أيها الإخوة قال الله تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديـل لخلق الله ذلك الـدين القيم ولكـن أكثر الناس لا يعلمون وقال سبحانه: ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله أصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
أيها الإخوة: ليس الإسلام بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال .. وقد تكلمنا في خطب كثيرة عن أهمية متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما عمل وترك، وأن الأعمال لا تقبل إلا إذا كانت موافقة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وخالصة لله فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً.
فعليكم أيها الإخوة بسنة نبيكم، وإياكم والمحدثات والأهواء والمخالفات لعلكم تردون حوض نبيكم يوم القيامة فتشربوا منه، فإن مخالفته صلى الله عليه وسلم سبب للبعد عن ورود حوضه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك حينما يرى أمته يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء، ولكنهم يُردُّون ويمنعون من الحوض فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أمتي، أمتي)) .. فيقال له: إنهم بدلوا بعدك .. لا تدري ما أحدثوا بعدك .. فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((سحقاً، سحقاً)) أي بُعداً. بُعداً.
ولا حظوا أيها الإخوة: أنهم يعرفون بأثر الوضوء على أيديهم ووجوههم وأرجلهم، فهم مصلون ويتوضؤون وهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. ولكن لما أحدثوه من البدع يبعدون عن حوضه ويحرمون من الشراب منه والعياذ بالله.
فالاستقامة على دين الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم نجاة، والانحراف عنه هلاك وخسارة، وهذا الانحراف أيها الإخوة له أسباب عديدة منها التعصب للآراء والأهواء، وعدم الانتفاع بالوحيين وأقوال السلف الصالح، وعدم الإصغاء إلى المواعظ المبنية على الدليل الصحيح الصريح الموافق لفهم وأقوال السلف رضي الله عنهم أجمعين، والبعد عن تعلم العلم الشرعي الصحيح.
قال حذيفة رضي الله عنه: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وأنا أسأله عن الشر لا حباً له، ولكن خوفاً من أن أقع فيه وأنا لا أشعر .. قلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل من شر؟ قال: ((نعم)) قلت وهل من بعده من خير قال: ((نعم وفيه دخن)) قلت: وما دخنه؟ قال: ((قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر)) الحديث.
فالخير كل الخير في التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهديه، والشر كل الشر فيما يحدثه الناس من البدع والأهواء، فالسعيد من وفقه الله لاتباع السنة، والشقي من خلى بينه وبين نفسه وهواه وشيطانه وقرنائه من شياطين الإنس والجن فهلك على ذلك بدون توبة.
قال أبو العالية: تعلموا الإسلام، فإذا علمتموه فلا ترغبوا عنه لغيره، وعليكم بالصراط المستقيم فإنه الإسلام ولا تعوجوا عنه، وعليكم بسنة نبيكم وإياكم واتباع الأهواء.
أيها الإخوة: قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم لأصحابه، والخطاب لجميع الأمة ((إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)).
فكيف يتعصب بعض النـاس لآراء وأفعــال ما فعلهــا النبي صلى الله عليــه وسلـم ولصحــابته الكــرام وللأئمــة الأعــلام، ألم يسمعوا لقــول ابن عباس رضي الله عنهما للناس في خلافة عمر رضي الله عنه حينما سألوه في مسألة في الحج، عن التمتع والإفراد وهي مسالة معروفة عند طلاب العلم ... وهي مسألة اجتهاديـه اجتهد فيها الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وعن جميع الصحابة .. ولكن ابن عباس لديــه دليـل صريح صحيح من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحينما أجاب السائلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: ولكن أبا بكر وعمر يقولان كذا وكذا .. فقال: (أيها الناس يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم: قال رسول الله، وتقولون: قال: أبو بكر وعمر).
لاحظوا أيها الإخوة: معنى هذا الكلام، والذي هو في مسألة اجتهادية، ولكن إذا استبانت سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح العدول عنها لرأي مجتهد حتى ولو كان هذا المجتهد في منزلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهما من هما، ولن يبلغ أحد من هذه الأمة منزلتهما.
لاحظوا قول ابن عباس رضي الله عنهما .. يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول لكم: قال: رسول الله وتقولون: قال: أبو بكر وعمر. الذي يفيد الوعيد الشديد لمن خالف سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم واتبع رأي أحد من الناس. ويفيد أيضاً أن العالم عليه أن يقول كلمة الحق ولو كان في ذلك مخالفة لرأي ولي الأمر واجتهاده دون محاباة ولا مجاملة. إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتــوب عليهم وأنا التواب الرحيم.
|