أما بعد:
فيا إخوة الإسلام في بلد الله الحرام، ويا حجاج بيت الله الكرام، إخوة الإيمان في مشارق الأرض ومغاربها، أوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا، فهي وصيته سبحانه للأولين والآخرين من عباده، يقول عز من قائل: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّـٰكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ [النساء:131].
عباد الله، حجاج بيت الله، أتدرون ما يومكم هذا؟ إنه يوم عيد الأضحى المبارك الذي عظَّم الله أمره ورفع قدره، وسماه يوم الحج الأكبر؛ لأن الحجاج يؤدون فيه معظم مناسكهم، يرمون جمرة العقبة ويذبحون هداياهم، ويحلقون رؤوسهم، ويطوفون بالبيت ويسعون بين الصفا والمروة، في هذا اليوم المبارك ينتظم عقد الحجيج على صعيد منى، بعدما وقفوا الموقف العظيم يوم عرفة، ورفعوا أكف الضراعة وذرفوا دموع التوبة والإنابة، وتضرعوا إلى من بيده التوفيق والإجابة، ثم أفاضوا إلى المزدلفة، وباتوا بها اتباعاً لسنة المصطفى القائل: ((خذوا عني مناسككم))، هذا اليوم المبارك ـ يا عباد الله ـ جعله الله عيداً يعود بخيره وفضله وبركته على المسلمين جميعاً حجاجاً ومقيمين، في هذا اليوم يتقرب المسلمون إلى ربهم بذبح هداياهم، اتباعاً لسنة المصطفى ، فقد نحر الهدي بيده الشريفة، في حجة الوداع ثلاث وستين بدنة، وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رسول الله ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون، لقد ورد الفضل العظيم والثواب الجزيل لمن أحيا شعيرة الأضاحي، في الحديث عنه قال: ((ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، وإنها لتأتي يوم القيامة بأظلافها وقرونها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله بمكانٍ قبل أن يقع على الأرض، وإن للمضحي بكل شعرة حسنة وبكل صوفة حسنة فأطيبوا بها نفساً)) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
ومما ينبغي أن يعلم ـ يا رعاكم الله ـ أن للأضحية ثلاثة شروط:
أولها: بلوغ السن المعتبر شرعاً، وهو خمس سنين في الإبل وسنتان في البقر وسنة في المعز ونصف سنة في الضأن. ثانيهما: أن تكون سليمة من العيوب التي تمنع الإجزاء وقد بينها بقوله: ((أربعة لا تجزئ في الأضاحي: العرجاء البين ضلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء وهي الهزيلة التي لا تنقي)) خرجه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه. ثالثها: أن تكون الأضحية في الوقت المحدد شرعا وهو: طلوع الشمس من يوم العيد إلى غروب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق، والأفضل في يوم العيد نهاراً، ولا بأس من الذبح ليلاً، وتجزئ الشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته كما في حديث أبي أيوب رضي الله عنه.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها الإخوة المضحون، ينبغي لكم الإحسان في الذبح بحد الشفرة وإراحة الذبيحة والرفق بها وإضجاعها على جنبها الأيسر، والسنة أن يأكل المسلم من أضحيته ويهدي ويتصدق منها، وأن يتولى ذبحها بنفسه، أو يحضرها عند الذبح، ولا يعطي جازرها أجرته منها، يقول عز وجل: فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ [التكاثر:2]، ويقول جل وعلا: وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلأنْعَـٰمِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّـٰبِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِى ٱلصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَـٰهَا لَكُمْ مّن شَعَـٰئِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَـٰهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ [الحج:34-37]، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
إخوة الإيمان، يعد هذا الاجتماع المهيب في هذا اليوم العظيم بآثاره الحميدة وحكمه السامية مظهر من مظاهر الوحدة الإسلامية، إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء:92]، ومعلم من معالم الأخوة الإيمانية التي جاء بها هذا الدين الإسلامي الحنيف الذي أكمله الله وأتمه للبشرية، ورضيه لنا دينا، فلا يقبل الله من أحدٍ دينا سواه، وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ [آل عمران:85]، لقد جاءت هذه الشريعة السمحة فأشرقت على أصقاع المعمورة أنوار الإيمان، ورفرفت على أرجائها رايات العز والأمن والاطمئنان، بعد أن كانت البشرية غارقة في أوحال الشرك والوثنية، ومستنقعات الرذيلة والإباحية، وأودية البغي والظلم والجاهلية، فحمل المصطفى راية الدعوة إلى الحنيفية السمحة، فأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، وكانت دعوته عليه الصلاة والسلام مرتكزة على أهم قضية على الإطلاق وأصل القضايا باتفاق، تلكم هي قضية العقيدة وتوحيد الله جل وعلا في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، فلا إله غيره، ولا رب للناس سواه، بذلك أنزلت الكتب وأرسلت الرسل، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ [النحل:36]، ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَـٰطِلُ [لقمان:30]، فمن الذي خلق العباد ورزقهم وأمدهم بالأسماع والأبصار والعقول والأفكار إلا الله وحده؟! وما سواه من ملك أو نبي أو ولي أو بشر أو حجر أو شعر أو قبراً أو ضريح أو سواه كائناً ما كان لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا، فالعجب أن يستمرئ أناس للتقرب للمخلوق الفقير الضعيف وينسون الخالق القوي الغني ءآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:59]، ءأَرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ [يوسف:39]، سبحانه وتعالى عما يشرك به المشركون علوا كبيرا، إذا تقرر ذلك ـ يا عباد الله ـ فواجب العباد أن يوحدوا ربهم في جميع أفعالهم وفي كل أحوالهم، فلا صلاة إلا لله، ولا دعاء إلا له، ولا ذبح ولا نذر ولا تقرب إلا إليه، ولا حلف ولا استعانة إلا به، قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162، 163].
فالتوجه إلى غير الله في الخطوب والملمات وكشف الكروب والمعضلات وسؤالهم شفاء المرضى وقضاء الحاجات وجلب المنافع ودفع المضار والكربات، كل ذلك شرك وضيع وجرم شنيع، إنه الذنب الذي لا يغفر، والكسر الذي لا يجبر، إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـٰلاً بَعِيداً [النساء:116]، فوحدوا ربكم ـ يا عباد الله ـ وأثبتوا له الأسماء الحسنى والصفات العلى، التي أثبتها لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تأويل، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ [الشورى:11]، احذروا إتيان السحرة والمنجمين، والكهنة والمشعوذين، وأدعياء علم الغيب والرمّالين، قُلْ أَفَرَايْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ ٱللَّهُ بِضُرّ هَلْ هُنَّ كَـٰشِفَـٰتُ ضُرّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَـٰتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكّلُونَ [الزمر:38].
معاشر المسلمين، بهذه العقيدة الصافية، وهذا التوحيد الخالص، عزت هذه الأمة وسادت، وسعدت وانتصرت وقادت، اجتمعت كلمتها، وتوحدت صفوفها، وإنه لا عز للبشرية اليوم ولا صلاح ولا سعادة للإنسانية قاطبة إلا بها، فبإتباع كتاب الله وسنة رسوله يتحقق للأفراد والمجتمعات ما ينشدونه، ويأمِّلونه من الخير والهدى، فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً [طه:123، 124]، ويقول فيما صح عنه عند مسلم وغيره: ((وإني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله)) وفي رواية: ((كتاب الله وسنتي)).
ألا ما أحوج الأمة الإسلامية وهي تمر في هذه المرحلة الدقيقة، واللحظات الحاسمة من تأريخها أن تعود إلى مصدر عزتها وقوتها وانتصارها، لا سيما وهي تواجه التحديات الخطيرة، والهجمات الشرسة، من أعدائها الذين يريدون نزع هويتها الإسلامية، وسلب مقوماتها، ونهب خيراتها ومقدراتها، لتكون لقمة سائغة لهم.
فيا أمة الإسلام، هذا دينكم وشرع ربكم وسنة نبيكم بين أيديكم، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، فوالله وبالله وتالله لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها، وإياكم والمحدثات من المناهج والأفكار والأهواء، والطرق والآراء، فإن خير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، والعياذ بالله.
إخوة الإسلام، لقد مرّت على هذه الأمة فترات متباينة عاشت فيها بين مد وجزر، تقوى تارة وتضعف أخرى، تتحد حيناً وتختلف أحيانا، ترتبط بالوحيين فتعلو وتتمسك بهما فتنجو، وتبتعد عن النورين فتخطوا وتتساهل في شرع ربها فتكبو، وحينما يتأمل المسلم أوضاع أمتنا الإسلامية عبر التاريخ كله ويحيل النظر في أحوالها على امتداد القرون والدهور، واختلاف الأمصار والعصور، يدرك تمامًا أن ما تمسكت الأمة بالثوابت والأمور العقدية، والمنهجية والأخلاقية لها، إلا حققت آمالها، ولا انحرفت عنها إلا تصدع بنيانها، واهتز كيانها، وأصبحت فريسة في أيدي أعدائها، يحتلون ديارها، ويعبثون بخيراتها ومقدراتها، ويمزقونها كل ممزق، حتى تصير أثراً بعد عين، وتمر القرون وتمضي الأعوام والسنون على هذه الأمة وترسو سفينتها على شاطئ عالمنا المعاصر بما فيه من أخطار وتحديات ودسائس ومغامرات، وتصيب أمتنا أنواع من المحن، وصنوف من الفتن ضعف ومهانة، فرقة وخلاف، تفرق في الكلمة تبعثر في الجهود، واختلال في الصفوف، تسلط من الأعداء، غزو فكري وعقدي وثقافي وأخلاقي، وصدق الله سبحانه: أَوَ لَمَّا أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، وهذا يدعو كل مسلم يمثل لبنة من لبنات المجتمع الإسلامي أن يعيد النظر في حاله ويحاسب نفسه، ويعلم أن الطريق إلى إصلاح حال الأمة هو البداية في إصلاح النفوس وتقويمها على ضوء الكتاب والسنة ومنهج سلف هذه الأمة، ومن هنا يأتي دور القادة والولاة والعلماء والدعاة والمفكرين ورجال التربية والتعليم والإعلام وحملة الأقلام ليؤدوا رسالتهم العظيمة لنشر الإسلام الحق وتربية الأجيال عليه، ويقفوا سداً منيعاً في وجه كل من أراد الميل به والإساءة إليه.
فيا قادة المسلمين، ويا أيها الولاة والحكام، إن مسؤوليتكم أمام الله عظيمة، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، سوسوا شعوبكم بكتاب الله، واحكموهم بسنة رسول الله، أقيموا الدين في عباد الله، أدوا الأمانة التي تحملتموها، واحكموا الناس بالعدل، وأداء الحقوق عدلاً في الرعية وقسماً بالسوية ومراقبة لله في كل قضية، كونوا سنداً وعضداً لأهل الخير والدعوة والحسبة والإصلاح، حكموا شريعة الله في أرض الله على عباد الله، اتخذوا من العلماء الربانيين بطانة، ومن أهل الصلاح والنصح مستشارين، تصلح أحوالكم وأحوال شعوبكم، وتبقى مكانتكم ويعم الأمن والأمان بلادكم، هذا واجبكم، أما حقكم فالسمع والطاعة لكم بالمعروف، يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، والنصح لكم والدعاء لكم وعدم الخروج على جماعتكم، ووضع الأيدي في أيديكم لما فيه صلاح العباد والبلاد.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
علماء الإسلام مكانتهم في هذا الدين عظيمة، أنتم ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل ورواد الإصلاح والمؤتمنون على البلاغ والدعوة والبيان، قوموا بواجبكم حق قيام، واحذروا تدنيس العلم بالأطماع الدنيوية والمقاصد المادية، كونوا قدوة صالحة للناس، فإذا صلح العلماء صلحت العامة، هذا وإن الواجب على الناس أن يحفظوا للعلماء مكانتهم، ويعرفوا قدرهم ومنزلتهم، ويذبوا عن أعراضهم، ويحذروا من الوقيعة بهم.
أيها الدعاة إلى الله، أنتم سلالة أنبياء الله وأحفاد رسل الله، قوموا بواجبكم في الدعوة إلى الله، لكن ثم لكن ثم لكن بالطريق السليم والمنهج الصحيح والأسلوب الحسن، لترتكز دعوتكم على العقيدة والإيمان، ولتتوج بالإخلاص والتجرد للواحد الديان، لا إلى طائفة ولا إلى مشرب ولا إلى مطامع شخصية ولا منهج غير منهج النبوة، لتتحد صفوفكم ولتتوحد كلمتكم، وليكن أسلوبكم في الدعوة متوسم الحكمة والبصيرة والموعظة الحسنة والرفق والمجادلة بالحسنى، وإنزال الناس منازلهم، حذار من العنف والغلظة وغلبة الحماس والعاطفة المنافية للتأصيل العلمي والتعقل في الأمور. وبعد النظر وسعة الأفق في الدعوة، لا تستعجلوا النتائج وقطف الثمرات فلستم مطالبين بذلك، تضرعوا بالصبر على ما تلاقون من الأذى الحسي والمعنوي، ترفعوا عن الخلافات الجانبية والإغراق في القضايا الفرعية، ركزوا على أصول الدين وقواعده الكلية، ابدؤوا بالمهمات والكليات ولا تختلفوا بسبب وسائل ... حذار أن يشتغل بعضكم ببعض، وأن تجعلوا من الخلاف في ما فيه سعة وممدوحة طريقا للشقاق والخلاف وإيغار الصدور بالحسد والبغضاء والغل والشحناء، وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران:103]، واعلموا ـ دعاة الإسلام ـ أنكم ستجدون في طريق الدعوة ألواناً من الابتلاءات، فالصبر الصبر والاحتساب الاحتساب، وإياكم واليأس والقنوط أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2]، وثقوا جميعاً ـ يا رعاكم الله ـ بنصرة دين الله، وإن العزة والكرامة لأهل الإيمان طال الزمان أو قصر، فتلك سنة الله فلن تجد لسنة الله تبديلا، في الحديث الصحيح عند الإمام أحمد والحاكم بسند صحيح أن رسول الله قال ((ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، حتى لا يدع بيت شجر ولا حجر إلا دخله بعز عزيز وذل ذليل، عز يعز الله به الإسلام وأهله، وذلٌ يذل به الكفر وأهله)).
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
يا أمة محمد ، يا خير أمة أخرجت للناس، قضية تعد صمام الأمان في المجتمعات يجب على الأمة الاضطلاع بها وإعزاز شأنها وتشجيع القائمين عليها مادياً ومعنوياً وأدبياً، تلكم هي قضية الحسبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه قوام هذا الدين، وبه نالت هذه الأمة الخيرية على العالمين، كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ [آل عمران:110]، فالواجب على المسلمين أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، كلٌ على حسب استطاعته، على درجات الإنكار المعروفة، ولا بد من تحلي الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بالرفق والعلم والحلم والحكمة، ليكون لعملهم الأثر الإيجابي، في بعدٍ عن مسالك القسوة والغلظة، فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
أمة الإسلام، الإعلام في هذا العصر قناة مهمة وشريان حيوي، يؤثر سلباً أو إيجاباً على الناس في مختلف شؤونهم، فالواجب على الأمة تسخير وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وسائر القنوات الفضائية للدعوة إلى الله ونشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة، فيا رجال الإعلام، اتقوا الله في مسؤولياتكم، أدوا أمانة الكلمة ولا تضيعوا مصداقية الحرف، تحروا الحقائق واحذروا التهويل والإثارة، اجعلوا من وسائلكم قنوات للدعوة والتوجيه لما فيه صلاح البلاد والعباد في المعاش والمعاد.
هذا، وإن مما ينبغي أن يعمل له المسلمون بجدٍ وإخلاص لا سيما أهل الثراء والمال وأصحاب المسئولية ورجال الأعمال الإسهام في إيجاد القنوات الإعلامية الإسلامية حتى لا تقع هذه الأمة في الإنهزامية والتبعية لأعدائها.
معاشر المسلمين، الغزو الفكري والأخلاقي المركز ضد المسلمين عبر الوسائل المختلفة مما ينبغي أن يحذره المسلمون ويتصدوا له بالتربية الصحيحة، والعناية بتقوية الإيمان في نفوس النشئ، وتنشئة الأجيال على ذلك، وعدم إتاحة الفرصة لوسائل الغزو الفكري والأخلاقي أن تتسلل إلى البيوت والأسر، كما ينبغي الحذر مما تبثه بعض وسائل الإعلام المغرضة عن الإسلام وأهله ووصفهم بأبشع الأوصاف، وإلفاق التهم بهم، وإشاعة مصطلحات موهمة يريدون بذلك تشويه صورة المسلمين، فكونوا على حذر من ذلك ـ إخوة الإسلام ـ درءاً للفساد والجريمة أن تتسلل إلى المجتمعات فتطوح بها بعيداً عن بر الأمان وشاطئ السلام.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أمة الإسلام، إن تقييم صفحات تاريخنا المعاصر وأوضاعنا الحاضرة يعطي صورة مأساوية لما آل إليه أمر المسلمين في كثير من الأقطار، أول صفحةٍ مأساوية نطرحها بكل حرارة هي القضية الساخنة في هذه الأونة قضية إخواننا المسلمين في إقليم كوسوفا المسلمة، التي وصلت أوج خطورتها وبلغت حداً لا يسع السكوت عليه، بل لا نكتفي بالشجب والإدانة والتنديد؛ لأن الأمر خطير جداً خطير، ضد عقيدتهم وحرماتهم وأحوالهم وبلادهم ومقدراتهم لا لشيء إلا لأنهم قالوا: ربنا الله، إننا لنتساءل: أين العالم من هذه المأساة؟ بل أين المسلمون عن الإنتصار لإخوانهم ومعايشتهم لمآسيهم ومشاطرتهم آمالهم وآلامهم؟! أين أدعياء حقوق الإنسان؟! أين المتبجحون بالإنسانية؟! لو قتل علج أو سجن أو أهين واحد من أعداء الإسلام لقامت الدنيا ولم تقعد!، ولاشتغلت وسائل الإعلام بالحديث حوله والمطالبة بالإفراج عنه والانتصار له!، ولكن المسلمين لا بواكي لهم، ودماؤهم أرخص الدماء مع الأسف الشديد، هل قتل علج واحد جريمة لا تغتفر، وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر!!، حسبنا الله ونعم الوكيل، إلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أين الحمية والغيرة؟! أين الإباء والشجاعة؟! أين الشهامة والرجولة؟! وأين الإسلام والإيمان؟! إن واجب المسلمين تجاه إخوانهم المستضعفين في شتى بقاع العالم الدعاء والضراعة إلى الله أن ينصرهم ويفرج عنهم، ويبذل المسلمون أموالهم لا سيما الأثرياء منهم لدعمهم.
وإذا قلبت صفحة أخرى من مآسي أمتنا الإسلامية وجدت ما يماثل ذلك ويقاربه، ما هي أحوال إخوانكم المسلمين في بورما وكشمير؟! لقد بغى عليهم الوثنيون بطمس هويتهم وتشريدهم من ديارهم وحرمانهم لممتلكاتهم؟ وعملوا فيهم قتلاً وتشريدا وتخويفاً وتنكيداً، ونحن لا نملك إلا شجباً وتنديداً، ما هي أحوال إخوانكم في فلسطين في الأرض المباركة؟ ما هي أحوال الأقصى الجريح والقدس الشريف؟ هذه إسرائيل الحاقدة تعيث في الأرض المباركة فسادا تريد الاستيطان والتوسع لنشر مذهبها الباطل ودينها المحرّف وبناء هيكلها المزعوم، كل ذلك بتحدٍ واستفزاز لمشاعر المسلمين، وعلى حساب المسلمين وبلادهم، إن ذلك امتداد لأحلامهم في الانتشار في العالم الإسلامي، آلا شاهت وجوه الصهاينة، أيعجز المسلمون وهم أكثر من مليار مسلم أن يقفوا أمام هذه الحفنة المجرمة والشرذمة الآثمة؟! غير أننا أصبحنا كما أخبر المصطفى بقوله: ((ولكنكم غثاء كغثاء السيل))، فالله المستعان، لا بد من رفع راية الجهاد في سبيل الله لتحرير المقدسات الإسلامية وإقامة علم الجهاد لدرء الشر وأهل الشقاق والفساد والكفر والعناد، لا بد من رفع راية الجهاد في سبيل الله لتحرير المقدسات الإسلامية من براثن الصهيونية الحاقدة الماكرة، ونرجو أن يكون ذلك اليوم قريباً بإذن الله، متى ما حققنا كلمة التوحيد ووحدنا كلمتنا عليها وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ [الحج:40].
أمة الإسلام، إنه كلما كبرت مآسي المسلمين فإن البشائر كثيرة، والفأل مطلوب، وأمة الإسلام أمة معطاء أنجبت القادة والعلماء والأبطال والعظماء، والخير فيها إلى قيام الساعة، فاليأس مردود، والتشاؤم مذموم، وبشائر نصرة الإسلام بادية متكاثرة بحمد الله، تعم أرجاء العالم الإسلامي بل العالم بأسره، الكل يريد الإسلام ويبحث عنه لما يمتاز به من تحقيق الأمن والأمان ومن توفر الكمال والشمول مما لا يتحقق في ظل الأنظمة الأرضية والشعارات البشرية الجاهلية التي بان عوارها وثبت إفلاسها، وصدق الله: ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3]، وإن المستقبل بحمد الله لهذا الدين القويم، وإن النصر والعز والتمكين للمؤمنين، وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ [المنافقون:8].
اللهم أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يهيئ لهم من أمرهم رشدا، وأن يتقبل من حجاج بيته الحرام حجهم، وأن يجعل حجهم مبروراً وسعيهم مشكورا وذنبهم مغفورا، إنه جواد كريم.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|