أيها الإخوة: إن الله خلقنا لعبادته كما قال سبحانه وتعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ولذلك أرسل الرسل. ولو نظرنا إلى الرسالات السماوية لوجدناها قامت على أصلين عظيمين، عبادة الله وحده، واجتناب الطاغوت. قال تعالى: ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فقاعدة: أن اعبدوا الله تعني تحقيق التوحيد والعقيدة الصحيحة السليمة وطاعة الله واتباع شرعه.
وقاعدة: واجتنبوا الطاغوت تعني تجنب الأهواء والافتراق والبدع وما تؤول إليه من الشرك والكفر والظلم والفسق والإعراض عن دين الله. لذلك جاء في القرآن التحذير من مناهج الضلال حماية للدين وحماية للتوحيد من أن يشوبه شائبة كما قال تعالى: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً فاتباع الهوى هو اتباع الطاغوت، ويـؤدي بالإنسان إلى الهاوية، لأن الإنسان لا يعبد الله إلا بأمره سبحانه وتعالى لا بالآراء ولا بالأهواء، وإلا لأصبح إرسال الرسل لا فائدة منه. ولو ترك لكل صاحب رأي، وهوىً رأيه وهواه، لرأيت عبادات وطرق متنوعة ومختلفة كما هو حاصل في بعض الأماكن من هذا العالم.
واتباع الـهوى ما هو إلا عبودية لغير الله عز وجل، فمن اتبع هواه وترك ما هو ثابت في الكتاب والسنة فإنما هو متخذ إلهاً غير الله عز وجل، قال تعالى: أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً وقال تعالى: إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجـزى كــل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى وقال تعالى: ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين.
وقـال سبحانه وتعالى محذراً نبيه صلى الله عليه وسلم من اتباع أهواء الناس: ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين. وقال تعالى مبيناً أن المتبع للرسل هو على بينة من أمره، وأما متبع الهوى فهو على سوء وضلال أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم.
وإن من الطواغيت المتبعة أيضاً إتباع السادات والكبراء من أهل البدع الذين يشرعون ويخترعون صلوات وعبادات وقربات لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته، وهنا يكون المتبعون لهؤلاء، أشبه ما يكون بأتباع الرهبان والأحبار الذين اتخذوهم آلهة كما قال تعالى: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله وذلك باتباعهم فيما قالوا وأفتوا بما يخالف شرع الله عز وجل، فأحلوا ما حرم الله، وحرموا ما أحل الله وتلك عبادتهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيأتي يوم القيامة هؤلاء الأتباع الذين اتبعوا السادة والكبراء في بدعهم وضلالاتهم وتركوا السنة النبوية الصحيحة الثابتة ويقولون كما قال عنهم سبحانه وتعالى: وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً وقال تعالى: ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فـلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً.
أيها الإخوة: إن العبادات أصلها توقيفي - أي لا يعبــد الله إلا بمــا شرع - فالعبادات والقربات متلقاة عن الله ورسوله، فليس لأحد أن يجعل شيئاً عبادة أو قربة إلا بدليل شرعي، فالأصل في العبادات المنع حتى يقوم الدليل الصحيح الصريح على الفعل، وأما المعاملات والعادات والعقود فالأصل فيها الإباحة حتى يثبت الأمر بتحريمها، فإذا عرف هذا الأصل عندها لا يتعبد المسلم بعبادة لله، أو يتقرب بقربة، إلا علم أن هذا الأمر عليه دليل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أمر بهذا أو أقره أو فعله صلى الله عليه وسلم.
وهذا هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل عبادة لم يأمر بها النبي ولم يشرعها فهي مردودة كما قال صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
وهذا الأصل أيها الإخوة هو أحد أصلين عظيمين في قبول العبادة ... فتوحيد الله واتباع شرعه هما ركنان أساسيان في قبول العمل، أي أن يكون العمل خالصاً لله وحده وموافقاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً.
والعمل الصالح هو الموافق للسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً الأصل الثاني في العمل الذي يتقرب به إلى الله أن يكون موافقاً لما شرعه الله ولما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
كذلك أيها الإخوة فهم النصوص الشرعية يعتمد على أصول ثابتة، فأول ما يفسر القرآن بالقرآن ثم بالسنة ثم بأقوال الصحابة، وكذلك فهم السنة، فلا يحق لأحد من المخلوقين أن يأتي بشيء مخالف لفهم السلف أو مخالف للنصوص ويرفع عقيرته ويشغب به على ما هو ثابت بالكتاب والسنة، ولسان حاله يقول:
إني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تأتي به الأوائل
فيتبع ما تشابه ابتغاء الفتنة ويعارض به المحكم من قول الله متهماً بقوله وفعله هذا النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بالقصور، وحاشاهم من ذلك، وكأنه هدي إلى أمر لم يفطن له النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام.
وقد حدث مثل هذا من الثلاثة الذين تقالوا عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم: أقوم الليل أبداً. وقال الثاني: أصوم الدهر. وقال الثالث: لا أتزوج النساء. فردهم النبي صلى الله عليه وسلم وبين أن ذلك مخالف للسنة.
وحدث أيضاً من أشخاص جلسوا للذكر في حلقة من المسجد يعدون تسبيحهم بالحصى ففرقهم عبد الله بن مسعود وقال لهم: إما أنكم على هدى أهدى من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أو أنكم مفتتحو باب ضلالة، وكذلك الأئمة أنكروا على كل من ابتدع ذكراً أو قربة إلى الله لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم، والرد على هؤلاء المبتدعة والدفاع عن السنة من الجهاد في سبيل الله فهو جهاد باللسان وبالقلم وبالحجة والبيان.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
|