أما بعد:
فاتقوا الله – عباد الله – حق التقوى، وأخلصوا له العبادة والدعاء.
عباد الله، لا تقع المصائب ولا تنزل الشدائد ولا تحل المحن إلا بأسباب وموجبات، أساسها وأصل مرتكزها الذنوب من العباد والعصيان في البلاد، وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ [الشورى:30]، ويقول : ((وما منع قوم زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا))[1].
وإن المتبصر في واقع الناس اليوم ليرى من ذلك واقعاً مشاهداً وبرهاناً ملموساً، وإن الناس في أماكن شتى ليعانون من جدب الديار وقلة الأمطار، حتى إن الأمر أصبح مقلقاً لدى الخبراء بهذا الشأن، وأصبحت مشكلة قلة المياه مشكلة تعاني منها دول ومجتمعات، يبحثون عن الحلول لها، ويتطلعون الرؤية المستقبلية بشأنها.
ألا وإن الخلاص الحقيقي والأمن من تلك الأخطار المحْدقة يكمن في معرفة العباد على الأسباب الحقيقية والموانع اليقينية، وهي ما نقطع به من كتاب ربنا جل وعلا، وسنة نبينا محمد ، أنه ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، وما حلّت النقم وسُلبت النعم إلا بارتكاب المعاصي والآثام، فوالله ما كان قوم قط في غظ نعمة من عيش فزال عنهم إلا بذنوب اجترحوها، ومساوئ اقترفوها، وما الله بظلام للعبيد.
إخوة الإسلام، نشكو من الجدْب والقحط وقد استغاث المسلمون مراراً فلم يمطروا، فلا بد من مراجعةٍ للأحوال، وتفقدٍ للأوضاع، فمن قواطع الشرع أن الدعاء سببٌ لجلب الخيرات ودفع المضرات، فهل – يا ترى – تحققت شروط الاستجابة وانتفت موانعها؟! لا بد من أن نحدث توبة صادقة وإنابة حقيقية إلى الله جلا وعلا مع الصدق في النوايا والإخلاص في الأفعال والأقوال، قال علي رضي الله عنه: (ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم وتزول عنهم النعم فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم وولهٍ من قلوبهم لرد عليهم كل شاردٍ وأصلح لهم كل فاسد) [2].
إخوة الإسلام، من حِكَم الله جل وعلا حبْس الأمطار عن بعض الأماكن والبلدان في بعض الأوقات والأزمان، ليتذكروا ويعتبروا ويصلحوا، وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بِٱلسّنِينَ وَنَقْصٍ مّن ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأعراف:130]، وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ لِيَذَّكَّرُواْ [الإسراء:31]. فالواجب أن تكون القلوب من الوحيين مرتوية، والصحائف من الأعمال الزاكية مُربعة، يقول الله جل وعلا: وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّاء غَدَقاً [الجن:16].
فيا أيها المؤمنون، ابتهلوا إلى ربكم بصدق واضطرار، وتوجوا إليه واثقين برفع الأضرار، واعلموا أن من أعظم أسباب الخيرات وحصول المسرات وكشف البليات التوجه إلى الملك الغفار بالتوبة والاستغفار، الاستغفار المقرون بمسيرة الاستقامة والهدى، الاستغفار الحقيقي والتوبة الصادقة، اللذان يعيدان إلى جادة الاستقامة ويردان إلى مسالك الحق والخير في جميع شؤون الحياة وشتى مجالاتها.
اللهم فلك الحمد ربنا وإليك المشتكى، وأنت المستعان وعليك التكلان، وأنت حسبنا ونعم الوكيل. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً عاماً نافعاً عاجلاً غير آجل.
اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرّ لنا الضرع، وأنزل علينا من بركات السماء.
اللهم أنت أعظم مأمول، وأكرم مرجو، وبنا فاقة لا يجبر مسكنتها إلا أنت، ولا يُخرج منها إلا جودك ومنّك وكرمك، اللهم فلا تردَّنا خائبين، اللهم فسارع لنا بالإجابة يا عظيم، اللهم ارحم أنين الآنّ، وحنين الحانّ، اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
عباد الله، اذكروا الله ذكراً كثيراً، وألحوا في الدعاء إلى الله جل وعلا، وتيقنوا بالإجابة منه سبحانه، وآخر دعوانا حمدٌ لله رب العالمين، وصلاةٌ وسلامٌ على أشرف الأنبياء والمرسلين.
[1] أخرجه ابن ماجه في: الفتن، باب: العقوبات (4019)، والطبراني في الكبير (12/446)، والأوسط (5/62) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وصححه الحاكم (4/540)، قال الهيثمي في المجمع (5/318): "رجاله ثقات"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (106).
|