيم خرج من هذه البلاد ساهم فيه شعبها وقادتها.
وكان ذلك الدعم من شعوب بلاد المسلمين على قلته سبباً في إذكاء روح الجهاد والصبر والمجاهدة لإخواننا هناك، فامتدت الانتفاضة الأقصى المباركة أشهراً، كانت على اليهود ناراً وجحيماً، وبدأ شارون وجيشه وحكومته يفرقون، لكن أطواق النجاة امتدت لهم من دول تدعي ظلماً وجوراً أنها ترعى السلام وتحارب التطرف والإرهاب، يدعون التسامح ويزعمون الديمقراطية، ويدعون الاهتمام بحقوق الإنسان في قرن التحضر والمدينة، وقرن المواثيق الدولية، فأين كلامهم هذا عن دماء تراق .. وحصد للأرواح من أماكن العبادة .. وقتل للأطفال في مهدهم .. ومع أمهاتهم بعد مدارسهم .. وحرب من الأرض والبحر والسماء .. يتحدثون عن السلام بألسنتهم ويباشرون الحرب في خططهم واستعداداتهم وأفعالهم .. أفعال شنيعة وتجاوزات رهيبة، لا تثير لدى تلك المجالس والهيئات أي تحرك منصف لم يسأل اليهود عن جريمة ارتكبوها، ولم تحجب عنهم مساعدات طلبوها، ولم يتأخر عنهم مدد سألوه ،و لم يوجه إليهم لوم ولا عتاب لجرم اقترفوه .. بل يتوافد رؤساء تلك الدول ونوابهم ومندوبوهم لتأييدهم، وبعث العزاء في قتلاهم .. أما إخوننا في فلسطين فيقتل منهم خمسون قتيلاً في يوم واحد فقط، والآسرى بالآلاف، وهدم للبيوت، وهم لا بواكي لهم .. فأين العدل؟ وأين الإنصاف ؟ وأين حقوق الإنسان من شعب يعيش منذ سبعين عاماً في احتلال وفي مخيمات لجوء، تغلق مدارسهم ومتاجرهم .. تحاصر مدنهم ومنازلهم .. عدو يقتل من يشاء ويعتقل من يشاء، ينشىء المستوطنات ويقيم الحواجز ويغلق المدن ثم يزعم بعد ذلك أنه يريد السلام.
أيها المؤمنون، إن كل هذه التناقضات ليست غريبة على عدوٍ تكالب على الإسلام والمسلمين منذ بزوغ فجر دعوته .. فاليهود والنصارى لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم ونسيرَ في ركابهم ونخضع لقراراتهم كلُّ ذلك لا يُستغرب على من أضله الله وغضب عليه ولعنه، لكن المستغرب ـ إخوتي ـ حين ينبري من رجالات الإسلام وقياداته من يدعو إلى السلام ويبادر إليه إجهاضاً لإنتفاضة الأقصى المباركة وإنقاذاً لوضع الصهاينة الحرج في فلسطين، وهم قادة الناس وموجهوهم، وبعضهم بعيد كل البعد عن القضية، فأين هم عن علماء ذكرهم لنا التاريخ، سطر لنا أمجادهم، قدموا السنان قبل اللسان، والسيف قبل القلم، فكانوا ملجاً للناس بعد الله عندما تدلهم الأزمات .. أين دور التجار وأصحاب الأموال من دعم قضية فلسطين واقد امتلأت أرصدتهم والله سائلهم عن أبسط أدوار المناصرة لإخوانهم، وقد قدروا على ذلك ثم قصروا، أين هم من كفالة أسر أولئك الأبطال الذين قدموا أرواحهم في تلك الأعمال الإستشهادية والتي تكفل بألف ريال شهرياً فقط، وأين هم من إقامة حلق العلم وتحفيظ القرآن الكريم هناك، وأين هم من بناء البيوت لمن تهدم .. أين دور المثقفين والكتاب في توضيح القضية عبر صحفنا وكتبنا .. أين دور كثير من قنواتنا الفضائية في نقل أخبار إخواننا وليعيش المسلمون مصاب أمتهم بدلاً من مسلسلات العهر والفجور والأغاني المائعة بصورها الفاضحة التي تبث ليل نهار ومسابقات القمار الهاتفية المرئية والمسموعة ذات المبالغ الهائلة .. أين دوري ودورك من النصرة في بيوتنا ومقرات أعمالنا ومساجدنا وفي قنوتنا ودعائنا، والله إنه لا عذر لأحد منا اليوم..يرى تلك المصائب ثم لا يحدد لنفسه دوراً.
أيها المؤمنون، إننا نجب أن نعلم أن من أسباب هزيمتنا أمام اليهود أن الأمة لم تمكن أصلاً من مواجهة اليهود، ولم يمكن كثير من الذين تسيل دموعهم شوقاً إلى الجهاد في سبيل الله، لم يمكنوا من إظهار حقيقة جبن اليهود وأعوانهم كما وصفهم الله تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ [الحشر:14]، وكذلك أنهم أحرص الناس على الحياة وكما قال عنهم: لاَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ [الحشر:14]، لابد لأمتنا أن تعلم أن هزائمنا مع اليهود كانت هزائم أنظمة لم ترفع راية الإسلام، بل كل راية رفعتها إلا الإسلام، فكانت هزائم لرايات الجاهلية وإذا عُلم السبب بطل العجب.
إننا بحاجة إلى مراجعة للوضع وإصلاح للحال، فكيف يكون النصر ونحن نرى الجبن في النفوس واستجداء الحلول وتعليقها على دول صليبية كأميركا مثلاً، وهي لم تفتأ أو تفتر عن دعم اليهود ودولتهم مذ وجدوا، إنها انفعالية في الإرادة وبحث عن المصالح الشخصية .. وغرام بالمتع الرخيصة في أدق الساعات وأحلك الأيام وأصبح كثير من قيادات الأمة ومناضليها المزعومين مظلمة الروح، جوفاء القلب، ضعيفة اليقين، قليلة الدين نافذة الصبر والجلد، تبيع الحق والأمة بمنافع شخصية سلطوية .. سلكوا في قضية فلسطين مسالك المبادرات والمنظمات والتجمعات التي تتأرجح بين يمين ويسار بشعارات زائفة من العلمانية والوطنية والقومية والبعثية .. إجتماعاتهم وقراراتهم تعد ولا تنجز، وتقول ولا تفعل، وتشجب ولاتقاوم , قلوب شتى ووجوه متباينة , فصموا العرى بعد توثيقها، ونقضوا الأيمان بعد توكيدها، وفرقوا الكلمة بعد توحيدها.
وفي قضية فلسطين تُرك الدين الذي يحلها .. وأصبحت الآمال معلقة على دولة أمريكا راعية السلام المزعومة والتي ثبت لدينا أنها لاتوالي إلا اليهود، وثبت نقضها للمواثيق، وكيف تحارب وتخون الصديق، وكيف كانت ولازالت الهجمات الشرسة على بلادنا قادة وشعباً وتعليماً وخلقاً ..وكيف تحاصر شعب العراق بعقوبا ت غبية أماتت حوالي مليون طفل عراقي! وكيف تهاجم جمعياتنا وجامعاتنا وتقتحم تلك المكاتب وتهجم عليها وهي تجمد الأرصدة الخيرية، ويقتلون أبناءنا ثم يأتوننا بدعوى الحوار والحرية.
إخوتي الكرام، إن ما يسمى مشروع السلام إنما هو فرصة لإنقاذ الصهاينة اليهود بعد أن عجزت عن المقاومة الباسلة لنشر تجارتهم في دول المنطقة وكذلك أخلاقهم عبر التطبيع .. ومتى كان للعرب خيار حتى يقال: إن السلام هو خيارنا الوحيد.
إن اليهود حين أخذوا دينهم بجدية واستقوا من توراتهم وتلمودهم تعاليمهم، فلابد أن نعلم أن كل ذلك يشربهم حقدا أزرقاً ينفخ فيه أحبار السوء بالحقد على المسلمين .. إنها طبائع الملعونين من أسلافهم .. قسوة في القلب، كالحجارة أو أشد، وأكل سحت، وفساد معتقد، وبغي في الأرض، وتطاول على الخلق ورب الخلق، هذا سبيلهم في الزعزعة والهدم، أما سبيلهم في المفاوضات والمحادثات والمبادرات فسبيل المخادعة والتضليل والالتفاف على التوصيات والقرارات، وإذا تأزمت الأمور وخيف من إفلات الزمام وكثر القتل فيهم تراسل المندوبون ورعاة السلام المزعومين. فأي سلام هذا ؟ أي سلام يكون بعد أكثر من ألف وثلاثمائة قتيل خلال سبعة عشر شهراً أكثرهم من الأطفال والنساء بلا ذنب، أي سلام بعد أكثر من عشرة آلاف جريح، نصفهم معاق طول حياته، أي سلام بعد هدم بيوت المسلمين فوق أهلها .. أي سلام نتحدث عنه وهم يتوغلون ليل نهار في مدننا ومخيماتنا .. وينسون مقدساتنا، أي سلام نبيع فيه أرضنا المباركة وقدسنا المعظم.
هـذا سلام الخانعين وعندنـا شجر الشهادة كل يـوم يورق
أين السلام وما تزال مساجدي في كل يوم تستباح وتحـرق
أين السـلام وهذه أرواحنـا من دون ذنب كل يوم تزهـق
أين السلام وأمتـي مغلـولةُ ودمي على كل الخناجر يهرق
أين السلام وهاهـمُ أطفالنـا قبل الفطام تكسروا وتـمزقوا
شدوا الوثاق أيا رجال عقيدتي فالنصر آت والرجـاء محقق
لا يرهبنكم الظلام وجيشــه فالسيف أولى بالظـلام وأخلقُ
أمة محمد، أمة الإسلام وأمة الجهاد، إن أمتنا لن تعجز بإذن الله أن تجد لنفسها عوناً ومخرجاً بتوفيق الله من أزمتها .. والقدس والأرض المباركة أغلى وأثمن وأكبر من أن تترك لمفاوضات استسلام أو المساوات، إنها رسالة نبعثها إلى قاداتنا وولاة أمور المسلمين قبيل قمتهم، نسأل الله أن يؤلف فيما بينهم وأن يجمع على الحق كلمتهم، وأن ييسرهم لنصر الإسلام والمسلمين، رسالة نبلغهم فيها أن الحق مرتبط بهم وأن الأمانة العظمى معلقة في رقابهم في استنهاض أمتنا وتحرير أرضنا وتطهير مقدساتنا، والأمر واضح، والتاريخ شاهد وكاتب، نعلمهم أن قضيتنا في القدس لا تنفصل عن الإسلام، فليست أرضاً فلسطينية أو عربية فحسب، بل إنها قبل ذلك وبعده أرض المسلمين جميعاً، تفدى بالأرواح والمهج، اشتراها المسلمون بدمائهم كما قالها قبلُ السلطان عبد الحميد رحمه الله.
وإذا ضعف الإسلام في نفوس الأتباع، ضعفت معه روابط الحقوق، واستنقاذ المغتصبات في أي مكان وعلى أي أرض إلا حين يعتصمون بحبل الله، ويكونون جميعاً ولا يتفرقون، يصطفون عباداً لله إخوانا يجمعهم نداء واحد للجهاد، لا نداء غيره: يا مسلم يا عبد الله.
وإن تفوق اليهود سيظل خنجراً في خاصرة الشاردين وجنوبهم حتى يؤوبوا إلى القرآن شرعةً ومنهاجاً، فإذا عاد الشاردون إلى الحق عاد اليهود بإذن الله إلى ذلتهم ومسكنتهم المضروبة عليهم، وينقطع بهم حبل الناس، ويبطل السحر والساحر، ويأتي وعد الحق فلا ينفع اليهودي شيء، ولا ينصره اتقاء خلف حصا ولا يقيه حجر، ولا يحميه سلاح ولا شجر، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلون، حتى يختبأ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الشجر والحجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود)) متفق عليه.
هذا هو النداء، يا مسلم .. يا عبد الله، لا اشتراكية ولا بعثية ولا قومية ولا ناصرية ولا رافضية.
وليستيقن الجاهلون أنهم لن يرو ا نصراً ولن يحفظوا أرضاً ما داموا مصرين على الألقاب الضالة، ومناهج الإلحاد الصارفة، وسلام الشجعان الهزيل، إن هذا الركام كله نبتُ الشيطان، وغرس الكفار، وهذا هو الذي يحجب نصر الله ويمد في حبال اليهود وحمايتهم، وكأنه الغرقد شجُر اليهود .. يجب أن نعلم أن الكفاح مع تراكم العقبات وكثرة التضحيات أعزُّ وأجملُّ من القعود والتخلف من أجل راحة ذليلة ونسب أرض ضئيلة لا تليق بهمم الرجال هَـٰذَا بَيَانٌ لّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لّلْمُتَّقِينَ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَلِيُمَحّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَـٰفِرِينَ [آل عمران:138-141].
اللهم ربنا عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك اللهم لا يرد أمرك ولا يهزم جندك سبحانك وبحمدك .. اللهم انصر جندك وأيدهم في فلسطين وأفغانستان وفي كشمير والفلبين والشيشان .. اللهم بارك في حجارتهم وجعلها سجيلاً على رؤوس اليهود الغاصبين ..اللهم اجعل قتلهم لليهود إبادة واجعل جهادهم عبادة .. واجعل موتهم شهادة ..اللهم سدد رميهم وكن لهم ولا تكن عليهم واحفظ دينهم وعقيدتهم ودماءهم، اللهم وطهر المقدسات من دنس اليهود الحاقدين والصليبين المتآمرين ومؤامرات المنافقين المتخاذلين .. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
|