أما بعد:
فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ـ أعاذني الله وإياكم من النار.
أيها الإخوة المؤمنون، تعلمون ـ رحمني الله وإياكم ـ بأننا نعيش في هذه الأيام، أياماً فاضلة، أياماً من أفضل الأيام، العمل فيها ليس كالعمل في غيرها.
يقول الرسول : ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر)). قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟
قال : ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)).
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله : ((ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)).
أيها الإخوة المؤمنون، في هذه الأيام يشرع التكبير، فهو من هدي النبي في مثل هذه الأيام، والتكبير ـ أيها الإخوة ـ عبادة من أعظم العبادات، أمر الله به، وحث عليه، فقال عز وجل: وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِىٌّ مَّنَ ٱلذُّلّ وَكَبّرْهُ تَكْبِيرًا [الإسراء:111]، ويقول سبحانه: وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]، ويقول أيضاً في سورة المدثر: وَرَبَّكَ فَكَبّرْ [المدثر:3].
فالتكبير عبادة، يروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: (قول العبد: الله أكبر، خير من الدنيا وما فيها).
يقول البخاري ـ رحمه الله ـ كان عمر بن الخطاب يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل السوق حتى ترتج منى تكبيراً.
وقال أيضاً: كان ابن عمر وأبو هريرة ـ رضي الله عنهما ـ يخرجان إلى السوق في أيام العشر، يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.
فأحيوا سنة التكبير يا عباد الله، قولوا: الله أكبر، قولوها بألسنتكم، واستشعروا معناها في قلوبكم، فإن الله أكبر من كل شيء.
ثبت عن ابن مسعود أنه قال: (بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء ـ الماء الذي فوقه العرش ـ خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم). لا يخفى عليه شيء من أعمالكم!
عبد الله! يا مسلم! إن قولك: الله أكبر، ليست بشيء بجانب عظمة العظيم سبحانه، فقلها واصدع بها، ولا تأخذك في الله لومة لائم.
أيها الإخوة المؤمنون: ومن الأعمال الصالحة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها، صيام يوم عرفة، اليوم التاسع من هذا الشهر، فهو يوم عظيم، فيه كمل الدين، وفيه يعتق الله ما شاء من عباده من النار، وفيه يدنو الله جل جلاله يباهي بعباده الملائكة، وصيامه يكفر سنتين، سنة قبله وأخرى مثلها بعده، بذلك أخبر النبي فقال: ((صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)).
فصوموا ذلك اليوم يا عباد الله، فإن صيام يوم تطوعاً، قد يكون سبباً لنجاة صاحبه من النار، ففي الحديث: ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفاً)).
أيها الإخوة المؤمنون، وفي ختام هذه الأيام العشر، سيكون عيد الأضحى، فاليوم العاشر من هذه الأيام هو أول أيام العيد، ويوم عيد الأضحى يوم عظيم، قد رأى بعض أهل العلم، أنه أفضل أيام السنة، رأى بعضهم أنه أفضل حتى من يوم عرفة، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ: خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر، كما في السنن لأبي داود عنه قال: ((إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر))، ويوم القر: هو يوم الاستقرار في منى، وهو اليوم الحادي عشر.
وبعض العلماء قالوا: يوم عرفة أفضل، لأن صيامه يكفر سنتين، وسواء كان هو أفضل أم يوم عرفة، فعليك أيها المسلم أن تحرص على ما يقربك إلى الله عز وجل في ذلك اليوم.
ومما يقرب إلى الله في يوم العيد: الحرص على صلاة العيد، وحضورها مع المسلمين، فاحرص ـ أخي المسلم ـ على صلاة العيد، وإياك أن تكون من الذين يثبطهم الشيطان، فيفضلون النوم على هذه الشعيرة العظيمة . فقد رجح بعض أهل العلم، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية بأن صلاة العيد واجبة، واستدلوا بقوله تعالى: فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ [الكوثر:2]، ولا تسقط صلاة العيد عن أحد إلا بعذر شرعي، حتى النساء، عليهن أن يصلين العيد، ويشهدن صلاة العيد مع المسلمين، بل حتى الحيض والعواتق، إلا أن الحيض يعتزلن المصلى.
فاتق الله يا عبد الله، وصل العيد ولا تكن من الذين قال الله عنهم: وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لاعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَـٰعِدِينَ [التوبة:46].
أيها الإخوة المؤمنون، ومن الأمور التي ينبغي التنبيه عنها في صلاة العيد: الاغتسال والتطيب للرجال ولبس أحسن الثياب، بدون إسراف ولا إسبال، وأما حلق اللحى الذي يعتقد بعض الناس أنه يتزين به، فهو والله ليس بزينة، وكيف تكون الزينة بما حرم الله، فلنحذر مخالفة السنة يا عباد الله.
ومنها أيها الإخوة، أنه من السنة لمن كان له أضحية أن يذبحها بعد صلاة العيد، من السنة أن لا يطعم شيئاً قبل صلاة العيد حتى يذبح أضحيته فيأكل منها بعد الصلاة، فهذا من سنة النبي فقد كان صلوات ربي وسلامه عليه لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته.
أسأل الله لي ولكم علماً نافعاً، وعملاً خالصاً، وسلامة دائمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|