.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

أصول مهمة وبدعة شعبان

1696

الرقاق والأخلاق والآداب, قضايا في الاعتقاد

الاتباع, البدع والمحدثات, فضائل الأزمنة والأمكنة

مرزوق بن سالم الغامدي

مكة المكرمة

الرحمة

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- خلق الله الخلق لعبادته. 2- القرآن حذرنا من اتباع الهوى. 3- من أنواع الشرك شرك الطاعة ومنه الاتباع في تحليل الحرام وتحريم الحلال. 4- الأصل في العبادات أنها توقيفية. 5- كيف نفهم النصوص الشرعية. 6- بين ليلة القدر وليلة النصف من شعبان. 7– ما صح في فضل هذه الليلة. 8- بدع ليلة النصف من شعبان.

الخطبة الأولى

أيها الإخوة: إن الله خلقنا لعبادته كما قال سبحانه وتعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ولذلك أرسل الرسل. ولو نظرنا إلى الرسالات السماوية لوجدناها قامت على أصلين عظيمين، عبادة الله وحده، واجتناب الطاغوت. قال تعالى: ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فقاعدة: أن اعبدوا الله تعني تحقيق التوحيد والعقيدة الصحيحة السليمة وطاعة الله واتباع شرعه.

وقاعدة: واجتنبوا الطاغوت تعني تجنب الأهواء والافتراق والبدع وما تؤول إليه من الشرك والكفر والظلم والفسق والإعراض عن دين الله. لذلك جاء في القرآن التحذير من مناهج الضلال حماية للدين وحماية للتوحيد من أن يشوبه شائبة كما قال تعالى: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً فاتباع الهوى هو اتباع الطاغوت، ويـؤدي بالإنسان إلى الهاوية، لأن الإنسان لا يعبد الله إلا بأمره سبحانه وتعالى لا بالآراء ولا بالأهواء، وإلا لأصبح إرسال الرسل لا فائدة منه. ولو ترك لكل صاحب رأي، وهوىً رأيه وهواه، لرأيت عبادات وطرق متنوعة ومختلفة كما هو حاصل في بعض الأماكن من هذا العالم.

واتباع الـهوى ما هو إلا عبودية لغير الله عز وجل، فمن اتبع هواه وترك ما هو ثابت في الكتاب والسنة فإنما هو متخذ إلهاً غير الله عز وجل، قال تعالى: أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً وقال تعالى: إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجـزى كــل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى وقال تعالى: ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين.

وقـال سبحانه وتعالى محذراً نبيه صلى الله عليه وسلم من اتباع أهواء الناس: ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين. وقال تعالى مبيناً أن المتبع للرسل هو على بينة من أمره، وأما متبع الهوى فهو على سوء وضلال أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم.

وإن من الطواغيت المتبعة أيضاً إتباع السادات والكبراء من أهل البدع الذين يشرعون ويخترعون صلوات وعبادات وقربات لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته، وهنا يكون المتبعون لهؤلاء، أشبه ما يكون بأتباع الرهبان والأحبار الذين اتخذوهم آلهة كما قال تعالى: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله وذلك باتباعهم فيما قالوا وأفتوا بما يخالف شرع الله عز وجل، فأحلوا ما حرم الله، وحرموا ما أحل الله وتلك عبادتهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيأتي يوم القيامة هؤلاء الأتباع الذين اتبعوا السادة والكبراء في بدعهم وضلالاتهم وتركوا السنة النبوية الصحيحة الثابتة ويقولون كما قال عنهم سبحانه وتعالى: وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً وقال تعالى: ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فـلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً.

أيها الإخوة: إن العبادات أصلها توقيفي - أي لا يعبــد الله إلا بمــا شرع - فالعبادات والقربات متلقاة عن الله ورسوله، فليس لأحد أن يجعل شيئاً عبادة أو قربة إلا بدليل شرعي، فالأصل في العبادات المنع حتى يقوم الدليل الصحيح الصريح على الفعل، وأما المعاملات والعادات والعقود فالأصل فيها الإباحة حتى يثبت الأمر بتحريمها، فإذا عرف هذا الأصل عندها لا يتعبد المسلم بعبادة لله، أو يتقرب بقربة، إلا علم أن هذا الأمر عليه دليل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أمر بهذا أو أقره أو فعله صلى الله عليه وسلم.

وهذا هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل عبادة لم يأمر بها النبي ولم يشرعها فهي مردودة كما قال صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).

وهذا الأصل أيها الإخوة هو أحد أصلين عظيمين في قبول العبادة ... فتوحيد الله واتباع شرعه هما ركنان أساسيان في قبول العمل، أي أن يكون العمل خالصاً لله وحده وموافقاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً.

والعمل الصالح هو الموافق للسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً الأصل الثاني في العمل الذي يتقرب به إلى الله أن يكون موافقاً لما شرعه الله ولما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.

كذلك أيها الإخوة فهم النصوص الشرعية يعتمد على أصول ثابتة، فأول ما يفسر القرآن بالقرآن ثم بالسنة ثم بأقوال الصحابة، وكذلك فهم السنة، فلا يحق لأحد من المخلوقين أن يأتي بشيء مخالف لفهم السلف أو مخالف للنصوص ويرفع عقيرته ويشغب به على ما هو ثابت بالكتاب والسنة، ولسان حاله يقول:

إني وإن كنت الأخير زمانه         لآت بما لم تأتي به الأوائل

فيتبع ما تشابه ابتغاء الفتنة ويعارض به المحكم من قول الله متهماً بقوله وفعله هذا النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بالقصور، وحاشاهم من ذلك، وكأنه هدي إلى أمر لم يفطن له النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام.

وقد حدث مثل هذا من الثلاثة الذين تقالوا عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم: أقوم الليل أبداً. وقال الثاني: أصوم الدهر. وقال الثالث: لا أتزوج النساء. فردهم النبي صلى الله عليه وسلم وبين أن ذلك مخالف للسنة.

وحدث أيضاً من أشخاص جلسوا للذكر في حلقة من المسجد يعدون تسبيحهم بالحصى ففرقهم عبد الله بن مسعود وقال لهم: إما أنكم على هدى أهدى من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أو أنكم مفتتحو باب ضلالة، وكذلك الأئمة أنكروا على كل من ابتدع ذكراً أو قربة إلى الله لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم، والرد على هؤلاء المبتدعة والدفاع عن السنة من الجهاد في سبيل الله فهو جهاد باللسان وبالقلم وبالحجة والبيان.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.


 

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

بعد أن عرفنا الأصل في فهم النصوص الشرعية وتفسيرها وكذلك الأصل في قبول العمل والقربات، كما عرفنا الأصل في دعوة الرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام، نعرض على هذه الأصول، التي هي ميزان وقسطاس مستقيم، ما أحدثه الناس في شهر شعبان وخاصة في ليلة النصف منه.

لو نظرنا إلى هذه المحدثات والبدع لوجدناها مبنية على فهم مخالف لصريح القرآن وتفسيره، ومبنية على اتباع الهوى، واتباع السادات والكبراء، وليس لها أصل في الشرع إنما هي أمور مخترعة، صلوات وأذكار وصيام لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من ذلك ولم يفعله، لم يفعله أيضاً الصحابة ولا التابعون لهم.

لقد احتج هؤلاء المبتدعة ببعض ما نقل عن السلف في تفسير قول الله تعالى: حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم. بأن هذه الليلة المباركة هي ليلة النصف من شعبان التي يفرق فيها كل أمر حكيم حيث يتم فصل كل ما يخص سنة كاملة من هذه الليلة من اللوح المحفوظ وفيها الأرزاق والآجال وما قدره الله عز وجل على عباده، وهو قول ضعيف فمن أين لصاحب هذا القول أن هذه الليلـة، ليلــة النصف من شعبان، هي الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم وصريح القرآن وقول المفسرين مغاير لهذا الفهم ولهذا التفسير.

لاحظوا أيها الإخوة إلى بدايـة السورة: حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة فالضمير عائد للقرآن وأن الله أنزله في ليلـة مباركة، فما هي الليلـة التي نـزل فيها القـرآن؟ الكـل يعلم أنها ليلة القدر وأنها في رمضان في العشر الأواخر منه إنا أنزلناه في ليلة القدر، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن. فكيف يخالف هؤلاء صريح القرآن؟ حتى ولو كانت الآية عن ليلة النصف مثلاً فمن أين لهم أن يخصصوا ليلها بقيام أو بصلاة معينة وبذكر معين ودعاء خاص؟ من أين لهم ذلك؟

إن النبي صلى الله عليه وسلم حضنا على قيام ليالي رمضان وخاصة العشر الأواخر منه. وعلمنا كيف نصلي في الليل وشـرع لنا الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان تحرياً لليلة القدر، فلماذا لا يكون الحرص على هذه السنة؟ هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فقد وردت أحاديث يحسنها بعض أهل العلم عن ليلة النصف من شعبان وهي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه)) وقال صلى الله عليه وسلم حينما سأله أسامـة بن زيــد رضي الله عنهما قال قلت: يا رسول الله لم أراك تصوم من الشهر ما تصوم من شعبان؟ قـال: ((ذلك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفـع عملي وأنا صائم)). وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يطلع الله على جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)).

فمن أين لمن يخصص ليلة النصف بصلاة خاصة وقراءة خاصة وذكر خاص أو أي قربة لله في هذه الليلة؟ من أين له الدليل على جواز فعله هذا؟

لو نظرنا إلى هذه الأحاديث لوجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم يحض على الصيام في هذا الشهر وأفضل الصيام صيام يوم وترك يوم كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لم يستطع الشخص صيام يوم وترك يوم، فليصم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، ومن لم يستطع فليصم الأيام البيض من هذا الشهر ويكون بذلك متبعاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا من جهة القربات وفعلها في هذا الشهر.

أما مـا جاء في الحديثين الآخرين بـأن الله يغفر للمؤمنين ولا يغفر للمشركين ولا الكفار، ويؤخر الحاقدين والمشاحنـين من المسلمين فما هو الواجب علينا حتى لا يفوتنا هذا الأمر ونحظى بمغفرة الله عز وجل؟.

الواجب علينا أن نجدد إيماننا بالله ونصحح عقائدنا إن شابها شيء، ونزيـل ما في قلوبنا من شحناء وحقد على إخواننا المسلمين، لقد فسر بعض أهل العلم من سلفنا الصالح أن المشاحنين هم أهل البدع وهم الحاقدون على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى المسلم أن يجتنبهم ويوالي المؤمنين المتمسكين بالسنة الصحيحة، وهناك تفسير آخر هو أن المشاحنين هم المقاطعون لذوي الأرحام والمتخاصمين والمهاجرين من المسلمين فهو عام لكل مشاحن، وليس هناك تضارب بين القولين، فالمبتدع مشاحن للمؤمنين، والمتخاصم مع جاره أو مع أقاربه أيضاً مشاحن.

فما هو الواجب على المسلم في هذا الشهر وفي هذه الليلة، الواجب عليه أن يترك البدع والمحدثات ويتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويصالح أقاربه وجاره إن كان بينه وبينهم شحناء وخصام لأمر دنيوي أو لسوء تفاهم شخصي، ويرجو بذلك أن يغفر له في هذه الليلة، أسال الله أن يغفر لنا ذنوبنا ويرحمنا إنه هو الغفور الرحيم.

أيها الإخوة: علينا بالتمسك بالسنة والتقرب إلى الله بما شرع، أين نحن من الحضور في صلاة الفجر ثم الجلوس في المسجد حتى تطلع الشمس؟ أبن نحن من صلاة الضحى ركعتين أو أربع أو ست أو ثمان ركعات؟ أين المسلمون من الجلوس بعد صلاة العصر في المسجد حتى غروب الشمس يقرؤون القرآن ويتدارسونه ويسبحون الله ويذكرونه ؟. أين المسلمون من ذكر الله بعد الصلوات والتهليل مائة مرة في اليوم والتسبيح مائة مرة في اليوم والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصباح عشراً وفي المساء عشراً؟ أين إكثار الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة؟ أين المسلمون من صيام الاثنين والخميس أو صيام الأيام البيض؟ أين المسلمون من قراءة السنة والسيرة الصحيحة والتمشي بموجبها والسير على نهجها؟ أين المسلمون من صلاة النوافل وصلاة الرواتب في البيوت ؟. إنه لشيء عجيب أن يترك كثير من الناس هذه السنن الثابتة ثم يتشبثون ببدع محدثة مخالفين بذلك هـدي النبي صلى الله عليه وسلم ومتبعين غير سبيل المؤمنين ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً