الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لقد كرم الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه الآية الكبرى الإسراء والمعراج التي كفر بها المشركون وارتد بسببها بعض المسلمين الذين أسلموا حديثاً ولم يتحملوا سماع هذه المعجزة التي كانت فيها عبرة وتمحيص وكان فيها هدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق وكان من أمر الله على يقين .. فحينما عاد النبي صلى الله عليه وسلم وأصبح في المسجد الحرام جلس واجماً ساكناً فجاءه أبو جهل عليه لعنة الله والملائكة والنـاس أجمعين فقال: ما بك يا ابن أخي؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر فقال له: لو جمعت لك قريشاً تخبرهم؟ قال: نعم، فجمعهم فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخذوا في الضحك والصفير والتصفيق فازدادوا كفراً وضلالاً والعياذ بالله وارتد ضعفاء النفوس، أما الصديق فقال: إني أصدقه بخبر السماء ألا أصدقه في الإسراء .. فآمن من آمن على يقين من ربه وكفر من كفر بعد قيام الحجة عليه.
أيها الإخوة: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليخفي خبر الإسراء والمعراج الذي تم في جزء من ليلة حتى ولو كان في ذلك ارتداد بعض المسلمين ولأن هذا من الذكر الذي هو مكلف ببيانه قال تعالى: ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنه لتذكرة للمتقين فلا يستطيع النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول شيئاً على الله ولا أن يمنع شيئاً فرضه الله، وحاشاه بأبي هو وأمي أن يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم: ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي.
ولكن أيها الإخوة لم يرد في السير ولا في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإحياء ليلة الإسراء والمعراج بذكر معين أو بصلاة أو بصيام يوم معين لأجل الإسراء والمعراج كما أحدثه كثير من الناس في الأيام الأخيرة مثل الصلاة التي تسمى صلاة الرغائب بصفة مخصوصة وذكر معين في أول خميس من رجب، أو في صيام أيام منه أو الاحتفال في ليلة معينة كليلة السابع والعشرين من شهر رجب على اعتبار أنها ليلة الإسراء والمعراج وقراءة القصة التي فيها زيادات وأكاذيب لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم والتي يتداولها بعض الناس، والأدعية المخصوصة التي تقال في تلك الليلة كلها ظلمات بعضها فوق بعض.
قال العلماء: إن هذه الأعمال التي تقام في رجب أمور غير مشروعة باتفاق أئمة الإسلام، ولا ينشئ مثل هذا إلا جاهل مبتدع. قال الحافظ ابن حجر في كتابـه (تبيين العجب بما ورد في فضل رجب) ولم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء معين منه ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة.
أيها الإخوة لقد سجلت كتب السير وكتب السنة بل القرآن العظيم هذه الآية العظيمة ولم يسجل لها تاريخ معين ولم يعرف في أي يوم ولا أي شهر ولا أي عام تم الإسراء والمعراج ولم يرد في السنة تخصيص يوم أو ليلة للاحتفـال بها .. فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم جاهلاً بفضلها؟ أعوذ بالله من ذلك.
أما السؤال الثاني فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم فضل هذه الليلة ولكنه كتم هذا الأمر ولم يخبر الأمة به؟ أعوذ بالله أن نقول على الرسول صلى الله عليه وسلم هذا القول.
إن عدم ذكر تاريخ ليلة الإسراء والمعراج وعدم إخبار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عنه وعدم معرفة الصحابة بذلك التاريخ يدل دلالة واضحة على أنه كان يمر ذلك اليوم كغيره من الأيام والليالي، إذاً لماذا يفعل الناس الآن هذه البدع والمحدثات؟ أهم أهدى سبيلاً؟ كلا والله ثم كلا .. ألا يعلمون هؤلاء الذين يفعلون هذه البدع أنهم يتهمون النبي صلى الله عليه وسلم بالتقصير وعدم أداء الأمانة وتبليغ الأمة؟ ألا يعلم هؤلاء أنهم يكذبون بالقرآن بإحداث هذه البدع حينما قال سبحانه وتعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً فكأنهم يقولون إن الدين لم يكتمل وبقي فيه بقية وهي هذه الاحتفالات والاجتماعات أو التقرب إلى الله بما لم يشرعه ولم يبلغنا به النبي صلى الله عليه وسلم.
إن العبرة من هذه الآية وهذه المعجزة ثابتة بالقرآن والسنة، ولو كان في الاحتفال بها في ليلة مخصوصة قربة إلى الله لقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مثل ما قال للأنصار حينما رآهم يحتفلون بيومين .. فقال لهم: ((لقد أبدلكم الله خيراً منها يومي الفطر والأضحى)). ولم يقل: وليلة الإسراء؟! ولو كان هناك ذكر أو عبادة معينة في يوم أو ليلة الإسراء والمعراج لقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وحض عليه مثل ما حض على قيام ليلة القدر أو العشر الأواخر من رمضان أو العشر الأول من شهر ذي الحجة أو صيام الأيام البيض أو صيام الاثنين والخميس أو غير ذلك مما هو مسجل في كتب السنة النبوية.
فلماذا هذه البدع؟ لماذا هذه المحدثات؟ فما تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي والداعي له، من السنة تركه، وعلينا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما فعله أو أمر به، وعلينا إتباعه صلى الله عليه وسلم فيما تركه أو نهى عنه.
وكما قررنا في مناسبات كثيرة القاعدة المعروفة أن العبادات توقيفية. أي أنها لا تعمل ولا تشرع إلا بدليل صحيح صريح، والأصل في العبادات المنع حتى يثبت بالدليل بمشروعيتها. فما وسع النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم أجمعين يسعنا، وعلينا بالتمسك بالهدي النبوي والاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم أجمعين وأن نترك ما أحدثه الناس
من احتفالات وصلوات وعبادات بدعية حتى ننال الفوز في الدنيا والآخرة اللهم وفقنا لما تحب وترضى واجعلنا من عبادك الصالحين. |