الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا إله إلا الله الولي الحميد، لا إله إلا الله المؤمَّل لكشف كل كرب شديد، لا إله إلا الله المرجو للإحسان والمزيد، لا إله إلا الله مجيب دعوة المضطرين، لا إله إلا الله فارج همِّ المهمومين، لا إله إلا الله مجزل النعم على جميع المخلوقين، سبحان مجيب الدعوات، سبحان فارج الكربات، سبحان مغيث اللهفات، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه العظمى، وآلائه التي تترى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العلي الأعلى، له الخلق والأمر، وبيده النفع والضر، وكل شيء عنده بأجل مسمى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، نبيه المصطفى، وخليله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، أئمة الهدى، وبدُور الدجى، ومن سار على هديهم واقتفى، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وامتثلوا أمره ولا تعصوه، وتقربوا إليه جل وعلا بالأعمال الصالحة، وبادروا أعماركم بالتوبة والإنابة، وتذكروا – عباد الله – أنه ما يصيب البلاد من قلة الغيث ونقص الأمطار، وما ينشأ عن ذلك من غور العيون والآبار، وحصول التلف في الزروع والثمار، وكثرة المصائب المتنوعة، والكوارث المروّعة، وفشوِّ الأمراض المستعصية، وغير ذلك مما يحل بالعباد والبلاد، من مصائب ورزايا، إنما هو بسبب الإعراض عن طاعة الله، وارتكاب الذنوب والآثام، كما قال سبحانه: ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].
وإن مما يؤسى له عظيم الأسى ما يُرى من ارتكاب المعاصي، ومجاهرة بالمنكرات، في مظاهر مألوفة، في كثير من بلاد الإسلام ومجتمعات المسلمين، حتى بلغ الإعراض عن طاعة الله ببعض أهل الإسلام إلى التعلق بالمخلوقين من دون الله، والاستعانة بالأموات، وسؤالهم العون والمدد، وكشف البلاء والكرب، والله عز وجل يقول: أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوء وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاء ٱلأرْضِ أَءلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].
ولقد أدى الإعراض عن طاعة الله ببعض بني الإسلام إلى إهمال كثير من شعائر الملة والدين، من إضاعة للصلاة، ومنع للزكاة، وتعامل بالربا، وتحايل على أكل أموال الناس بالباطل، ونقص للمكاييل والموازين، وغشّ وخداع في المعاملات، واتباع للأهواء والشهوات، وكثرة الإحن والشحناء والعداوات، وتعاطي المخدرات والمسكرات، واقتراف الفواحش والمنكرات، وخلع جلباب الحشمة والحياء، والتبرج والسفور في النساء، والإغراء بالفتنة، وارتفاع أصوات المعازف والمزامير، والاستطالة في أعراض عباد الله، بالغيبة والنميمة والبهتان والافتراء، وضعف الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وترك الحكم بما أنزل الله، في كثير من بلاد الإسلام، وغير ذلك من بلاء عظيم وشر مستطير، مما كان سبباً في توالي المصائب والمحن على أمة الإسلام، حتى أصبحت تعاني أوضاعاً مؤلمة، وتعايش مآسي محزنة في كثير من بلادها وأقطارها، وهذه سنة الله في خلقه، ولا تبديل لسنته، أنه ما ظهرت المعاصي في أمة إلا أذلتها، ولا تمكنت من قلوب إلا أعمتها، ولا فشت في ديارٍ إلا أهلكتها، حتى تدع الديار بلاقع، وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَةً لّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ [هود:102، 103]، وفي الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشى فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين، وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله تعالى، ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)) [رواه ابن ماجه والحاكم وصححه].
فاتقوا الله عباد الله واشكروه تعالى على ما تنعمون به في هذه البلاد المباركة من أمن وارف، وعدل شامل، ونعم وافرة، وخيرات متكاثرة، قلَّ نظيرها، وعز مثيلها، فاحفظوا هذه النعم، وقيدوها بالشكر لله جل وعلا، فقد قال سبحانه: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].
ولتحذروا – عباد الله – بأس ربكم وسخطه، وفجاءة نقمته، وتحول عافيته، وزوال نعمه، فإن الله تعالى لم يكن مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فأقبلوا على ربكم وأطيعوه، واستغفروه وتوبوا إليه، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، وإن الله عز وجل يقبل توبة التائبين، ويعفو عن المستغفرين إذا لجؤوا إليه صادقين منيبين؛ فإن الإكثار من الاستغفار والتوبة من أسباب تنزل الرحمات الإلهية، والألطاف الربانية، وحصول الفلاح في الدنيا والآخرة، كما قال عز شأنه: لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل:46]، وقال عز وجل: وَتُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقال سبحانه حكاية عن نوح عليه الصلاة والسلام: فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مدرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً [نوح:9-12]، وقال عز وجل حكاية عن هود عليه الصلاة والسلام: وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ [هود:52]، وفي الحديث عند الإمام أحمد وأبي داود أنه قال: ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همّ فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب))، وقال في معرض حثّ الأمة على كثرة الاستغفار والتوبة: ((إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)) رواه البخاري في صحيحه، ولما خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستسقي لم يزد على الاستغفار، فقالوا له: ما رأيناك استسقيت!! فقال: (لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر).
فشأن أهل الإيمان الخلّص، وأرباب التقوى اللجوء إلى الله تعالى على الدوام، وكثرة التوبة والاستغفار، صادقين مخلصين، غير يائسين ولا مصرّين، يستغفرون الله بألسنتهم وقلوبهم، ويتوبون إليه توبة نصوحاً، عملاً بقوله عز وجل: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ [التحريم:8].
عباد الله، إنكم قد شكوتم جدب الديار، وانحباس القطر والغيث عن البلاد، وتأخر نزوله عن الحروث والزروع، وإن الله تعالى ما ابتلاكم بذلك إلا لتقبلوا عليه، وتلتجئوا إليه، فابتهلوا إليه تعالى ضارعين مخبتين، أن يكشف عنكم ما حلّ بكم من جدب وقحط، وادعوه وألحوا في الدعاء، فإن الله يحب الملحين في الدعاء، فقد قال عز شأنه: ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55]، وقال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ [غافر:60].
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت ربنا ونحن عبيدك، ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا، إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
لا إله إلا أنت، سبحانك إنا كنا من الظالمين، على الله توكلنا، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئا، غدقاً طبقاً مجلّلاً، سحاً عاماً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق.
اللهم اسق بلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت.
اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك، واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين.
اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، اللهم أنزل علينا من السماء ماءً طهوراً، فأحي به بلدة ميتاً، وأسقه مما خلقت أنعاماً وأناسي كثيراً.
اللهم اسقنا الغيث، وآمنا من الخوف، ولا تجعلنا آيسين، ولا تهلكنا بالسنين.
اللهم يا من وسعت رحمته كل شيء، ارحم الشيوخ الركع، والأطفال الرضع، والبهائم الرتع، وارحم الخلائق أجمع، برحمتك يا أرحم الراحمين.
رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَـٰنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ [البقرة:286].
رَبَّنَا ءاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ [البقرة:201].
عباد الله، لقد كان من هدي نبيكم قلب الرداء حينما استسقى، فتأسوا به ، واجتهدوا في الدعاء، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، عسى ربكم أن يرحمكم، فيغيث قلوبكم بالرجوع إليه، وبلادكم بإنزال الغيث عليه.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
|