أما بعد، فيا عباد الله اتقوا الله حق التقوى.
معاشر المسلمين، تقدمت أسس ومعايير في اختيار الزوج لزوجته تنبغي مراعاتها من قبل الراغبين في الزواج وذويهم، وثمة أسس نوصي بها المرأة ووليها وكلَّ من له علاقة في شأن المرأة، أن تكون لهم معايير أيضاً في قبول المتقدم للزواج أو رده.
وقبل الدخول فيها لا بد من التنبيه إلى أمر مهم، هو أن المرأة هي الطرف الأضعف في باب النكاح، وذلك لأمور أربعة:
أحدها: أن المرأة تعتبر أسيرة عند الرجل بدليل قوله : ((َاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ)) رواه الترمذي وغيره، ومعنى عوان عندكم أي: أسيرات.
ثانياً:ولأن القوامة بيد الرجل لقوله تعالى: ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاء بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ [النساء: 34].
ثالثاً:ولأن المرأة مرهفة المشاعر والأحاسيس فهي لا تحتمل رجلاً دنيئاً في الصفات والأخلاق، يؤذيها في نفسها ومشاعرها ويلوث فضاء بيتها بالبذيء من العبارات والساقط من القول.
رابعاً:ولأن المرأة لا تستطيع أن تبين حجتها في الخصومة، فقد يظلمها ولا تستطيع أن تجابهه كما قال تعالى: أَوَمَن يُنَشَّأُ فِى ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِى ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18] أي لا يستطيع أن يظهر حجته في الخصومة.
لهذه الأمور الأربعة التي تدل على ضعف المرأة ينبغي لها ووليها الاهتمام البالغ بأمر قبول الخاطب أو رده.
معاشر المسلمين، فمن معايير اختيار الزوجة لزوجها:
أولاً: الدين فينبغي أن يكون صاحب ديانة، والمراد بذلك الزيادة على الواجبات، لا ما يدخله في الدين فقط، قال تعالى: وَأَنْكِحُواْ ٱلايَـٰمَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32] وقَالَ رَسُولُ الهدى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)) رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم بسند حسن
فقد أمر النبي في هذا الحديث بتزويج من كان مَرْضِي الدين والخُلُقُ، وهذا يدل على أنه من كان فاسد الدين سيئ الخلق لا ينبغي تزويجه، ففيه حث على اختيار الأزواج، واعتبار المؤهلات الشرعية، وكثير من الأولياء لا يُعِير هذا الجانب اهتماما عند تزويج موليته، فلا يختار لها الرجل الذي أرشد إليه الرسول ، وإنما يختار لها الرجل الذي يهواه هو، حتى ولو كان فاسدًا في دينه، سيئًا في خلقه، لا مصلحة للمرأة من الزواج به، فكم سمعنا من مشاكل النساء اللاتي وقعن في سوء الاختيار، هذه تقول: إنها بليت بزوج لا يصلي، وهذه تقول: إن زوجها يشرب المسكرات ويتعاطى المخدرات، وهذه تقول: أن زوجها أمرها بالسفور وإلقاء الحجاب، وهذه تقول: إن زوجها يستمتع بها في غير ما أحل الله، يجامعها في نهار رمضان، أو يجامعها وهي حائض، أو في غير المحل الذي أباح الله. وهذه تقول: إن زوجها لا يبيت عندها لأنه يسهر مع الفسقة، والمسؤول عن ذلك هو وليها الذي أساء الاختيار لها، وخان أمانته عليها.
ومن المعلوم أيها الإخوة أن اختيار الولي للزوج الصالح هو اختيارٌ لصلاح البنت وأولادها، واختياره للزوج الفاسد هو اختيار أيضاً لفساد البنت وأولادها ؛ ذلك أن تأثير الزوج كبير، وهو مؤثر في تنشئة ذريته على الصلاح أو الفساد، وتنشئة الفاسد لذريته على الفساد أمر معهود كما قال تعالى: إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:27] إذا علمت ذلك جيداً أيها الولي فاعلم أنك مسؤول أيضًا عن فساد موليتك وفساد ذريتها بسبب هذا الزوج الذي غششتها به وأنت تعلم أن الفاسد لا يلد إلا فاسداً في الأغلب، إلا أن يشاء الله رب العالمين.
معاشر المسلمين، ومن معايير اختيار الزوج أيضاً، الخلق الطيب كما قال تعالى: وَٱلطَّيّبَـٰتُ لِلطَّيّبِينَ [النور: 26] وأوصى النبي بقبول من اجتمعت فيه صفتان هما:الدينُ والخلقُ فقال: ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)) ولما استشير النبي في ثلاثة خُطاب ذم أحدهم بأنه ((ضراب للنساء لا يضع العصا عن عاتقه)) متفق عليه.
وإذا تفاوت الرجال في الصفات فلا شك أن من أقربهم منزلة إلى قلوب الناس مرضي الدين والخلق كما أنه هو الأقرب منزلاً يوم القيامة من النبي عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقًا)).رواه الترمذي وغيره
إخوة الإسلام، ألا وإن الخلق الطيب هو من أبرز معالم الدين، ولذا قرنه النبي به فقال: ((من ترضون دينه وخلقه)) وحصر النبي البر في حسن الخلق فقال: ((البر حسن الخلق)) رواه مسلم، ويتبين بذلك أن الخلق الحسن من بدهيات الدين القويم وأساسياته، ولم نفرد الحديث عن الخلق الطيب مع دخوله في الدين دخولاً أولياً إلا لأن النبي أفرده فقال: ((من ترضون دينه وخلقه)) وذلك احتياطاً منه للنساء من الأنذال من الرجال الذين جبلوا على سوء الخلق وسيء الطباع، فيؤذون المرأة في نفسها بالضرب في الوجه وتقبيح صورتها ونحو ذلك مما يؤذي المرأة جداً.
وأمر آخر في إفراد الخلق عن الدين هو أن مفهوماً سيئاً منتشراً يقضي بأن صاحبَ الدين هو صاحبُ الخلق مباشرة دون سؤال عن خلقه، والحقيقة أنه لا تلازم بين الدين والخلق عند البعض من الناس في هذا الزمان، فكان لزاماً على كل ولي أن يسأل عن توفر الشرطين وهما الدين والخلق ولا يغني أحدهما عن الآخر خاصة في هذا الزمن الذي انتشر فيه الجهل وامتلأ بالمتناقضات.
معاشر المسلمين، ومن معايير اختيار الزوج أيضاً، حسن الهيئة في الرجل كما طلب الرجل الجمال في المرأة، وهذا أمر أيضاً جبلت النساء عليه، وأمر الله الأزواج بمراعاته وإليه الإشارة في قوله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ [البقرة: 228] قال ابن عباس إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة لأن الله يقول وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
ومما يدل على أن النساء أيضاً فطرن على الاهتمام بمظهر الرجال ما ورد في قصة حبيبة بنت سهل عندما اختلعت من زوجها ثابت بن قيس .
فجاءت إلى النبي فقالت يا رسول الله لا يجتمع رأسي ورأسه أبداً؛ إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدَّة (يعني رجال) إذ هو أشدهم سواداً وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهًا، وفي رواية (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَوْلا مَخَافَةُ اللَّهِ إِذَا دَخَلَ عَلَيَّ لَبَصَقْتُ فِي وَجْهِهِ).
ولكن الأمر الذي يجدر التنبيه عليه هنا هو أن المعيار عند النساء يختلف عنه عند الرجال، فالمطلوب عندهم حسن المظهر من تفوقه عليها في الطول والجسم ونحو ذلك وليس المطلوب عندهم الجمال والوسامة ونحو ذلك.
معاشر المسلمين، ومن معايير اختيار الزوج أيضاً،
أن تأخذ المرأة الرجل الذي نظرت إليه لأن ذلك أقرب للنفوس وأحرى في التوافق كما قال النبي : ((فهو أجدر أن يؤدم بينكما)) وتكون الرؤية بنفس الضوابط المتقدمة في نظر الرجل إلى مخطوبته.
ومن المعايير أيضاً، القدرة على تحقيق النفقة عليها وحوائجها، فالقدرة المالية معتبرة شرعاً، ولذلك فإن النبي لما استشارته فاطمة بنت قيس في ثلاثة نفر تقدموا لها عاب أحدهم بأنه ((صعلوك لا مال له)) متفق عليه.
ومع اعتبار القدرة المالية في النكاح إلا أنها أيضاً لا تكون مبرراً في ترك النكاح إلا عند العجز التام كما هي الحال في بعض أصحاب النبي الذين كانوا لا يجدون شيئاً من متاع الدنيا فلم يجد أحدهم خاتماً من الحديد فزوجه النبي على ما معه من القرآن كما في الصحيحين من حديث سهل بن سعد ، وزوج آخر بنعلين فعن عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فَزَارَةَ تَزَوَّجَتْ عَلَى نَعْلَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَرَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ؟)) قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجَازَهُ النبي رواه الترمذي وغيره
معاشر المسلمين، ومن معايير اختيار الزوج أيضاً: أن يكون قادراً على الإنجاب، فإذا علم أن الرجل لا يولد له، فلا تتزوجه المرأة التي تنجب لأن في هذا تفويت لوصية النبي في المكاثرة بأمته يوم القيامة، ولما فيه من الإضرار بالمرأة وفطرتها، فكل إنسان مجبول على حب الولد.
عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ : قَالَ إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ إِلَّا أَنَّهَا لا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَنَهَاهُ فَقَالَ: ((تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأمم يوم القيامة)) رواه أبو داود والنسائي.
وهذا في حق الرجال الذين بمقدورهم الزواج من ثانية وثالثة ورابعة إذا كانت زوجاتهم لا ينجبن فكيف بالمرأة التي لا تعدد، وليس لها خيارٌ آخر إلا طلب الطلاق، فالمرأة في هذا الشرط من باب أولى لأنه ليس لها طريق إلى الولد إلا بأبغض الحلال إلى الله وهو الطلاق.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم
|