.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

من طرائف حج الرسول

1688

العلم والدعوة والجهاد, فقه

الحج والعمرة, محاسن الشريعة

عائض القرني

غير محدد

غير محدد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الحجاج يلبون دعوة إبراهيم عليه السلام. 2- معانٍ يفهمها المسلم من عبادة الحج: أ- تذكرة الموت. ب- المساواة. ج- حقوق المرأة. د- حقوق الإنسان. هـ- رفض العبودية لغير الله. 3- عجائب في حجة الوداع وطرائف.

الخطبة الأولى

يقول ربنا تبارك وتعالى: وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم [الحج:27].

·   هذا هو النداء العلوي من الله الواحد الأحد إلى الأمة الإسلامية؛ لتؤدي هذا النسك العظيم، والركن الجليل من أركان الإسلام.

قام إمام التوحيد إبراهيم عليه السلام ببناء البيت، يحمل الحجر من على كتف ابنه إسماعيل عليه السلام وهما يهتفان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم [البقرة:127]. وأكمل البناء، وصعدت الكعبة في السماء ووضع الحق.

قال إبراهيم لربه: يا رب، ماذا أفعل الآن؟ قال: اصعد على جبل أبي قبيس، أعظم جبال مكة، فصعد إبراهيم، وقال: يا رب، ماذا أقول: قال: وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق.

قال إبراهيم: يا عباد الله، يا قوم حجوا البيت، فأسمع الله دعوته نطفاً في الأرحام، أسمع دعوته الأحياء والكائنات والذرات، فأقبل الموحدون يقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

البشرية تلبي، الأرض تلبي، السماء تلبي، الدنيا كلها تلبي، ويشهد لسان الحال أن النصر لهذا الدين، وأن العاقبة للمتقين.

·   ومما يثلج صدور أهل الإسلام أن يخرج من موسكو عصمة الإلحاد ودولة الكفر والبغي والحديد والنار، يخرج منها آلاف الموحدين يلبون كما يلبي الناس: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

أيها الإخوة في الله:

إن للحج معانٍ، ومقاصد، ودلالات، ينبغي أن نتعرف عليها، وأن نعيها. فكل العبادات الإسلامية أو غالبها، يطلب من المسلم أن يتجمل لها، وأن يتزين لها، فأفضل الحجاج، الشعث الغبر، وأجمل الحجاج الحفاة، وأعظم الحجاج الجائعون الظمأى.

وفي إحرام العبد في ردائين أبيضين، تذكير له بإدراجه في كفنه، فهذا سفر إلى عرفات، وذاك سفر إلى الموقف العظيم، فإذا لبست الإحرام، ذكرك بالكفن، وذكرك بيوم الحشر، وذكرك أنك لم تخرج من الدنيا إلا بهذا الكفن الأبيض.

خذ القناعـة من دنياك وارض بها     لـو لم يكـن لك إلا راحـة البدن

وانظـر لمن ملك الدنيـا بأجمعها         هل سار منها بغير الطيب والكفن؟!

وفي الإحرام قضايا أخرى: منها المساواة، وهذه من القضايا التي يحرص الإسلام على تقريرها دائماً، فلا يلبس الملوك إلا لباس الإحرام، ولا يرتدي الرؤساء ولا الأغنياء إلا لباس الإحرام، الناس كلهم يشتركون في هذا، فلا تيجان، ولا أكاليل، ولا نياشين، ولا أساور، كل الناس محشورون في صعيد واحد، ليبقى العز والملك والسلطان والجبروت لله تعالى وحده. كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون [القصص:88]. لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [غافر:16].

فالكل ذليل، والكل مسكين لكبرياء الله وعظمته.

·   أما الوقوف بعرفة، فهو مؤتمرنا العالمي، وهو سر خلودنا في الأرض، الذي نفاخر به أهل الأرض جميعاً، إنهم يجتمعون في مؤتمراتهم، بدعوات، ومراسيم، وأطروحات، وقوانين، أما أهل الإسلام، في يوم عرفة، فيفترشون الأرض، في الشمس المحرقة، التي تلهب الأجساد.

فالله أكبر الله أكبر.. ما أعظم هذا اليوم!

والله أكبر الله أكبر.. ما أروع هذا اليوم!

·   ثم يفيض الله تبارك وتعالى من رحماته على أهل الموقف، فيتجلى للناس في يوم عرفة، ينزل سبحانه إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله، يجمع ملائكته فيقول: ((يا ملائكتي، انظروا لعبادي، أتوني شعثاً غبراً ضاحين، أشهدكم أني قد غفرت لهم))[1].

شعثاً، غبراً، ضاحين، تلبدت شعورهم من الشمس، لا دهن، لا طيب، لا ظل، كل ذلك ليرضى الله عنهم.

إن كان سرّكم ما قال حاسدنا         فما لجرح إذا أرضاكم ألم

·   تركوا القصور والبساتين والراحة، وجلسوا على التراب تحت حرارة الشمس.

فاشهد أيها العالم، واسمعي أيتها الدنيا، هذا يوم عرفة، حيث وقف نبينا وقائدنا وزعيمنا، وقف في ردائين باكياً، أشعث، أغبر، يخاطب الدنيا كلها ويكلم الناس جميعاً، إنه وقف هناك ولكننا نذكره هنا، وسوف نذكره في كل مكان، وسوف نذوب في حبه وفي فدائيته وفي دعوته.

إن محمداً هو تاريخ هذه الأمة وعمقها وعزها، لقد وقف هذا الرسول الكريم في عرفات وأرسى قضايا ثلاث:

 

القضية الأولى:

القضاء على التمييز العنصري، لقد ألغى محمد كل ألوان التمييز العنصري، وداس عليه بقدميه، وذلك قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، في حين أن دولة من الدول في عصرنا الحاضر، تتبجح بأنها أعظم دولة في العالم، لا زالت تفرق بين مواطنيها بحسب ألوانهم!!.

أما في الإسلام فلا أبيض ولا أسود ولا أحمر، لا نسب، لا مال، لا جاه إن أكرمكم عند الله أتقاكم [الحجرات:13].

·   وقف النبي ينادي: يا أبا بكر، يا قرشي، يا سيد، أنت وبلال الحبشي أخوان، لا فرق بينكما عند الله إلا بالتقوى، وقف هناك يقول: يا عمر، يا أبا حفص، يا فاروق الإسلام، أنت وصهيب الرومي أخوان، وقف هناك يقول: يا علي أنت وسلمان الفارسي أخوان.

إنْ كِيْدَ مُطَّرَفُ الإخـاء فإننا         نغدو ونسري في إخاءٍ تالد

أو يتفرق ماء الغمـام فماؤنا         عذبٌ تحدّر من غمام واحد

أو يختلف نسـب يؤلف بيننا    ديـن أقمناه مقـام الوالـد

 

أما القضية الثانية:

فقد أعلن فيها حقوق المرأة وأنها إنسانة لها شأنها في المجتمع، فهي تمثل نصف الأمة، ثم هي تلد النصف الآخر، فهي أمة كاملة.

أما الذين يدعون إلى ما يسمى بحرية المرأة، فأولئك هم أعداء المرأة، وقتلة المرأة، لا يريدون إلا أن تكون المرأة جسداً مشاعاً، يفترسه ذئاب الأرض وكلابها.

 

أما القضية الثالثة: التي قررها رسول الله في هذا الموقف العظيم فهي قضية الإنسان، قضية حقوق الإنسان، فقد نادى هذا النبي العظيم بحقوق الإنسان، وأنه لابد أن يكون محترماً له مكانته بين الناس، لا أن يعامل كما يعامل الحيوان.

وإذا كان هذا الإنسان مسلماً، وإذا كان هذا الإنسان مؤمناً، ازدادت حرمته، وتأكدت حقوقه. ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا))[2].

·   ينظر إلى الكعبة ويقول: ما أعظمك، وما أشد حرمتك، والذي نفسي بيده، للمؤمن أشد حرمة عند الله منك[3].

أيها الناس:

من الذي نادى بحقوق الإنسان، من الذي طبق حقوق الإنسان على واقع الحياة.

هل جاءت المنظمات العالمية بحقوق الإنسان؟

هل طبقت هذه المنظمات العالمية مبادئ حقوق الإنسان؟

لا والله، فهؤلاء هم الذين ذبحوا الإنسان، قتلوا الإنسان، سجنوا الإنسان.

أما محمد فقد أعلن حقوق الإنسان، واحترام الإنسان، وأعلن أن الله مع الإنسان ما دام هذا الإنسان عابداً لله – عز وجل –.

نزل النبي ، ثم أتى إلى الجبل فوقف من بعد صلاة الظهر إلى صلاة المغرب باكياً، مستغفراً، متواضعاً لله تبارك وتعالى.

وقف هناك، والبشرية كلها تنظر إليه، وتسمع كلامه، لأن البشرية تعلم أنه : وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [النجم:3-4].

وقضايا عرفات أيها الإخوة طويلة طويلة، ومعاني حجة النبي كثيرة، لكنا نبحث في هذا المقام عن المعاني الخفية لبعض هذه القضايا.

يذهب عليه الصلاة والسلام ليرمي الجمار، وفي ذلك كثير من المعاني منها:

أولاً: أنك بهذه الحصيات تعلن انتصارك على الشيطان، وتعلن أنك عبد الله، تنفذ أوامره، حتى وإن جهلت حكمة هذا الأمر وتعلن كذلك أن المعركة باقية بين الحق والباطل.

إن الذين يرمون الجمرات يعلنون صدقهم، وإخلاصهم، وعبوديتهم لله تبارك وتعالى.

أما عبيد الأغنية، والكأس، والسهرات الحمراء، فلا يعرفون رمي الجمرات، ولا يعرفون الوقوف بعرفات، ولا يعرفون الطواف بالبيت العتيق.

ثانياً: وفي رمي الجمرات أيضاً انتصار الإنسان على الهوى والتخلص من عبودية غير الله تبارك وتعالى.

·   وصل النبي إلى البيت ليطوف حوله، واستلم الحجر، وأتته ذكريات عند استلام الحجر، فانهارت دموعه كالمطر، فالتفت إليه عمر وقال: ما هذا يا رسول الله ؟ قال: ((هنا تسكب العبرات يا عمر))[4].

تذكرت والذكرى تهيج على الفتى         ومن عادة المحزون أن يتذكرا

فصلوات الله وسلامه عليك يا رسول الله، ما أطهرك، ما أعظمك.

نسينا في ودادك كل غالٍ         فأنت اليوم أغلى ما لدينا

نُلام على محبّتكم ويكفي          لنا شرفٌ نلام وما علينا

ولمـا نلقكم لكن شـوقاً          يذكـرنا فكيف إذا التقينا

تسلّى الناس بالدنيا وإنـا         لعمر الله بعدك مـا سلينا

عباد الله :

((من ذهب يحج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه))[5]، تماماً كيوم ولدته أمه، مبرأً من الذنوب والمعاصي والخطاياً.

كانت قريش تقف في مزدلفة، والناس يقفون في عرفات، فأنزل الله تبارك وتعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم [البقرة:199]. اصعدوا مع الناس، وقفوا مع الناس، لا تمييز، ولا تفرّق، وإنما وحدة واجتماع.

·   إن يوم عرفة هو يوم تحطيم الطاغوت، وإظهار لقول لا إله إلا الله.

أيها المسلمون: إخوة الإسلام:

·   إن الحج ليس فرصة للمظاهرات، ولا للشغب، ولا لزعزعة الأمن، وإن من يفعل هذا مجرم يريد بالبلاد والعباد سوءً. الحج هدوء وسكينة ودموع و خشوع، الحج توجه إلى الله الحي القيوم، الحج أن تصل القلوب بالله – عز وجل – وأن نعلن وحدتنا وتضامننا وتآخينا.

وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم إنه عزيز حكيم [الأنفال:63].

·   هذه بعض معاني الحج، ولكن من ذهب إلى هناك، فسوف يعيشها حيّة في الليل والنهار.

تقبل الله من الحجيج حجهم، وسمع دعاءهم، وشكر سعيهم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


 



[1]  أخرجه أحمد (2/224) عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3254) : ورجاله موثقون. وأخرجه أحمد أيضاً (2/305) عن أبي هريرة ، قال الهيثمي في المجمع (3/254) : رجاله رجال الصحيح.

[2]  أخرجه البخاري (1/24) ، ومسلم (3/1305) ، رقم (1679).

[3]  أخرجه ابن ماجه (2/1297) رقم (3932) ونصر بن محمد شيخ ابن ماجه ، متكلم فيه.

ورواه الترمذي موقوفاً عن ابن عمر (4/332) ، رقم (2032) وقال : حسن غريب .

[4]  أخرجه ابن ماجه (2/982) ، رقم (2945) ، وفي إسناده محمد بن عون الخراساني ضعفه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما.

[5]  أخرجه البخاري (2/141) ، ومسلم (2/983 ، 984) رقم (1350).

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد:

هناك للعلماء نكات وتعليقات وعجائب في حجة النبي أحببت أن أذكر بعضاً منها في هذه الخطبة.

فمن عجائب حجته عليه الصلاة والسلام، أنه خطب في أكثر من مائة ألف حاج، غير النساء والأطفال، ومع أنه لم يكن عنده مكبر للصوت، ولم يكن يتكلم في مكرفون، إلا أن الله تبارك وتعالى أسمعهم جميعاً وهم في أماكنهم نقل لهم الصوت حياً على الهواء، كأنه بجانبهم يتحدث إليهم ويخاطبهم.

ومن الطرائف في حجة النبي أنه لما أتى لينحر الإبل، وقد ساق معه مائة ناقة، ليفدى بها جده إسماعيل عليه السلام، فأخذ الحربة لينحرها – وهو الرجل الذي يعرف المواقف كلها، في الحرب تجده في مقدمة الصفوف، وفي السلم من أعظم المسالمين، وعند الصلاة خاشع قانت، وعند الخصومات عادل مقسط، وفي السياسة قائد محنك، وعند الصدقة جواد كريم، وفي بيته أب رحيم قريب من القلوب -.

أخذ الحربة، وتقدم إلى الإبل ليذبحها، فأخذت تتسابق إليه أيتها يُنحر قبل!! سبحان الله، حتى النوق العجماوات، تحب الموت وتتسابق عليه، إذا كان من يديه .

نعم، إنه المحبة الصادقة التي فطرها الله في القلوب له ، الجمال تحبه، والطيور في السماء تحبه، وأعواد المنبر تحن إليه وتبكي لفراقه. عند البخاري أنه عليه الصلاة والسلام، ترك منبره الأول لمنبر جديد، فبكى المنبر الأول[1].

لا إله إلا الله، أتبكى أعواد الخشب، نعم، إذا كان محمدٌ هو المفارق.

تسابقت إليه الإبل، كل جمل يقدم نحره وصدره، فأخذ يقول: ((بسم الله))، فنحر ثلاثاً وستين، ثم توقف، لماذا لم يكمل المائة، لأن عمره ثلاث وستون، ثم يموت كما يموت الناس، ويذهب كما يذهب الناس، ثم أعطى الحربة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكمّل مائة، فعرف كبار الصحابة أنه لن يتجاوز هذا العدد من السنين، وأنه يموت، فقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون.

ومن نكات حجته أنه قال في يوم النحر لأصحابه: ((لعلي لا أحج بعد حجتي هذه))[2]، فعرف الصحابة أنه يودعهم، فارتفع البكاء والضجيج، وكثر النحيب، وبالفعل ما رأوه بعدها أبداً.

أما نحن فسوف نراه إن شاء الله – تعالى – سوف يراه حملة السنة الصادقون، سوف يراه أتباعه المخلصون، سوف يراه تلاميذه الذين كانوا يحرصون على تعاليمه، والذين لم يقدموا على هديه هدياً، ولم يرضوا بغير سبيله سبيلاً.

أما المجرمون والفسقة الذين أعرضوا عن هديه، وسلكوا غير سبيله، فإنهم لا يذوقون من يده شربة واحدة، وسيقول لهم: سُحقاً سحقاً. نسأل الله أن يسقينا من حوضه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً.

عباد الله:

ومما يتصل بانقضاء أجله ، وعلامات ذلك، أنه كان في عرفة على ناقته، يدعو، رافعاً يديه إلى السماء، ثم توقف عن الدعاء وهو يبكي، وإذا بجبريل ينزل عليه من السماء بقوله – سبحانه -: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً [المائدة:3].

ففهم كبار الصحابة من ذلك أن أجل رسول الله قد اقترب، وأنه قد دنا موعد الفراق، فبكوا وأبكوا.

ومن طرائف حجته أيضاً: أنه لما أراد أن يحلق رأسه، قال لمعمر بن عبد الله: يا معمر، ألديك موسى، قال: نعم يا رسول الله، قال: ((سم الله واحلق رأسي))، فأعطاه ميمنة رأسه الشريف، الذي ما عرف إلا العدل والحق والوفاء، فأخذ يحلق رأسه وهو يتبسم، عليه الصلاة والسلام، ويقول لمعمر: ((أما رأيت رسول الله أعطاك رأسه بين يديك، والموسى في يديك))، قال معمر: يا رسول الله، والله إنها من نعم الله أن أحلق رأسك[3]. فلما انتهى النصف الأول قال لأصحابه: ((اقتسموه بينكم)) فكادوا يقتتلون على شعره، كل منهم يريد أن يحصل ولو على شعرة واحدة، وبعضهم ما حصل إلا على نصرف شعرة.

ليس عندنا في الإسلام كهنوت، وليس عندنا في الإسلام عبودية لغير الله – تعالى –، ولكن عندنا حب صادق لهذا النبي، الذي أنقذنا من الضلالة وهدانا إلى النور.

ثم قال لمعمر: ((احلق النصف الآخر))، فحلق النصف الآخر، فقال : ((أين أبو طلحة الأنصاري؟)) فأتى أبو طلحة، فقال له النبي : ((خذ هذا الشعر كله))، فبكى أبو طلحة من الفرح[4].

طفح السرور علي حتى أنني         من هول ما قد سرّني أبكاني

عباد الله:

تلكم بعض معاني الحج وذكرياته، قصدت بها تذكير نفسي وإياكم بهذا الركن العظيم من أركان الإسلام.

فيا من قصد بيت الله العتيق، أخلص نيتك، وطهر كسبك، من الحرام، فإن الله طيب، لا يقبل إلا الحلال الطيب.

إذا حججت بمالٍ أصله سحت         فما حججت ولكن حجت العير

اجعل رفقتك من الصالحين الطيبين، قف هناك في عرفات خاشعاً مستغفراً ضارعاً إلى الله تعالى، فهو يومٌ يعتق الله فيه عباده من النار.

يا سائرين إلى البيت العتيق لقد                 سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحاً

إنا أقمنا على عذرٍ وقد راحوا                 ومن أقام على عذرٍ كمن راحا

عباد الله:

صلوا وسلموا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه حيث قال: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً [الأحزاب:56].

وقد قال : ((من صلى عليّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً))[5].

اللهم صلّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.



[1]  أخرجه البخاري (4/173).

[2]  أخرجه مسلم (2/943) رقم (1297).

[3]  أخرجه أحمد (6/4009 ، والطبراني . قال الهيثمي في المجمع (3/264) : فيه عبد الرحمن بن عقبة مولى معمر ، ذكره ابن أبي حاتم ، ولم يوثق ، ولم يجرح.

[4]  رواية إعطاء النبي نصف شعره الأيسر لأبي طلحة أخرجها مسلم في الصحيح (2/947) ، رقم (130).

[5]  أخرجه مسلم (1/288) رقم (384).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً