.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

عيد الأضحى 1407هـ

2371

فقه

الذبائح والأطعمة

عبد الله بن محمد بن زاحم

المدينة المنورة

10/12/1407

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

فضل رسول الله – مشروعية الأضحية وفضلها وشيء من أحكامها – الحث على مراقبة الله وطاعته – الحج من أكبر مظاهر وحث الأمة – البيت والتوحيد – جريمة الشيعة في البيت الحرام – حث الحجاج على متابعة رسول الله –فضل هذه البلاد وتميزها بتحكيم الشريعة.

الخطبة الأولى

أما بعد:

فإن يومنا هذا يوم عظيم وعيد كريم حرمه الله وسماه يوم الحج الأكبر، إنه يوم عيد وفرح وأكل وشرب وذكر لله، فحجاج بيت الله الحرام يفرحون بإتمام مناسكهم وقضاء تفثهم، وبنفحات الله عليهم، ونحن نفرح بما سخر لنا من بهيمة الأنعام والاقتداء بسيد الأنام ، بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ [سورة الكوثر].

الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

الأضحية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب فبالسورة المتقدم تلاوتها إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ، وأما السنة فحديث أنس قال: (ضحى رسول الله بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، سمى وكبر) متفق عليه[1]، وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية فمنهم من جعلها واجبة لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا)) رواه أحمد وابن ماجه[2]، والجمهور على أنها سنة مؤكدة لا ينبغي تركها لمن يقدر عليها، فطيبوا بها نفسًا أيها المؤمنون، وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها.

فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: ((ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من هراقة دم، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأظفارها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسًا)) رواه ابن ماجه والترمذي[3].

فالأضحية شريعة نبينا محمد وسنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهي فداء الذبيح إسماعيل، ولولا رحمة الله بهذا الفداء لكانت الأضحية بالأبناء؛ فأبونا إبراهيم عليه السلام سأل ربه أن يهب له من الصالحين فبشرته الملائكة بغلام عليم قال: أَبَشَّرْتُمُونِى عَلَىٰ أَن مَّسَّنِىَ ٱلْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشّرُونَ [الحجر:54]، فلما بلغ إسماعيل مع أبيه السعي رأى بإبراهيم في المنام أنه يذبحه، ورؤيا الأنبياء حق قال: يٰبُنَىَّ إِنّى أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ [الصافات:102]، قال الغلام: يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ [الصافات:102].

هذا ابتلاء وامتحان من الله واختبار، والله أعلم بإرادته وما سيكون فلما أسلم لأمر الله قال إسماعيل لأبيه: اجعل وجهي إلى الأرض حتى لا أرى السكين وأرحني، وتله للجبين وأهوى على رقبته بالسكين فناداه ربه يٰإِبْرٰهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَء ٱلْمُبِينُ وَفَدَيْنَـٰهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:104-107]. فالتفت إبراهيم فإذا هو بكبش أقرن أعين وفدي إسماعيل بهذا الذبح العظيم، فاحمدوا ربكم أيها المسلمون أن جعلت الأضحية من بهيمة الأنعام ولم يجعلها بأولادكم فطيبوا بها نفسًا.

الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

وتجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته، وتجزئ البدنة وهي الناقة أو البعير عن سبعة، والبقرة كذلك، وتشرع الأضحية عن الميت ويصله ثوابها إن شاء الله؛ لأن النبي ذبح كبشًا فقال: ((باسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعن من لم يضح من أمتي)) رواه أحمد وغيره عن جابر[4]، وضحى بكبش آخر وقال: ((اللهم هذا عني وعن أهل بيتي)) [5] ومن أهل بيته ومن أمته من قد مات في ذاك الزمن، فهي إذن مشروعة في حق الميت ويصله ثوابها.

وأما ما شاع عن بعض العامة من أن أول أضحية للميت بعد موته لا يشركه فيها أحد فلا أصل له، فإذا كان المضحي متبرعًا فله أن يحشر نفسه مع الميت في الأضحية حتى ولو كانت الأولى فيقول: "اللهم تقبلها عني وعن والدي، أو عن فلان" وأما إن كانت من مال الميت كوصية أو وقف ونحوها فإنه لا يشرك فيها أحد لأنها من ماله وتخصه.

ويشترط في الأضحية أسنان معلومة، فيجزئ من الضأن الجذع وهو ما تم له ستة أشهر ودخل في السابع، ولا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا السني وهو من المعز ما تم له سنة ومن البقر ما تم له سنتان، ومن الإبل ما تم له خمس سنين.

ويشترط في الأضحية سلامتها من الأمراض والعيوب التي تنقص قيمتها، ويجزئ الخصي لما روى الحاكم وأحمد عن أبي رافع وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي ضحى بكبشين سمينين موجوئين[6] وزاد أبي رافع (خصيين)[7].

ولذبح الأضحية وقت محدود يبدأ من بعد صلاة العيد ويمتد إلى آخر أيام التشريق، فمن ذبح قبل الصلاة فليست بأضحية وإنما هي شاة لحم؛ لما روى البخاري عن أنس قال: قال رسول الله : ((من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين))[8] وللحديث المتفق عليه عن جندب بن سفيان أنه قال: ((من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى، ومن لم يذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله))[9] فاتقوا الله أيها المسلمون لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ [الحج:37].

الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

راقبوا ربكم، احفظوا الله يحفظكم، تعرفوا إلى الله في الرخاء يعرفكم في الشدة، صلوا خمسكم وصوموا شهركم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم.

حافظوا على مكارم الأخلاق، عفوا تعف نساؤكم، غضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم إلا على أزواجكم ذلكم أزكى لكم، واحذروا قذف المحصنات الغافلات المؤمنات إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْغَـٰفِلَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنـٰتِ لُعِنُواْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:23].

بِروا آباءكم وصلوا أرحامكم وأحسنوا تربية أولادكم واعرفوا حق إخوانكم، اعرفوا حق إخوانكم المسلمين، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يخونه، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.

الله أكبر ، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

اللهم إنا نسألك التوفيق والسداد، ونسألك الهدى والتقى والغنى والعفاف، اللهم أصلح شأن المسلمين، اللهم أصلح شأن المسلمين، واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور، استغفروا ربكم أيها المؤمنون وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.



[1] صحيح ، صحيح البخاري : كتاب الحج – باب التحميد والتسبيح ... حديث (1551) ، (1712) ، (1714) ، صحيح مسلم : كتاب القسامة والمحاربين ... باب تغليظ تحريم الدماء ... حديث (1679) ، كتاب الأضاحي – باب استحباب الضحية ... حديث (1966).

[2] حسن ، مسند أحمد (2/321) ، سنن ابن ماجه : كتاب الأضاحي – باب الأضاحي واجبة هي أم لا ، حديث (3123). وذكر له البوصيري شواهد في مصباح الزجاجة (3/222-223). وصححه الحاكم (2/232). قال الحافظ في الفتح (10/3): رجاله ثقات، لكن اختلف في رفعه ووقفه ، والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره. وقال المنذري في الترغيب : رواه الحاكم مرفوعاً وصححه ، وموقوفاً ولعله أشبه (2/100). وحسنه الألباني مرفوعاً في صحيح الترغيب (1087).

[3] ضعيف ، سنن الترمذي : كتاب الأضاحي – باب ما جاء في فضل الأضحية ، حديث (1493) ، وقال : حسن غريب ، سنن ابن ماجه : كتاب الأضاحي – باب ثواب الأضحية ، حديث (3126) ، وأخرجه أيضاً الحاكم (4/221-222) وصححه. وتعقبه الذهبي بقوله : قلت : سليمان واهٍ ، وبعضهم تركه. وكذا قال المنذري في الترغيب : رووه من طريق أبي المثنى واسمه سليمان بن يزيد عن هشام بن عروة عن أبيه عنها (يعني عائشة رضي الله عنها) ، وسليمان واهٍ ، وقد وُقّق . الترغيب (2/99). وانظر السلسلة الضعيفة للألباني (256).

[4] صحيح ، مسند أحمد (3/8، 356) ، وأخرجه أيضاً أبو داود : كتاب الضحايا – باب في الشاة يُضحى بها عن جماعة ، حديث (2810) ، والترمذي : كتاب الأضاحي – باب العقيقة بشاة ، حديث (1521) وقال : غريب من هذا الوجه. وصححه الحاكم (4/229) ، وجزم ابن عبد البر بنسبته للنبي . التمهيد (12/139)، وصححه الألباني بشواهده. إرواء الغليل (1128).

[5] ضعيف بهذا اللفظ ، أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (7340) ثم قال : أبو بكر العبسي هذا شيخ مجهول يروي المناكير. قلت : وقد أخرج مسلم في صحيحه : كتاب الأضاحي – باب استحباب الضحية وذبحها مباشرة ... حديث (1967) عن عائشة أن رسول الله أمر بكبش أقرن ، يطأ في سواد ، ويبرك في سواد ، وينظر في سواد ، فأتى به ليضحّي به ، فقال لها : ((يا عائشة هلمي المدية)) ثم قال : ((اشحذيها بحجر)) ، ففعلت ، ثم أخذها وأخذ الكبش ، فأضجعه ثم ذبحه ، ثم قال : ((باسم الله ، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ، ومن أمة محمد))، ثم ضحّى به.

[6] حسن ، مسند أحمد (6/220) مستدرك الحاكم (4/227-228) وأخرجه أيضاً أبو يعلى (1792) ، قال الهيثمي : رواه أبو يعلى. وإسناده حسن. مجمع الزوائد (4/22) ، وانظر إرواء الغليل (4/351) تحت الحديث (1138).

[7] حسن ، أخرجه أحمد (6/8) ، قال الهيثمي : إسناده حسن (4/21).

[8] صحيح ، صحيح البخاري : كتاب الأضاحي – باب سنة الأضحية ، حديث (5545) ، وأخرجه أيضاً مسلم : كتاب الأضاحي – باب وقتها ، حديث (1961).

[9] صحيح ، صحيح البخاري : كتاب الجمعة – باب كلام الإمام والناس ... تحديث (985) ، صحيح مسلم : كتاب الأضاحي – باب وقتها ، حديث (1960).

الخطبة الثانية

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

الحمد لله رب العالمين، طهر بيته للطائفين والقائمين والركع السجود، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حرم مكة وحرم المشاعر لتكون مأمنًا لوفود الله القادمين وعباده القاتنين، واشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان واستقام.

أما بعد:

فإن الحج مؤتمر إسلامي كبير، مؤتمر تعارف وتشاور وتنسيق وتعاون بين أهل الحل والعقد، بين رجال الفكر والعلم من المسلمين، والأمة المسلمة الوافدة إلى بيت الله حين تحس بقربها من الله عز وجل عند بيته المحرم تصفو قلوبهم وأرواحهم وتصفو قلوبهم وتخشع لذكر الله عند هذا المحور الذي يشدهم جميعًا، إنها القبلة التي يتوجهون إليها في أي مكان، ويلتفون حولها، يجدون رايتهم  التي يستظلون بها ويسيرون تحتها ويرجعون إليها، إنها راية الإيمان، لا إله إلا الله محمد رسول الله، تلك العقيدة التي تتوارى في ظلها فوارق الأجناس والألوان واللغات والأقطار، يجدون قوة الوحدة وفائدة التضامن تحت راية الإيمان، والقاعدة الأساسية لهذا المؤتمر هي قوله تبارك وتعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرٰهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئاً [الحج:26]، لا تشرك بي شيئًا، لا في قليل ولا في كثير، لا في قول ولا في عمل، لا في مسيرة ولا في هتاف، إنما هو تجريد القصد والعمل لله وترك كل ما سواه، فلا يعبد إلا الله، ولا يدعى إلا الله، ولا يذكر إلا اسم الله تهليلاً وتكبيرًا وتسبيحًا وتحميدًا وتلبية وخضوعًا، في هدوء وخشوع وسكينة ووقار وفي ذل وانكسار كما كان النبي وأصحابه والسلف الصالحون يفعلون ذلك.

ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ [الأعراف:55، 56].

أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

الله أكبر على كل من طغى وتكبر، الله أكبر على من خرج عن أمره وشريعته وتبختر.

ماذا يقول المسلمون، ماذا نقول فيما فعله بعض الحجاج الإيرانين في يوم الجمعة الماضي في مكة المكرمة، في حرم الله، عند بيته المطهر، في مأمن المسلمين، في تلك البقعة المقدسة التي ترف إليها قلوب المسلمين، والتي يحترمها غير المسلمين احترامًا لمشاعر المسلمين، ماذا نقول في تلك الجرائم ضد حجاج بيت الله الحرام، قتل الأبرياء، وسفك دماء العزل الغافلين، ويزعمون أن عملهم إسلامي، ينادون باسم الإسلام، ما أشبه الجاهلية الإيرانية بالجاهلية قبل الإسلام وَإِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا ءابَاءنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:28]، هل من الإسلام إثارة الشغب والفوضى وإرهاب النساء والأطفال والتشويش على حجاج بيت الله الآمنين، والله تعالى يقول: وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً [الأحزاب:58]، هل من الإسلام رفع صور أناس من خلق الله عند بيت الله يضاهئون كلمة الله، وقتل الغافلين الآمنين، إنه عمل مشين يدل على حقد دفين وبغض للإسلام والمسلمين، إنه إلحاد في بيت الله وظلم لخلق الله وتعد على حدود الله وصد عن سبيل الله والمسجد الحرام، والله تعالى يقول في محكم التنزيل: إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِى جَعَلْنَـٰهُ لِلنَّاسِ سَوَاء ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25]. إن العالم الإسلامي بشعوبه وحكوماته وبأفراده وجماعاته استنكروا هذا العمل الشنيع وهذه الجريمة النكراء، بل استنكرت الشعوب والدول والصحافة غير الإسلامية التي تحترم مشاعر المسلمين.

كيف يجرؤ مسلم يزعم أنه جاء ليحج بيت الله وأنه يلتمس رضا الله على أن يلحد في حرم الله؟ كيف يجرؤ مسلم أن يقتل المؤمنين عند بيت رب العالمين، كيف يجرؤ مسلم جاء ليعظم شعائر الله أن يفسد في أرض الله بعد إصلاحها وينتهك حرمة الله ومقدساته.

فاتقوا الله أيها المؤمنون، كونوا مؤمنين حقًا، قولاً وعملاً، اعملوا بكتاب الله وبسنة النبي ولا يغرنكم أقوال المفسدين، لا يغرنكم أقوال الملحدين من أعداء الدين، وأعداء الإسلام يتربصون بنا الدوائر من فجر الإسلام من عهد النبي إلى يومنا هذا، ولكنهم لم يجدوا مدخلاً، فإذا وجدوا مدخلاً توغلوا، فاتقوا الله أيها المؤمنون، يا حجاج بيت الله الحرام، اقتدوا بنبينا محمد في مشاعره ونهجه كما قال عليه الصلاة والسلام: ((خذوا عني مناسككم))[1] أما الصراخ والهتاف والفوضى والغوغاء فإنها ليست من الإسلام ولا من هدي سيدنا محمد .

إن حكومتنا أعزها الله وفرت لهذا المؤتمر الإسلامي كل ما يحتاج إليه ووفرت لحجاج بيت الله راحتهم، فهذا مؤتمر سنوي مفتوح لأهل العلم والفكر وأهل العقد والحل من المسلمين، تدرس فيه مشاكلهم وتلتمس فيه الحلول.

ومنابر الدعوة والإرشاد والتوعية وتوجيه المسلمين إلى أعمال الحج وإلى قواعد الإسلام والدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله موجودة في المخيمات في منى، مفتوحة لمن أراد أن يشترك فيها للدعوة إلى الله وإلى كتاب الله وسنة رسوله للإصلاح والدعوة إلى الإيمان الصحيح، فلم يبق مجال ولا مقال لأحد إلا صاحب هوىً وغرض خبيث مريض القلب، يريد الإساءة إلى الإسلام والمسلمين فهذا إن شاء الله تعالى مخذول مدحور.

إن الفوضى والهتافات ليست من الإسلام فاتق الله أيها المسلم، إن المملكة العربية السعودية قد شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين، فهي المسئولة عن حفظ الأمن وعن راحة الحجاج وحفظ مقدسات الإسلام، فلا تسمح لأي مفسد ومخرب أي يهز أمنها ولا أن يتدخل في نظامها الإسلامي بما يخالفه ولا أن يمس كرامة أحد من المسلمين.

إنني أسأل الحجاج الإيرانيين وغيرهم هل يوجد في العالم دولة تحكم بما أنزل الله غير المملكة العربية السعودية، هل يوجد في العالم دولة دستورها كلام الله وسنة رسوله غير هذه المملكة؟ هل يوجد دولة في العالم تقيم حدود الله غير هذه المملكة العربية السعودية؟، ماذا يريد المخربون الإيرانيون حينما يخربون ويهتفون بالإسلام، إن الناس الواعين الفاهمين يعرفون أنهم يريدون هدم الإسلام وإيذاء المسلمين عند بيت رب العالمين.

إنهم يستترون بالإسلام ويهتفون باسم الإسلام كالذئب يلبس جلد النعجة، يستترون بذكر الإسلام والهتاف بالإسلام لإخفاء أهداف ماكرة مفسدة، يقولون بهواهم وينسبونه للإسلام، ما أشبه الجاهلية الحاضرة بالجاهلية الأولى أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:28]، إن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.

أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

اللهم احفظ بلادنا من المفسدين والمخربين....



[1] صحيح ، أخرجه مسلم : كتاب الحج – باب استحباب رمي جمرة العقبة ... حديث (1297) ولفظه : ((لتأخذوا مناسككم...)).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً