أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون في بلد الله الحرام، حجاج بيت الله الحرام، إخوة الإيمان في مشارق الأرض ومغاربها، أوصيكم بتقوى الله سبحانه وتعالى، فهي وصيته سبحانه للأولين والآخرين وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّـٰكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ [النساء:131]، من رام عزاً وفلاحاً ونشد خيراً وصلاحاً وطلب توفيقاً ونجاحاً فعليه بتقوى الله، من أراد عزاً من غير جاه، ورفعةً من غير منصب وغنىً من غير مال فعليه بتقوى الله، إن تقوى الله خير ذخرٍ يدخر، ولباس يزين به ما ظهر وما بطن، هي الطريق لكل خير، والسياج المنيع من كل شر، والحصن الحصين والدرع الواقي من كل بلاءٍ وضر، في تقوى الله الخروج من المضائق والسلامة من العوائق والنجاة من المآزق وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3]، وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4]، وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفّرْ عَنْهُ سَيّئَـٰتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً [الطلاق:5].
عباد الله، حجاج بيت الله، أتدرون أي يوم هذا؟ أتعلمون أي شهر هذا؟ أتدرون أي بلدٍ هذا؟ أما اليوم، فهو عيد الأضحى المبارك الذي عظّم الله أمره ورفع قدره وسماه يوم الحج الأكبر لأن الحجاج يؤدون فيه معظم مناسكهم يرمون جمرة العقبة ويذبحون هداياهم ويحلقون رؤوسهم ويطوفون بالبيت ويسعون بين الصفا والمروة.
في هذا اليوم المبارك ينتظم عقد الحجيج على صعيد منى بعدما وقفوا الموقف العظيم يوم عرفة ورفعوا أكف الضراعة وذرفوا دموع التوبة والإنابة وتضرعوا إلى من بيده التوفيق والإجابة، ثم أفاضوا إلى المزدلفة وباتوا بها إتباعاً لسنة المصطفى القائل: ((خذوا عني مناسككم)).
هذا اليوم يوم عيد الأضحى المبارك جعله الله للمسلمين عيداً يعود بخيره وفضله وبركته على المسلمين جميعاً حجاجاً ومقيمين، في هذا اليوم يتقرب المسلمون إلى ربهم بذبح هداياهم وضحاياهم إتباعاً لسنة المصطفى فقد نحر بيده الشريفة في حجة الوداع ثلاثاً وستين بدنة، وضحى بكبشين أقرنين أملحين، إتباعاً لسنة أبينا إبراهيم الخليل عليه السلام الذي أمر بذبح ابنه وفلذة كبده، وثمرة فؤاده فامتثل لأمر ربه جل وعلا وسلم وانقاد، لكن الله سبحانه بلطفه ورحمته فداه بذبح عظيم، وروى البخاري ومسلم أن رسول الله ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أمة الإسلام، لقد ورد الفضل العظيم، والثواب الجزيل عن إحياء شعيرة الأضاحي، في الحديث أنه قال: ((ما عمل ابن آدم عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، وإنها لتأتي يوم القيامة بأظلافها وشعورها وقرونها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، وإن للمضحي بكل شعرة حسنة وبكل صوفةٍ حسنة فطيبوا بها نفساً)) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
ومما ينبغي أن يعلم أن للأضحية ثلاثة شروط:
الأول: بلوغ السن المعتبر شرعاً وهو خمس سنين في الإبل، سنتان في البقر، وسنة في المعز، ونصف سنة في الضأن.
الثاني: أن تكون سليمة من العيوب التي تمنع الإجزاء وقد بينها بقوله: ((أربع لا تجزئ في الأضاحي العرجاء البين ضلعها، والعوراء البيِّن عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء وهي الهزيلة التي لا تنقي)).
الثالث: أن تذبح الأضحية في الوقت المحدد شرعاً وهو الفراغ من صلاة العيد إلى غروب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق، والأفضل في يوم العيد وفي النهار ولا بأس بالذبح ليلاً، وتجزئ الشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته لحديث أبي أيوب رضي الله عنه.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
وينبغي الإحسان في الذبح بحد الشفرة وإراحة الذبيحة والرفق بها وإضجاعها على جنبها الأيسر، والسنة أن يأكل المسلم من أضحيته ويهدي ويتصدق منها وأن يتولى ذبحها بنفسه أو يحضرها عند الذبح ولا يعطي جازرها أجرته منها، يقول الله عز وجل: فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ [الكوثر:2]، ويقول سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162، 163]، ويقول جل وعلا: وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلاْنْعَـٰمِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ [الحج:34].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون في كل مكان، وفود الملك العلام، اعلموا أن أعظم ما أمر الله به توحيده وعبادته يقول تعالى: وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، ويقول سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ [النحل:36]، ويقول عز من قائل: وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً [النساء:36]، وإذا كان التوحيد يا عباد الله أعظم مأمور به، فإن ما يناقضه من الإشراك بالله أعظم منهيٍّ عنه فقد نهى الله عنه في محكم كتابه وجعله الذنب الذي لا يغفر، والكسر الذي لا يجبر، وحكم على صاحبه بخسران الدنيا والآخرة، يقول الله عز وجل: إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء:48]، ويقول جل وعلا: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَار [المائدة:72]، فلا عبادة إلا لله وحده، ولا نذر ولا نحر ولا دعاء ولا استغاثة ولا استعاذة ولا حلف إلا بالله جل وعلا، الله وحده مالك الضراء والنفع والحياة والممات، ولا يملك ذلك أحد غير الله عز وجل لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي صالح وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَـٰفِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَـٰفِرِينَ [الأحقاف:5، 6]، هذه هي العقيدة الصحيحة التي ضل عنها أكثر الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله وصدق الله: وَمَا أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، فالشرك في عبادة الله خطره كبير وشره مستطير، التوجه لغير الله كائناً ما كان، لدفع ضراً وجلب نفع أو شفاء مريض أو قضاء حاجة أو دفع كربة، كل ذلك شرك محبط للأعمال قال الله عز وجل: وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ [الزمر:65].
ولكن يا عباد الله، أين العقول؟ لماذا لا نفكر؟ لماذا التعلق بالجدران والستور؟ وماذا يجدي التمسح بالأماكن والصخور؟ وماذا تفيد خرزٌ مصفوفة وخيوط معلَّقة وخرق مربوطة، فلا إله إلا الله وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ [يوسف:106]، وفي وصية رسول الله لابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ما يبين العقيدة الصحيحة بقوله : ((إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)).
يا مـن ألـوذ بـه فيمـا أأملـه وأستجير به مما أحـاذره
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ولا يهيضون أنت جـابره
وإن مما يفعله بعض الناس من التعلق بغير الله، لا سيما في الأضرحة والقبور وما يصرف لها من القربات والنذور، لما يخدش أساس العقيدة ويوقع في الشرك والعياذ بالله مما ينبغي أن يحذره المسلم ولا يغتر بكثرة من يفعله، فالحق ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله ، ومما ينبغي أن يُعلم أن الشرك ليس مقصوراً على عبادة الأصنام والأوثان فحسب بل لكل زمن لبوسه ولكل عصرٍ مستجداته، ومن الشرك الشرك في المحبة والطاعة والدعاء والإرادة والقصد، فاتقوا الله عباد الله، قوموا بحق الله عليكم من عبادته وطاعته وتقواه وخشيته قوموا بحق رسوله من محبته محبة حقيقته وطاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله لا بمقتضى شرعه عليه الصلاة والسلام، فما بال أقوام يدّعون المحبة وهم يخالفون سنة المحبوب قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].
يـا مدَّعـي حب طـه لا تخالفـه الخُلف يحرم في دنيا المحبينا
أتحب أعداء الحبيب وتدعي حباً له مـا ذاك فـي أهانى إمكانِ
وكـذا تعـادي جـاهـداً أحبابـه أين المحبة يا أخ الشـيطان
شرط المحبة أن توافق من تحـب على محبتـه بلا عصـيان
ومما يؤسى له أن بعض الناس هداهم الله أحدثوا في دين الله ما لم يأذن به الله واتخذوا لأنفسهم طقوساً مبتدعة والوا عليها وعادوا، ويعظم الأمر حين يتخذون ذلك ديناً يدعون أنه يقربهم إلى الله ومن محبة رسوله ويرومون كل من خالفهم ببغض الله وبغض رسوله وكراهية أوليائه والصالحين من عباده وهذا من اتخاذ دين الله هزواً ولعباً، فالعبادات توقيفية يجب أن يسير فيها المسلم على وفق كتاب الله وسنة رسوله لا بالأهواء والآراء.
وقل للعيـون الرمدِ للشمس أعينٌ سواك تراها في مغيب ومطلع
وسامح عيوناً أطفـأ الله نورهـا بأهوائهـا لا تسـتفيق ولا تع
فاتقوا الله عباد الله، أخلصوا توحيدكم لربكم، أفردوه بالعبادة أثبتوا له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تأويل ولا نفي ولا تعطيل، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، الزموا سنة نبيكم إياكم والبدع والخرافات ومحدثات الأمور ومستحسنات العقول، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) وفي رواية مسلم: ((وعمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) فكل عملٍ لم يشرعه الله ورسوله فهو مردود على صاحبه والطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول ولزم صراط الله المستقيم واجتنب السبل والفرق والطرق المخالفة له: وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
إخوة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، إن أعظم نعمة أنعم الله بها علينا نعمة الإسلام، فقد كان الناس قبله في جاهلية وضلال لا يعرفون حقاً ولا هدى، المقاييس مختلفة، والموازين منتكسة، والمفاهيم منعكسة، والأوضاع متقلبة، والفطر فاسدة، والمجتمعات متفرقة، والأهواء مؤلهة، ظلمٌ وضلال، وبغي وباطلٌ ووثنية، إلى أن أذن الله وهو اللطيف الرحيم بعباده ببعثة النبي المصطفى وانبثاق فجر الحق وشعاع نور الهدى على يد حبيبنا وسيدنا محمدٍ فعز الناس بعد الذلة وهدوا بعد الضلالة واجتمعوا بعد الفرقة والغواية، كل ذلك بفضل التمسك بالإسلام مصدر العزة والكرامة والقوة والنصرة.
وتمر القرون وتمضي السنون ويتخلّى كثير من المسلمين عن دينهم وينتشر بينهم المنكر والضلال والفساد والانحراف والباطل والإلحاد وتتفرق الكلمة وتتشعّب السبل وتعم الذلة والمهانة فتسبى الأموال وتُحتل الديار ويُِشرد الأبرياء وتنتهك المقدسات وتعم المحن، وتتعاقب المصائب والفتن، ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه، السؤال الذي يراود كل مسلمٍ غيورٍ على دينه، ما السبب في كل ما أصاب المسلمين ما طريق الخلاص من الفتن التي يعيشها المسلمون؟ ما سلَّم النجاة من المحن التي تعيشها الأمة الإسلاميةً؟ كيف الخروج من ذلك كله؟ وكيف الطريق لاستعادة أمجاد المسلمين؟ والجواب الذي نرجو أن يتحقق واقعاً عملياً شاهداً ملموساً في كل نواحي الحياة، في كل صغير وكبير هو اتباع كتاب الله وسنة رسوله ، هو تحكيم الإسلام ولا شيء غير الإسلام، لا سيما بعد أن أفلست النظم الأرضية والشعارات الجاهلية في تحقيق الصلاح للبشرية، فوالله الذي لا إله غيره، وورب الكعبة سبحانه لن تتحقق آمال الأمة ولن تخرج من آلامها إلا باتباع الكتاب والسنة فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ [طه:123، 124]، وقف المصطفى هذه المواقف وأعلن للبشرية أنها لن تضل ما دامت متمسكة بكتاب الله ((تركتم فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله)) ومن هنا يأتي دور القادة والولاة والعلماء والدعاة والمفكرين ورجال التربية والتعليم والإعلام وحملة الأقلام ليؤدوا رسالتهم العظيمة في نشر الإسلام الحق، وتربية الأجيال عليه، ويقفوا سداً منيعاً في وجه كل من أراد النيل منه والإساءة إليه.
فيا قادة المسلمين، يا أيها الولاة والحكام، إن مسؤوليتكم عظيمة فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، سوسوا شعوبكم بكتاب الله واحكموهم بسنة رسل الله ، أقيموا الدين في عباد الله، أدوا الأمانة التي تحملتموها، واحكموا الناس بالعدل والإنصاف، وأداء الحقوق، كونوا سنداً وعضداً لأهل الخير والدعوة والحسبة والإصلاح، حكموا الشريعة في أرض الله على عباد الله، اتخذوا من العلماء الربانيين بطانة، ومن أهل الصلاح والنصح مستشارين تصلح أحوالكم وأحوال شعوبكم، وتبقى مكانتكم ويعم الأمن والأمان بلادكم.
علماء الإسلام، إن مسؤوليتكم في تبليغ هذا الدين كبيرة وأمانتكم جسيمة، انزلوا إلى ميدان التوجيه والإرشاد، واحملوا سلاح الدعوة والبلاغ، واحذروا من التقصير في أداء ما حُمِّلتم وكتمان ما أوتيتم، فإن خطر ذلك كبير، واعلموا أن ضعف كثير من العامة في أمور عقيدتهم ودينهم وانتشار الجهل في كثير من الناس سببه تواريكم عن الساحة وإحجامكم عن النزول إلى الميدان.
دعاة الإسلام، دوركم كبير، جدُّ كبير، لقد حُملتم شرف الدعوة وشرفتم بتولي ميراث النبوة فاسلكوا أثر أفضل الدعاة عليه الصلاة والسلام، ركزوا في الدعوة إلى العقيدة الصحيحة، واهتموا بالنوع والكيف، لا بالكثرة والكم، اجمعوا قلوبكم ووحدوا صفوفكم، فالدعوة إلى الله ليس تجمعاتٍ حزبية، ولا تنظيمات عقدية، وإنما هي رسالة صلاحٍ وإصلاح لعموم البشرية، حذار أن يوقع الشيطان بينكم، وأن يشتغل بعضكم ببعض والعدو يتفرج من حولكم، ركزوا على العلم في دعوتكم ولا تستعجلوا النتائج، اسلكوا سبيل الحكمة والرفق والعقل وبعد النظر، وتحكيم المصالح الشرعية، وإذا جنحت الدعوة إلى العنف وسلكت مسالك الاندفاع والتهور، فشلت فشلاً ذريعاً، وسببت لأصحابها الضرر العاجل والانفضاض العام، وصدق الله: فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
إنه لا عزة للبشرية ولا صلاح للإنسانية إلا بتطبيق الإسلام، والإسلام الذي نريد هو الإسلام الحق، الاستسلام الكامل لله والانقياد التام لشرعه، الإسلام المبني على قاعدة العقيدة الصحيحة والمتابعة الحقيقية للحبيب المصطفى والسير على ما سار عليه سلف الأمة الصالح رحمهم الله، إن كثيراً من الناس يدعون الإسلام، ولكن إذا عرضت إسلامهم على الكتاب والسنة وجدته ادعاءً وانتماءً، لا حقيقة واختياراً، إنه لا بد من تحقيق كلمة التوحيد ولا بد من توحيد الكلمة عليها، إن تضامن المسلمين اليوم ووحدتهم مطلبٌ جِدّ مهم في عزهم وقوتهم وانتصارهم على أعدائهم، وإن الفرقة والخلاف لهما الداء العضال الذي يفتت جسد الأمة ويقطعها إرباً إرباً.
فاحرصوا رحمكم الله على الجماعة واحذروا الشقاق والنزاع والفرقة، وإن مما يدعم ذلك تلاحم الشعوب مع ولاتهم وقادتهم ومعرفة حقوق ولاة أمر المسلمين وعلمائهم، أما الولاة فحقوقهم على رعاياهم السمع والطاعة لهم بالمعروف والدعاء لهم وعدم الخروج عليهم، والتنصل من بيعتهم لأن ذلك من أعظم أسباب الفتن، ودواعي الفساد في البلاد والعباد، بالأئمة تأمَن السبل، ويستتب الأمن، وتصان الحقوق، وتقام الحدود، وتحصّن الثغور، وطاعتهم في المعروف من طاعة الله ورسوله، في الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرةٍ علينا وألا ننازع الأمر أهله) الحديث، وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات، فميتته جاهلية)) قال ابن رجب رحمه الله: وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم، وطاعة ربهم، وبهذا يتبين أن الخروج على ولاة الأمور ومنازعتهم، وإظهار أخطائهم أمام الناس والوقيعة في أعراضهم مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة في هذا الباب، وطريق النصح المشروع ليس بالتشهير ولا بالتعيير والتجريح، وهذا لا يسلكه إلا من يترتب عليه من مفاسد في الدين والدنيا، أما العلماء فلهم في هذا الدين المكانة العظمى يجب معرفة قدرهم والقيام بحقهم والدعاء لهم وعدم الوقيعة في أعراضهم، وإنا لنأسف أشد الأسف من أناسٍ جهلوا مكانة العلماء فوقعوا في أعراضهم تجريحاً وتنقيصاً، ورموهم سفهاً بالمداهنة والتزلف، لا لشيء إلا لأنهم سلكوا طريق الحكمة في معالجة الأمور، فليحذر كل من تعرض لأهل العلم من عاقبة أمره، فإن لحومهم مسمومة، وسنة الله في الانتقام ممن وقع في أعراضهم معلومة، ومن ابتلي بالوقيعة بهم والسلب بلاه الله قبل موته بموت القلب كما قال ذلك ابن عساكر رحمه الله.
أيها المسلمون، كبروا ربكم في هذا اليوم المبارك، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ومما يبين مكانة أهل العلم أنهم قائمون بدين الله باذلون للعلم الشرعي بين عباد الله فتجريحهم سم قاتل وبلاء ظاهر وداءٌ عضال وإثم واضح، وما أجمل ما قال الأول:
أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سـدوا
أليس في غيبة العلماء والولاة إيذاء للمؤمنين وغيبة للمسلمين ووقوعاً في أعراضهم وكفى بذلك إثماً وخطراً، مع أن هذا الملك المشين لا يخدم مصلحة ولا يحقق منفعة ولا يزول به منكر، فمن علب عليه الجهل والهوى وأعجب برأيه فلا حيلة فيه، ويخشى أن يوقع نفسه ويوقع غيره في أمور لا يعلم عواقبها إلا الله فيحصل الندم حيث لات ساعة مندم.
أمة الإسلام، إن تقليب صفحات تأريخنا المعاصر وأوضاعنا الحاضرة يعطي صورة مأساوية لما آل إليه أمر المسلمين في كثير من الأقطار، وأول صفحةٍ مأساوية نطرحها بكل حرارة وهي القضية الساخنة هذه الأيام بل في هذه الآونة قضية إخواننا المسلمين في بلاد البوسنة والهرسك التي وصلت أوج خطورتها وبلغت حداً لا يسع السكوت عليه، بل ولا نكتف بالشجب والإدانة والتنديد لأن الأمر خطير، جد خطير، ضد عقيدتهم وحرماتهم وأموالهم وبلادهم ومقدراتهم، لقد عمل فيهم عباد الصليب أعمالاً عظيمة فظيعة.
مجرم صربي واحد يقتل عشرات المسلمين لقد هدموا مساجدهم وعبثوا بمقدراتهم، وأخرجوهم من ديارهم، لا لشيء إلا أنهم قالوا: ربنا الله، آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى وملايين المشردين هذه قوائم وإحصاءات نكبتهم أجمالاً ناهيك عن انتهاك الأعراض وسلب الأموات وبقر البطون وإزهاق الأنفس البريئة من الأطفال والنساء ومصادرة الحريات وبث الرعب والقلق والاضطراب، لماذا يحصل هذا أمام سمع العالم وبصره؟ فلا مراعاة للحقوق ولا التزام بالمعاهدات ولا وفاء بالأعراف الدولية ولا التزام بدين ولا خلقٍ ولا رادع، تبجح ما بعده تبجح وإهانة لمشاعر المسلمين، يقض المضاجع، إنهم إخوانكم هناك ينادون وا إسلاماه، ينتظرون عطفكم وشفقتكم وإخوتكم فحذار أن تخذلهم.
كفى حزناً للدين أن حماتـه إذا خذلـوه قل لنـا كيف ينعـد
متى يسلم الإسلام مما أصابه إذا كان من يرجى يخاف ويحذر
إننا لنتساءل، أين العالم عن هذه المأساة؟ بل أين المسلمون عن الانتصار لإخوانهم؟ أين أدعياء حقوق الإنسان والمتبجحون بالإنسانية، لو قتل علج أو سجن أو أهين واحدٌ من أعداء الإسلام، لقامت الدنيا ولم تقعد ولاشتغلت وسائل الإعلام بالحديث حوله والمطالبة بالإفراج عنه أو الانتصار له، ولكن المسلمين لا بواكي لهم مع الأسف الشديد، حسبنا الله ونعم الوكيل.
قتل علجٍ واحدٍ جريمة لا تغتفر وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر
إلى الله المشتكى، ولا حول ولا وقوة إلا بالله، إننا نطالب باسم المسلمين جميعاً، قادة المسلمين وحكام العالم أن يقاطعوا الحكومة الصربية المجرمة عسكرياً واقتصاديا وتجارياً وأن يتدخلوا عملياً لإنقاذ البقية الباقية من دماء إخواننا المسلمين هناك نصرةً للمظلوم وانتقاماً من الظالم، كما أن واجب المسلمين جميعاً في كل مكان دعم إخوانهم في بلاد البوسنة والهرسك والدعاء والضراعة إلى الله أن ينصرهم ويفرج عنهم وأن يبذلوا أموالهم لا سيما الأثرياء منهم لدعم إخوانهم هناك، أين الحمية والغيرة؟ أين الشجاعة والإباء؟ أين الشهامة والرجولة؟ أين الإسلام والإيمان؟ إن إخوانكم هناك بأمس الحاجة إلى الدعاء والغذاء والكساء والماء والكهرباء والدواء.
وإذا قلبت صفحة أخرى من مآسي المسلمين، وجدت ما يماثل ذلك أو يقاربه، فما هي أحوال إخوانكم المسلمين في بورما؟ لقد بغى عليهم الوثنيون لطمس هويتهم وتشريدهم من ديارهم وحرمانهم من ممتلكاتهم، عملوا فيهم قتلاً وتشريداً، ما أحوال المسلمين في كشمير؟ في إريتريا؟ وفي الفلبين؟ وفي الصومال؟ وفي بلاد الأكراد؟ حيث يصطلون بحكم طاغية العراق، ما ذنب السجناء من أهل الكويت في سجون طاغية العراق؟ ما ذنب المسلمين في بقاع شتى في العالم؟ بل ما أهي أحوال إخوانكم في فلسطين؟ في الأرض المباركة، ما هي أحوال الأقصى الجريح؟ هذه إسرائيل الحثالة البشرية والشرذمة الصهيونية من شرار الآفاق وقتلة الأنبياء وإخوان القردة والخنازير يعيثون في الأرض فساداً، يريدون التوسع لمذهبهم الباطل ودينهم المحرّف وبناء هيكلهم المزعوم، كل ذلك تحدِّ لمشاعر المسلمين، وعلى حساب المسلمين وبلادهم، ما أفعالهم في فلسطين؟ وفي جنوب لبنان في هذه الأيام؟ إن ذلك امتداد لحلمهم في الانتشار في العالم الإسلامي، ألا شاهت وجوه الصهاينة، أيعجز المسلمون وهم أكثر من مليار مسلم أن يقفوا أمام هذه الحفنة القليلة والشرذمة الآثمة، ولكننا كنا وأصبحنا كما أخبر المصطفى : ((ولكنكم غثاء كغثاء السيل)) لا بد من رفع راية الجهاد في سبيل الله لتحرير المقدسات الإسلامية من براثن الصهيونية، ونرجو أن يكون ذلك اليوم قريباًَ بإذن الله.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أمة الإسلام، إنه كلما كثرت مآسي المسلمين فإن البشائر كثيرة، والفأل مطلوب والخير في هذه الأمة موجود إلى قيام الساعة، وأمة الإسلام أمة معطاء، أنجبت القادة والعلماء والأئمة والعظماء، والخير فيها إلى قيام الساعة، فاليأس مردود، والتشاؤم مذموم، وبشائر نصرة الإسلام بادية متكاثرة بحمد الله، هذه الصحوة الإسلامية، تعم أرجاء العالم الإسلامي، بل العالم بأسره، الكل يريد الإسلام، ويبحث عنه، لما يمتاز به من تحقيق الأمن والأمان، ومن توفر الكمال والشمول غير أن الإيمان والعلم والعقيدة، والصبر مما يجب أن يتحلى به أفراد الصحوة الإسلامية، كذلك فينبغي أن يستفيدوا من أهل العلم وأن يشاوروهم وأن يبعدوا عن التعجل والعواطف المتأججة والاندفاعات المشبوبة، ومن بشائر نصرة هذا الدين تحطيم الشيوعية في هذا العصر وإزاحة الستار الحديدي الذي بلغ سبعين عاماً عن وجه شعوب تريد الإسلام، فالبلاد التي رزحت تحت حكم الشيوعية ردحاً من الزمن يأتي منها اليوم رجالٌ يعلنون الإسلام، ويجلجلون بالتلبية ويشاركون جموع الحجيج حجهم، وهذا بحد ذاته من بشائر نصرة هذا الدين، ويبقى السؤال المهم، ماذا قدم المسلمون لإخوانهم في الجمهوريات الإسلامية الجديدة، إن الواجب على قادة المسلمين ودعاتهم وعلمائهم وأثريائهم أن يسارعوا إلى مساعدة إخوانهم ومساندتهم، وأن يضعوا الخطط السليمة لنشر العقيدة الصحيحة، والعلم الشرعي السليم، وبث الدعاة والمدرسين الأكفاء لتعليم الناس هناك أمور دينهم على الوجه الصحيح وإننا لنخشى أن يأخذ بزمام ذلك الأمر من ليس من الأكفاء في دينهم ومعتقدهم، فيحصل ما لا تحمد عقباه، وتلك مسؤولية المخلصين والغيورين عن هذه الأمة.
ومن بشائر نصرة دين الله تحرير أفغانستان المسلمة وانتصارها على الشيوعية الآثمة، فها هي كابول تفتح أبوابها للإسلام بعد ما طال أسرها في يد أعداء الإسلام، ولكن لا تتم حلاوة النصر إلا بتذكير إخواننا المجاهدين هناك بأمل جموع بيت الله الحرام أن يوحدوا صفوفهم ويجمعوا قلوبهم ويخلصوا نياتهم، ويحذروا من الدنيا والتنافس عليها، ويحذروا من المندسين بين صفوفهم، وهم من أعدائهم حذار أيها المجاهدون وقد طال انتظار المسلمين لانتصاركم أن يقطف ثمرة جهادكم أعداؤكم، فاجمعوا قلوبكم، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ [الأنفال:46].
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان وأن يهيئ لهم من أمرهم رشداً وأن يتقبل من حجاج بيته الحرام حجهم وأداء مناسكهم إنه جواد كريم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
|