الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، إن من عبادة المسلم أن يتقرب، يؤدي الفرض ويتقرب إلى الله بأداء النفل بعد أداء الفرض؛ لأنه إذا وفِّق لأداء الفرائض علم أنها نعمة من الله عليه أن أعانه على أداء ما افترض عليه، فيشكر الله على هذه النعمة، ويأتي بنوافل العبادة شكراً لله على توفيقه لأداء الفرائض، وكلما أدى عبادةً شكر الله عليها، فهو لا يزال في شكر بقلبه ولسانه وعمله.
أيها المسلمون، لا شك أن شهر رمضان صيامه أحد أركان الإسلام، وهذا أمر مجمع عليه، ولا شك أيضاً أنه لا يجب علينا صيام غير رمضان، ما أوجب الله علينا صياما ابتداءً إلا شهر رمضان بإجماع المسلمين، ولو اعتقد أحد أنه يجب صوم يوم ابتداءً بلا سبب كرمضان لقيل: إن هذا ضال خارج من الإسلام؛ لأن الله افترض علينا فقط صيام رمضان، وأما ما سوى الصيام الفرض فإنه تطوع ونافلة يتقرب بها العبد إلى ربه.
أيها المسلم، وفقك الله فصُمت رمضان كاملاً، وتلوت ما يسر الله لك من تلاوة القرآن، وقيام ما يسر الله لك من قيام ليله، فاحمد الله على هذه النعمة، وقل: الحمد لله رب العالمين، ولذا قال الله: وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185].
أيها المسلم، ذُقت لذة الصيام، وطيبَ الصيام، ونتائجَ الصيام، وسمعت الأخبار عن المصطفى في فرض الصيام، وأن الله يقول: ((كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها))، يقول الله: ((إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به)).
إذْ سمعت هذا، فاعلم ـ رحمك الله ـ أن نبيك شرع لك صياماً في أيام متعددة، فشرع لك أن تصوم ستة أيام من شوال تتبع بها رمضان، يقول نبيك : ((من صام رمضان وأتبعه بستة من شوال، فكأنما صام الدهر))، الحسنة ـ من فضل الله ـ بعشر أمثالها، فرمضان بثلاثمائة يوم، وست من شوال بستين يوماً، فمن صام رمضان وأتبعه صيام ستة أيام من شوال كتب الله له صيام الدهر كله، هذا من فضل الله عليك.
إذاً ـ يا أخي المسلم ـ فتقرب إلى الله بصيام هذه الست من شوال، أنا أقول: ليست واجبة عليك، ولا أعاتبك إن لم تصمها، ولا أقول: إنك مخل بفرض، لا، أقول: هي سنة، هي نافلة، هي طاعة، لكن فضلها عظيم، فلا تحرم نفسك هذا الفضل العظيم، والله مصحِّحٌ بدنك ومقوِّيك ومعينك، فتقرب إلى الله، فستجد ثوابها يرجح به ميزان عملك يوم توزن الأعمال يوم القيامة.
أخي المسلم، صيامك لها يدل على رغبتك في الطاعة، صيامك لها يدل على حبك للصيام، صيامك لها شكر لله، صيامك لها نافلة كنوافل الطاعة، ترقِّع ما قد يكون حصل عليك في الصيام من خلل أو نقص، عامل الله الجميع بعفوه. فصمها أيها المسلم، سواء صمتها مجتمعة أو متفرقة، كل ذلك جائز، لكن لا تصمها ولا تصمها المسلمة إلا بعد استكمال قضاء رمضان ؛ لأن قضاء رمضان أهمّ وآكد.
فصمها أيها المسلم، ولو صمتها جميعاً أو فرقتها جمعة وخميساً ونحو ذلك، المهم أن تكون في شوال، فصمها مادمت قادراً عليها، فستجد ثوابها مدّخراً لك في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
أخي المسلم، وشرع لك نبيك صيام ثلاثة أيام من كل شهر، قال أبو هريرة: أوصاني خليلي بثلاث: أن أوتر قبل أن أنام، وأن أصلي ركعتي الضحى، وأن أصوم من كل شهر ثلاثة أيام.
كما سن لك صيام التسع من ذي الحجة: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) الحديث، والصيام من جملة الأعمال الصالحة.
وقد سن لك صيام يوم عرفة، وأخبرك أن صيامه يكفر سنة ماضية وآتية.
وسن لك صيام العاشر من محرم مع صيام يوم قبله أو بعده، وأخبرك أن صيامه يكفر عاماً ماضيا.
وشرع الكمال أن يصوم الإنسان يوماً ويفطر يوماً.
وشرع صيام يوم الاثنين، وأخبر أنه يوم ولد فيه، ويومٌ أوحي إليه فيه.
وشرع صيام الخميس مع الاثنين، وأخبر أنهما يومان تعرض الأعمال الصالحة فيهما على الله.
أيها المسلم، هذه أنواع الصيام، فلا تبخل عن نفسك بصيام أحد هذه النوافل لتنال الخير من ربك جل وعلا.
كما أن قيام الليل ما انقضى بعد رمضان، فنبيكم كان يقوم الليل، وتقول عائشة: ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، كان يحافظ على قيام الليل، فحافظ عليه قدر استطاعتك، وتقرب إلى الله بتلاوة كتابه العزيز، وفعل الخير، وكن على الخير مستقيماً دائماً وأبداً.
أسأل الله أن يقبل منا أعمالنا، وأن يعيننا على شكره وذكره وحسن عبادته، وأن يوفق الجميع لسلوك الطريق المستقيم، إنه على كل شيء قدير.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ...
|