أما بعد:
فإن يومنا هذا يوم عظيم وعيد كريم حرمه الله وسماه يوم الحج الأكبر، إنه يوم عيد وفرح وأكل وشرب وذكر لله، فحجاج بيت الله الحرام يفرحون بإتمام مناسكهم وقضاء تفثهم، وبنفحات الله عليهم، ونحن نفرح بما سخر لنا من بهيمة الأنعام والاقتداء بسيد الأنام ، بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ [سورة الكوثر].
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الأضحية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فبالسورة المتقدم تلاوتها إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ، وأما السنة فحديث أنس قال: (ضحى رسول الله بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، سمى وكبر) متفق عليه، وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية فمنهم من جعلها واجبة لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا)) رواه أحمد وابن ماجه، والجمهور على أنها سنة مؤكدة لا ينبغي تركها لمن يقدر عليها، فطيبوا بها نفسًا أيها المؤمنون، وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها.
فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: ((ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من هراقة دم، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأظفارها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسًا)) رواه ابن ماجه والترمذي.
فالأضحية شريعة نبينا محمد وسنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهي فداء الذبيح إسماعيل، ولولا رحمة الله بهذا الفداء لكانت الأضحية بالأبناء؛ فأبونا إبراهيم عليه السلام سأل ربه أن يهب له من الصالحين فبشرته الملائكة بغلام عليم قال: أَبَشَّرْتُمُونِى عَلَىٰ أَن مَّسَّنِىَ ٱلْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشّرُونَ [الحجر:54]، فلما بلغ إسماعيل مع أبيه السعي رأى بإبراهيم في المنام أنه يذبحه، ورؤيا الأنبياء حق قال: يٰبُنَىَّ إِنّى أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ [الصافات:102]، قال الغلام: يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ [الصافات:102].
هذا ابتلاء وامتحان من الله واختبار، والله أعلم بإرادته وما سيكون فلما أسلم لأمر الله قال إسماعيل لأبيه: اجعل وجهي إلى الأرض حتى لا أرى السكين وأرحني، وتله للجبين وأهوى على رقبته بالسكين فناداه ربه يٰإِبْرٰهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَء ٱلْمُبِينُ وَفَدَيْنَـٰهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:104-107]. فالتفت إبراهيم فإذا هو بكبش أقرن أعين وفدي إسماعيل بهذا الذبح العظيم، فاحمدوا ربكم أيها المسلمون أن جعلت الأضحية من بهيمة الأنعام ولم يجعلها بأولادكم فطيبوا بها نفسًا.
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
وتجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته، وتجزئ البدنة وهي الناقة أو البعير عن سبعة، والبقرة كذلك، وتشرع الأضحية عن الميت ويصله ثوابها إن شاء الله؛ لأن النبي ذبح كبشًا فقال: ((باسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعن من لم يضح من أمتي)) رواه أحمد وغيره عن جابر، وضحى بكبش آخر وقال: ((اللهم هذا عني وعن أهل بيتي)) ومن أهل بيته ومن أمته من قد مات في ذاك الزمن، فهي إذن مشروعة في حق الميت ويصله ثوابها.
وأما ما شاع عن بعض العامة من أن أول أضحية للميت بعد موته لا يشركه فيها أحد فلا أصل له، فإذا كان المضحي متبرعًا فله أن يحشر نفسه مع الميت في الأضحية حتى ولو كانت الأولى فيقول: "اللهم تقبلها عني وعن والدي، أو عن فلان" وأما إن كانت من مال الميت كوصية أو وقف ونحوها فإنه لا يشرك فيها أحد لأنها من ماله وتخصه.
ويشترط في الأضحية أسنان معلومة، فيجزئ من الضأن الجذع وهو ما تم له ستة أشهر ودخل في السابع، ولا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا السني وهو من المعز ما تم له سنة ومن البقر ما تم له سنتان، ومن الإبل ما تم له خمس سنين.
ويشترط في الأضحية سلامتها من الأمراض والعيوب التي تنقص قيمتها، ويجزئ الخصي لما روى الحاكم وأحمد عن أبي رافع وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي ضحى بكبشين سمينين موجوئين وزاد أبي رافع (خصيين).
ولذبح الأضحية وقت محدود يبدأ من بعد صلاة العيد ويمتد إلى آخر أيام التشريق، فمن ذبح قبل الصلاة فليست بأضحية وإنما هي شاة لحم؛ لما روى البخاري عن أنس قال: قال رسول الله : ((من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين)) وللحديث المتفق عليه عن جندب بن سفيان أنه قال: ((من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى، ومن لم يذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله)) فاتقوا الله أيها المسلمون لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ [الحج:37].
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
راقبوا ربكم، احفظوا الله يحفظكم، تعرفوا إلى الله في الرخاء يعرفكم في الشدة، صلوا خمسكم وصوموا شهركم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم.
حافظوا على مكارم الأخلاق، عفوا تعف نساؤكم، غضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم إلا على أزواجكم ذلكم أزكى لكم، واحذروا قذف المحصنات الغافلات المؤمنات إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْغَـٰفِلَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنـٰتِ لُعِنُواْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:23].
بِروا آباءكم وصلوا أرحامكم وأحسنوا تربية أولادكم واعرفوا حق إخوانكم، اعرفوا حق إخوانكم المسلمين، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يخونه، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
الله أكبر ، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
اللهم إنا نسألك التوفيق والسداد، ونسألك الهدى والتقى والغنى والعفاف، اللهم أصلح شأن المسلمين، اللهم أصلح شأن المسلمين، واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور، استغفروا ربكم أيها المؤمنون وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
|