أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق تقواه وأطيعوه ولا تعصوه.
واستكمالاً لموضوع سابق نتكلم في هذه الخطبة أيضاً عن بعض الحقوق التي علينا، علنا نقوم بما نستطيع منها تنفيذاً لأمر الله ورسوله وإقامة للعدل بين المسلمين والذي لا يقوم إلا بمعرفة الحقوق ومن ثم أداءها لمستحقيها على الوجه الذي يرضي ربنا عنا.
فمن الحقوق التي أمرنا الله عز وجل بأدائها حقوق الأقارب، وهم كل من يمت إليك بصلة القرابة قال تعالى: وَءاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ [الإسراء:26]. وقال عز من قائل: وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً [النساء:36].
فيجب على كل قريب أن يصل قريبه بالمعروف ببذل الجاه والنفع البدني والمالي بحسب ما تتطلبه قوة القرابة والحاجة.
وقد كثرت النصوص في الحث على صلة الرحم ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة فقال الله: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك قالت: بلى! قال: فذلك لك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرءوا إن شئتم: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ أَوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَـٰرَهُمْ [محمد:22-23])).
وكثير من الناس اليوم مضيعون لها الحق مفرطون فيه، تجد الواحد منهم لا يعرف لقرابته الصلة، لا بالمال ولا بالجاه ولا بالخلق، تمضي الأيام والشهور وما رآهم ولا قام بزيارتهم ولا تودد إليهم بهدية، ولا دفع عنهم ضرورة أو حاجة، بل ربما أساء إليهم بالقول والفعل، يصل البعيد ويقطع القريب، بل لقد امتلأت المحاكم بالشكاوى من الأقارب بعضهم لبعض، يتنافسون حطاماً من الدنيا، كلّ منهم يحاول أن يأكل حق الآخر.
ومن الناس من يصل أقاربه إن هم وصلوه، ويقطعهم إذا قطعوه، وهذا ليس بواصل في الحقيقة وإنما هو مكافئ للمعروف بمثله.
والواصل حقيقة هو الذي يصل قرابته ولا يبالي أوصلوه أم لا .كما في صحيح البخاري عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)).
فاتقوا الله أيها المسلمون وقومواً بهذا الحق الواجب عليكم، وصلوا أرحامكم، فإن صلة الرحم نور في الدنيا والآخرة، ولو لم يكن في صلة الرحم إلا أنها سبب في أن يصل الله الواصلَ في الدنيا والآخرة لكفى، فضلاً عن ما فيها من الخيرات في الدنيا والآخرة، من تفريج لكربات وإشاعة المحبة في المجتمع الواحد.
ومن الحقوق الواجبة علينا أيها المسلمون حق الزوج على زوجته.
وحقوق الزوج على زوجته لا شك أنها أعظم من حقوقها عليه فقد قال تبارك وتعالى مبيناً ذلك وموضحه: وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ [البقرة:228]. فمن حقوق الزوج على زوجته أن تطيعه في غير معصية الله وأن تحفظه في سره وماله فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)) [رواه الترمذي وقال: حسن].
ولقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم رضا الزوج عن زوجته من أسباب دخول الجنة فقد روى الإمام الترمذي رحمه الله من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة)).
أما حقوق الزوجة على زوجها:
أن يقوم بواجب نفقتها من الطعام والشراب والمسكن، سئل صلوات ربي وسلامه عليه ما حق زوجة أحدنا قال: ((أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت)).
ومن كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل.
فاتقوا الله أيها المسلمون وقومواً بهذا الواجب.
ومن الحقوق الواجبة علينا أيضاً حق الجيران، فالجار هو القريب منك بالمنزل، وله حق عليك كبير، فإن كان قريباً منك في النسب وهو مسلم فله ثلاثة حقوق، حق الجوار وحق القربى وحق الإسلام، وإن كان بعيداً وهو مسلم فله حق الجوار وحق الإسلام.
وأن كان غير مسلم فله حق واحد وهو حق الجوار، قال تعالى: وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً وَبِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ [النساء:36].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)).
فمن حقوق الجار على جاره أن يحسن إليه بما استطاع قال صلوات الله وسلامه عليه: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره)).
ومن حقوق الجار على جاره أن يكف عنه الأذى القولي والفعلي فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن. قالوا: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه)) وفي رواية أخرى ((لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه)) والبوائق هي الشرور.
فمن لا يأمن جاره شره فليس بمؤمن كامل الإيمان ولا يدخل الجنة إلا أن يشاء الله، وكثير من الناس الآن لا يهتمون بحق الجوار ولا يأمن جيرانهم شرورهم فتراهم دائماً في نزاع معهم وشقاق واعتداء على الحقوق وإيذاء بالقول أو الفعل.
وهنا صورة منتشرة من صور إيذاء الجار عند بعض الناس وهي رفع أصوات الأجهزة بالأغاني المؤذية فيتأذى الجار من هذه الأصوات المزعجة، فمع ما في هذه الأغاني من المعاصي فهي أذية للجيران.
فاتقوا الله أيها المسلمون وكفوا الأذى عن جيرانكم بالقول والفعل، نفعني الله وإياكم بهدي سيد المرسلين.
أقول ما تسمعون. .
|