قال الله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا.
وقال تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة)). وقال صلى الله عليه وسلم: ((الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((قلب شاكر ولسان ذاكر وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك خير ما اكتنز الناس)) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((النكاح سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)).
فالزواج أيها الإخوة سنة من السنن التي حض عليها الشرع، وقد كان السلف يرغبون في الزواج ويسهلونه بينهم، وربما عُرضت المرأة على الرجل الصالح ... وهذا معروف ومشتهر في القرآن والسنة ولم يكن المهر هو المقصد ولم تكن الحفلات المرهقة هي الهدف، فهذا عبد الرحمن بن عوف أحد المبشرين بالجنة تزوج ولم يكن يعلم به رسول الله لولا أن رأى عليه صفرة فسأله .. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه تزوج فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أولم ولو بشاة)) وما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه فإقامة الحفلات، فبعضهن أولم لها بمدين من الشعير، وأخـرى بحيس على نطع (وهو طعام من إقط وسمن وغيره على جلد شاة مدبوغ) ولم يولم بشاة إلا على زينب رضي الله عنها وعن جميع أمهات المؤمنين.
وهذه فاطمة سيدة نساء أهل الجنة رضي الله عنها قدم علي لها مهراً درعاً – درعٌ مهرٌ لفتاةٍ هي سيدة نساء أهل الجنة - وهذا صحابي تزوج بامرأة بما معه من القرآن، ولم يذكر لنا أن المهور والولائم بلغت ما بلغت من البذخ بعد ذلك والتفاخر والإسراف مع الأسف الشديد حتى أصبحت هي الهدف من الزواج.
وهذا الذي يطلبه بعض الناس من الزوجين، بينما المطلوب هو الصلاح والتقوى وإنشاء أسرة مسلمة تنجب أولاداً صالحين مجاهدين يقومون بأمر الله ويتبعون رسوله صلى الله عليه وسلم .. وكل من الزوجين راع، وكل منهما مسؤول عن رعيته.
وقد حض الإسلام الزوجين على حسن العشرة وأداء الحقوق بينهما. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء خيراً)). وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه)) أي صوم التطوع.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع)).
فعلينا أيها الإخوة التمسك بشرعنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم في أمر الزواج والعشرة حتى يبارك لنا في حياتنا ونفوز في آخرتنا.
وإنني أود أنقل إليكم شيئاً من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، وكيف كانت معاشرته لهن، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم مات والتحق بالرفيق الأعلى عن تسع من النساء، كان يقسم لهن ويعدل بينهن رغم جهاده وكفاحه في سبيل الدعوة إلى الله في مدة بضع سنوات، هي التي قضاها في المدينة حيث هاجر وهو متزوج سودة رضي الله عنها، وقد عقد على عائشة رضي الله عنها ثم دخل عليها بعد هجرته، ثم تزوج بقية نسائه، وكان عنده من الجوارِ أيضاً ملك يمين (مارية) فلم تشغله الغزوات والدعوة والتعليم والحج والعمرة في هذه السنوات القليلة من أن يؤدي حقوق نسائه من رعاية وحسن عشرة وتأديبهن وتعليمهن ومساعدتهن والقسمة بينهن والعدل بينهن فيما يملك ... لأن عدم العدل فيما لا يملك الإنسان من حب وميل قلبي لإحدى النساء معذور فيه كما قال تعالى: ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفوراً رحيماً. هذا في الميل القلبي أما في المبيت والنفقة فعلى الزوج أن يعدل بين نسائه لأنه كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل )).
أقول إن في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه منهاجاً وطريقاً للمسلمين، يسلكونه في حياتهم الزوجية. فكيف كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم مع نسائه، وكيف كانت عشرته لهن وكيف كانت نساؤه، أمهاتنا رضي الله عنهن يتعاملن معه؟ وكيف كن يتعاملن مع بعضهن؟ حتى نتخذ من ذلك نبراساَ ومرشداً للطريق الصحيح في التعامل. فالنبي صلى الله عليه وسلم بالرغم من أن عنده تسع نساء كلهن ذات خلق ودين وجمال وحسب ونسب، لكن حينما سئل أي الناس أحب إليك؟ قال: ((عائشة)) رضي الله عنها قالوا: ومن الرجال؟ قال: ((أبوها)).
وقد اجتمع النساء كلهن وأرسلن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها رسول الله حتى تتوسط لديه في أن يعدل في حبه، حتى ينلن من حبه، لهن مثل ما لعائشة رضي الله عنها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أي بنية ألست تحبين ما أحب؟)) قالت: بلى، قال: ((فأحبي هذه)) وأشار إلى عائشة.
فجاءت زينب بنت جحش رضي الله عنها وهي التي تفتخر بأن الله هو الذي تولى زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم تقول عائشة عنها: لم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة، وقالت عنها: وكان تساميني عند رسول الله، قالت: فوقعت بي فاستطالت فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر فلما وقعتُ بها لم أنشبها حتى أفحمتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنهـا ابنة أبي بكر)).
لاحظوا أيها الإخوة العدل في وصف عائشة لضرتها زينب رغم ما بينهما من تنافس وغيرة، وحق لهن أن يفعلن ذلك مع حبيبهن وزوجهن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولاحظوا أيضاً كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع هذه الغيرة من زينب رضي الله عنها لأن ذلك أمر طبيعي موجود عند النساء وأيضاً عند الرجال، ولكن دون أن يحملها على الظلم أو الفحش، ولذلك أذن النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة أن ترد عليها وتدافع عن نفسها، فحينما غلبتها عائشة في النقاش والحوار ... قال: ((إنها ابنة أبي بكر)) فهي الحبيبة ابنة الحبيب.
وقال صلى الله عليه وسلم عن عائشة: ((فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)). ولكنه صلى الله عليه وسلم مع حبه لها، يعدل بين نسائه في المبيت، حتى في مرض وفاته كان ينتقل بين الحجر حتى أذن له بالبقاء في بيت عائشة ولم يرض منها أو من غيرها أن تتجـاوز الواحدة منهن حدها أو تفعل ما يغضب الله عز وجل.
لو استعرضنا أيها الإخوة تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله لوجدناه كريماً مبتسماً بشوشاً رياضياً .. لقد سابق عائشة في سفره مرتين فسبقها مرة وسبقته مرة، ولم يقبح ولم يضرب وكان ينهى عن ذلك ويقول: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)). وتقول عائشة رضي الله عنها: (والله ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة له قط ولا خادماً له قط، ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله. وكان يأتي صلى الله عليه وسلم إلى إحدى نسائه ويقول: ((هل عندكم طعام؟)) فتقول: لا فيقول: ((إني صائم)).
وكان صلى الله عليه وسلم يسامر زوجاته ويمازحهن ويضع فخذه الشريف لترتقي عليه إحداهن إذا أرادت ركوب الدابة. وكانت الواحدة منهن تزوره في معتكفه في المسجد وتحادثه قليلاً فإذا أرادت الرجوع قام معها يودعها حتى باب المسجد ويقف يراقبها حتى تعود إلى بيتها. وكان يستاك إذا دخل بيته ودخل عند زوجاته فهو الطاهر الطيب الذي يتخذ من عرقه الطيب يفعل ذلك، فكيف بغيره؟.
ولننظر إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ما فعل مع حبيبته حينما ارتكبت خطأًً غير مقصود فاشترت نمرقه عليها تصاوير فغضب وأمرها أن تمزقها على الفور، أو حينما تكلمت على إحدى زوجاته الأخريات فقالت له: حسبك من صفيـة أنهـا قصيرة. فقال: ((يا عائشة، لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجتها))، فهذا القول غيبة من عائشة لصفية رضي الله عنهما أخبرها النبي صلى الله عليه وسلم بمقدار الإثم الواقع عليها من جرائها حتى تتوب وتستغفر.
وكان يهجر صلى الله عليه وسلم تأديباً. وقد لكز عائشة في صدرها حتى أوجعها حينما تبعته ليلاً سراً إلى البقيع وعـادت بســرعة وقد حفزها النفس فسألها عن ذلك فأخبرته بأنها تبعته غيرة عليه فقال: ((أكنت تخشين أن يحيف الله ورسوله عليك؟)) فلكزها في صدرها تأديباً.
وأخيراً: هل منع حب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة من أن يطبق شرع الله عز وجل، أو أن يتأخر في واجب، في صلاة أو جهاد أو دعوة.
|