أما بعد: بعد أن عرفنا معاني فصل الصيف عند الناس ومفهوم الشرع الإسلامي نجد أمامنا الآن سؤالاً يطرح نفسه وهو كالتالي: كيف يستقبل الناس فصل الصيف في مجتمعنا اليوم؟
والجواب نأخذه من واقعنا الذي نعيشه اليوم، حيث إن فصل الصيف تظهر فيه ثلاثة أمور في مجتمعنا، وهي أمور يراها ويشاهدها كل واحد منا، ولا يكاد أحد من الناس يكذب بها أو يعاند في تكذيبها وهي: 1- قامة المواسم حول الأضرحة والقبور، 2- إقامة الحفلات والأعراس للزواج أو الختان أو غيره، 3- الاصطياف في الشواطئ والجبال.
فلنستعرض ما يفعله الناس في هذه الأشياء الثلاثة مع شيء من الاختصار والإيجاز، ثم نحكم عليها انطلاقًا من كتاب الله وسنة رسوله .
فالأمر الأول: هو إقامة المواسم حول الأضرحة والقبور، فترى الناس يشدون الرحال إلى كل مكان فيه قبر أو ضريح أو مشهد، بدعوى المحبة والتوسل والتبرك، فيحملون الزروع والأبقار والأغنام التي هي من نعم الله، لا من أحد غيره، وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ [النحل: 53]، فيبذّرون الأموال ويصرفون النعم في ما يغضب الله تعالى ويتنافى مع الشكر المأمور به شرعًا، إضافة إلى شرب الخمور وسماع الغناء الفاحش وتعاطي الفجور والفساد واختلاط الرجال بالنساء والإساءة إلى القبور والموتى وإهانتهم بالذبائح عليها وتلويثها بالدماء واتخاذها شريكًا مع الله تعالى بالدعاء والاستغاثة والنداء والطواف، حتى أصبح بعضهم يسمي بعض القبور بحج المسكين.
فخبروني بربكم يا مسلمون: ماذا تقولون في هذا وأنتم عقلاء؟! فكل هذه الأشياء تتنافى مع العقل السليم، فكيف لا تتنافى مع الشرع الحكيم؟! فكل هذه الأشياء والأعمال ضروب من الشرك التي جاء الإسلام للقضاء عليه، قال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الزمر: 65]. هذا هو حكم الإسلام على هذا الأمر الأول.
أما الأمر الثاني فهو إقامة الحفلات والأعراس، نعم إن الإسلام لا يعارض إقامة حفلات الزواج أو العقيقة، ولكن ليس كما يفعله كثير من الناس من إسراف في الطعام والشراب والاجتماع على المغنين والمغنيات بما يسمى المجموعات (الكروبات) من الشباب الماجن الخليع، وما يصاحب ذلك من إحضار الخمر الملعونة والملعون كل من شربها أو ساعد على وجودها وبيعها وتداولها, زد على ذلك إحداث الفوضى والضجيج وأذى الجيران وإذاية المرضى والنائمين أثناء الليل كله بل حتى الصباح؛ وذلك بإطلاق العنان لأصوات أبواق السيارات واستعمال مكبرات الصوت التي تنقل الغناء الفاسق والكلام الساقط، وقد يقع ذلك في ليالي متوالية ومتعددة، وقد قال تعالى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 19]. وفي تعبير القرآن الكريم بصوت الحمير إشارة إلى التنفير من الأصوات المرتفعة، فكيف بالأصوات المزعجة؟! حتى أصبح كثير من الجيران يتشاءمون من إقامة مثل هذه الحفلات. إذن فكل هذه الأمور لا علاقة بينها وبين الإسلام البتة، وهي أمور مرفوضة من أساسها لأنها إسراف وتبذير من جهة وإزعاج وفوضى من جهة ثانية، ومعصية وغناء وخمر واختلاط من جهة ثالثة.
وأما الأمر الأخير الثالث فهو ما يقع على الشواطئ البحرية، فالله تعالى سخر البحر لعباده للانتفاع به، قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمْ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الجاثية: 12]. فكلنا ـ يا عباد الله ـ نريد التمتع بجمال البحر وبرماله ومياهه، ولكن ما أحسنه لو كانت الشواطئ نظيفة من الاختلاط الخليع والعري السافر والتبرج الممقوت، حيث استوى في ذلك الكبير والصغير والرجال والنساء والأطفال والشيوخ، حتى زال الحياء وارتفعت المروءة بين الأسرة الواحدة من الأسرة المسلمة، فترى الرجل يسبح عريانًا أمام بناته، وترى الأم تسبح عريانة هي الأخرى أمام أبنائها وأمام صهرها، أهكذا تكون الأسرة المسلمة التي يفترض أن تكون محل تقدير واحترام ووقار؟! فكل هذه الأمور تتنافى مع الرسالة التي نحملها، ونحن مجتمع إسلامي يهتدي بكتاب الله وسنة رسوله والأصالة العربية العريقة التي ورثناها عن أسلافنا الصالحين وأجدادنا المتقين من الصحابة والتابعين.
فاتقوا الله عباد الله، ولا تبدلوا نعم الله عليكم كفرًا وجحودًا، ولا تكونوا سببًا في إحلال البوار والدمار الذي توعد الله به كل من عصى الله تعالى بنعمه، قال سبحانه: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة: 211]، وقال سبحانه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ [إبراهيم: 28-31].
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واجعلنا ممن يشكرون نعمتك ولا يكفرونها، اللهم اهدنا لشكر النعم فإنك أنت واهبها يا أرحم الراحمين.
روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك عن رسول الله أنه قال لجبريل: ((ما لي لا أرى ميكائيل ضاحكًا قط؟ قال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار)).
عباد الله، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90].
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد...
|