الحمد لله الذي خلق الإنسان من تراب، وفاوت بين الناس في الأخلاق والآداب، كما فضل بعض الأزمنة على بعض بحكمته، ووفق من شاء لطاعته برحمته. أحمده سبحانه على كل حال، وأشكره على دوام الإنعام والإفضال، وأشهد أن لا إله إلا الله المتفرد بالجلال والكمال، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، يعلم ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، بلغ البلاغ المبين، صلى الله عليه وعلى خلفائه الراشدين، وآل بيته الطيبين، وصحابته الكرام الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد، معاشر المؤمنين فإن لهذه العشر فضائل وخصائص تجعل المؤمن الحريص على آخرته لا يفرط في دقائقها قبل ساعاتها، فمن هذه الخصائص:
أولاً: اجتهاد النبي فيها فوق ما كان يجتهد في غيرها، كما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (وكان رسول الله يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) [رواه مسلم]. وما أشرنا إليه كذلك من شد المئزر منه عليه الصلاة والسلام كذلك اجتهاداً منه في طاعة ربه، فلنقتد به ولنتأس به .
ثانياً: ومن خصائص هذه العشر أن فيها ليلة القدر كما ذكرن وهذه الليلة لها خصائص كثيرة منها:
أنه نزل فيها القرآن، قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ [القدر:1]. وقال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ [الدخان:3]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله ).
وصفت هذه الليلة بأنها خير من ألف شهر في قوله تعالى: لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:3]. وهذا كما قال أهل العلم يعني أنها تعدل بضعاً وثمانين سنة.
وصف الله هذه الليلة بأنها مباركة كما قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ [الدخان:3]. تنزل فيها الملائكة والروح، وهو جبريل عليه السلام، فتنزل الملائكة في هذه الليلة بكثرة، والملائكة لا تنزل إلا مع نزول الرحمة والبركة.
وصفها بأنها سلام، يعني سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً أو يعمل فيها أذى كما قال أهل العلم. وتكثر فيها السلامة من العقاب والعذاب لما يقوم به العبد من الطاعة والقربة لله تعالى.
ومن خصائصها قول الله تعالى فيها: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:4]. أي يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة وما يكون فيها من الآجال و الأرزاق، وما يكون فيها إلى آخرها. كل أمر محكم لا يبدل ولا يغير، وكل ذلك مما سبق علم الله به وكتابته له، ولكن يظهر للملائكة ما سيكون فيها ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم.
من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وقد ذكرنا الحديث الوارد في ذلك في الخطبة الأولى.
ثالثاً: من خصائص العشر كذلك اختصاص الاعتكاف فيها بزيادة الفضل على غيرها من أيام السنة. وقد اعتكفها رسول الله كما روت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ثم اعتكف أزواجه من بعده) متفق عليه.
هذه أيها المؤمنون بعض خصائص هذه العشر، والسعيد من وفقه الله للطاعة وتقبل منه والشقي من ضيع هذه الليالي في معصية الله أو بلا قربة لله.
|