وبعد:
أيها المسلمون، من نعم الله العظيمة علينا أن جعلنا مؤمنين, ومن أمة أفضل وخاتم الأنبياء والمرسلين, الذي أرسله الله عز وجل رحمة للعالمين قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ [الأنبياء:107]. وأخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه الطيبة المباركة الشريفة فقال: ((إنما أنا رحمة مهداة))، فلك الحمد ربنا، ولك الثناء والشكر والمجد أن بعثت فينا نبياً كريماً ومن أنفسنا رسولاً رحيماً قال تعالى: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة:128].
أيها المسلمون، إن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والفرح ببعثته والسرور بمولده من الإيمان, ومن حقوقه أن يكون الله ورسوله أحب إلينا من كل شيء، أخرج البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعدما أنقده الله منه كما يكره أن يقذف في النار)).
وثمرة المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تكون بصدق اتباعه ظاهراً وباطناً, والمسلم الحق المحب والمعظم لسيدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي يذكره في كل يوم وليلة، ويحيي أقواله وأعماله ويجتهد في التأسي والاقتداء به قال تعالى: لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
المسلم الصادق في حبه والمخلص في اتباعه لا ينساه أبداً ولا يغفل عن ذكره في كل يوم وليلة, وكيف يغفل عن ذكره والصلاة والسلام عليه وقد أحيا الله ذكره ورفع شأنه فحيثما ذكر اسمه جل وعلا يذكر اسم رسوله صلى الله عليه وسلم، في كل أذان ونداء للصلاة, وفي كل إقامة وفي كل صلاة، فرضاً كانت أو نفلاً، ففي التشهد يصلي ويسلم عليه المسلم مما يزيد على الثلاثين مرة جهراً وسراً، جهراً يملأ بها الكون والأفق، وينبه العباد الغافلين والعصاة المنحرفين لاتباع سيرة وهدي سيد المرسلين، وسراً يملأ بها قلوب وحس المؤمنين ليكون قدوة لهم وللعالمين، قال تعالى معدداً نعمه على نبيه الأمين أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ٱلَّذِى أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ وَإِلَىٰ رَبّكَ فَٱرْغَبْ [سورة الشرح].
أيها المسلمون والمسلمات، اتقوا الله تعالى وتمسكوا بهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن تمام وصدق محبتكم له إحياء سنته, وإظهار شريعته ونصر دعوته, دعوة التوحيد والتزكية وتحقيق الوحدة والحذر من الخلاف والاختلاف، فاصدقوا في نبيكم صلى الله عليه وسلم بالأعمال، وليس بالدعاوى و الأقوال، والدعاوى إذا لم تقم عليها بينات فأهلها أدعياء, فالخير والسعادة والتوفيق والهدى والأمن في السير على نهجه والاعتصام بسنته، فهو من نعم الله علينا، وقد منّ الله علينا بنبوته ورسالته ليخرجنا من الظلمات إلى النور قال تعالى: لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ [آل عمران:164].
أيها المسلمون، ويا أيها الحاضرون، لنسأل أنفسنا: هل نحب فعلاً رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وهل هو أسوتنا وقدوتنا؟ ما صدق محبتنا له؟ وما دليلها؟ ما درجتها؟ وما آثارها ؟ وهل مجتمعنا صادق في هذه المحبة؟ إننا نؤمن به ونشهد أنه رسول الله ونؤمن بما جاء به من عند ربه عز وجل, لكن أضعنا كثيراً من أوامره وأعرضنا عن تحكيم شريعته وهجرنا شمائله وأخلاقه, وشباب الأمة ونساؤها تركوا هديه واتباعه وتقليده إلى تقليد واتباع الكفار أعداء الله وأعداء رسله صلى الله عليهم وسلم، فالفلاح لمن آمن به واتبعه قال تعالى: فَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157].
فينبغي علينا الاعتراف بتقصيرنا في حسن اتباع رسولنا صلى الله عليه وسلم، ومن ثم نصلح هذا الخطأ, وإن كذبنا على أنفسنا فمظاهر الحرام الكثيرة والفساد المنتشرة في كل مكان شاهدة على ذلك، من ارتكاب الكبائر وغشيان المحرمات, وشيوع المعاصي والفواحش والمنكرات، وتضييع الواجبات وانتشار الدعارة والزنا والربا, والغش والرشوة والظلم والبغي وقطيعة الرحم, والتخلي عن الآداب ونزع الحجاب، ولبس الألبسة الفاتنة الضيقة كالسروال وغيره حيث تظهر المفاتن وتحجم العورات وتشتعل بذلك نار الغرائز وتوقد الشهوات, ضف إلى ذلك ضعف الرابطة الأخوية الإيمانية من الوحدة والمودة وهضم الحقوق الشرعية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية كحقوق الوالدين وحقوق الأقارب وحقوق الإخوان وحقوق الجيران قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11].
|