أما بعده:
فيا أيها الناس، اتقوا الله حق التقوى.
عباد الله، اليوم وقد أكمل المسلمون نسكَ حجِّهم، وأدوا هذا الركن العظيم بنعمة من الله، أدَّوه بأمان واستقرار وراحة بال، أدوا هذا النسك وهم آمنون مطمئنون، لا يخشون إلا الله، فالحمد لله على توفيقه وتيسيره، انقضى حجُّ هذا العام وقد تميَّز بأمنه واستقراره ورغد العيش، وهناء المسلمين بما أدوا من هذا الركن العظيم، تلك عناية الله قبل كل شيء، وفضله على المسلمين، ثم بالأسباب التي يسَّر الله لولاة هذا البلد القيام بها، فأدّت ثمارها ولله الفضل والمنة.
وهذه نعمةٌ يجب على المسلمين أن يشكروا الله عليها، ويحمدوه عليها، فله الفضل والمنة في كل حال وعلى كل حال.
إن المسلمين في سابق الزمن ما كانوا يحضون بهذه النعمة، فكان الوصول إلى بيت الله الحرام من الأمور المستحيلات، يغامر الرجل في الوصول إلى البيت الحرام مغامرةً عظيمة، لا يدري أيعود إلى أهله، أم لا يعود إليهم ثانياً، ما بين خروجه إلى وصوله إلى البيت الحرام سلبٌ ونهبٌ وقتلٌ، وتعريضٌ للحياة بكل أنواع التهديد، يجتاز صحاري خاصةً لا ماء فيها ولا نبات، يمرّ بقُطّاع الطرق، لا يدري أينجو منهم أم لا، يبذل الرشاوي العظيمة لكل من يمر بهم من قبائل العرب حتى يتركوه ويمشي [سالماً]، ثم إذا وصل إلى البيت الحرام لم يجد أيَّ شيء يسهِّل عليه، ولكن الله بفضله ومنته يسر لهذا البلد العظيم من رعاه حقَّ الرعاية، وقام به خير قيام، بناءً وصيانةً، ونظافة وأمناً، ورخاءً وتنظيماً، وتيسيراً لأمور الحجيج، يقف في هذه المشاعر العظيمة في يوم الحج ما يزيد على مليوني شخص، هؤلاء الأعداد المتكاثرة على اختلاف مشاربها، الغالب لا بد فيها من مشاكل، ولا بد فيها من اختلاف، ولكن الله تفضل بفضله وكرمه فيسّر الأمور، وأمّن الحجيج، وأدَّوا نسكهم، وعادوا إلى بلادهم، فالحمد لله على كل حال.
ولكن المطلوب من الحاج المسلم أن يكون بعد حجه متخلقاً بالأخلاق الكريمة، متخلقاً بالصفات الحميدة، متذكراً قوله : ((من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))، فإذا كان حجَّ الحاجُ حجه واتقى الله في حجه، فليتق الله بعد رجوعه من حجه، ولتكن أعماله الصالحة بعد الحج خيراً منها قبل الحج، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، والحج المبرور الذي أخلص فيه صاحبه لله، فأداه مخلصاً له لله، أداه على وفق كتاب الله وسنة رسوله ، أداه الأداء المطلوب، ثم كان بعد الحج على خير خلقٍ وأحسن عمل وسيرة، فهذا الذي يُرجى له بتوفيق الله أن يقبل الله حجه، وأن يكون الحج مؤثراً عليه.
لقد كان سلفنا الصالح يرون الحج نُقلةً من سيِّئ إلى حسن، وتحولاً من قبيح الأقوال والأعمال إلى حسن الأقوال والأعمال، فإن الحاج طاف ببيت الله، ووقف بعرفة وبمزدلفة، ونزل بمنى، وأدى واجبات الحج طاعة لله وإخلاصاً لله، فواجبه أن يستقيم على هذا العمل الصالح، ويقول : ((العمرة إلى العمرة مكفرات لما بينهن، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).
فيا أيها الحاج، يا من منّ الله عليه بأداء هذا النسك، فاحمد الله على هذه النعمة، أن استكملت أركان دينك، اسأل الله قبول العمل، واستقم على الطريق المستقيم، لتكون من الحاجين حقاً، وإياك أن تهدم صالح أعمالك بسيئات الأقوال والأعمال.
حفظنا الله وإياكم من كل سوء، وتقبل منا ومنكم صالح العمل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَـٰلَكُمْ [محمد:33].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
|