أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمدٍ ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الجيل الموحد، يا حملة المبادئ، أيتها الكتيبة المقدسة:
نقف هذا اليوم نحيي بملء القلوب والأجفان والأسماع رسولنا ، نحييه في أول العام الهجري، وهو رجل الهجرة الأول، نعيش اليوم مع الأطفال في أيام طرد هو من أطفاله، ونعيش اليوم منعمين في الدور والقصور، في أيام شرد من دوره، ونعيش اليوم مرفهين سعداء، في أيام عاشها هو كلها أسى، وكلها لوعة، يقدم رأسه وروحه من أجل لا إله إلا الله.
إنها الهجرة، وعنوان الخطبة: ((الداعية المطارد)).
طارده أقاربه وأرحامه وأصهاره، فما سبب المطاردة؟ لأنه يحمل مبدأ الإنقاذ، لماذا طورد؟ أمن أجل أنه أتى لينهب الأموال، ويسفك الدماء، ويحتل الأراضي، ويبتز المعطيات؟ لا.. من أجل أنه أتى لينقذ الإنسان، ليخرج الإنسان من الظلمات إلى النور؟
هذا حديث الهجرة، أغلقت فئة أبوابها في وجه الابن البار، وأنذرته في خلال أربع وعشرين ساعة أن يغادرها، ولا يبقى في ساحتها.
عجيب.. ولد في ربوعها، ترعرع في تلالها، شرب ماءها، استنشق هواءها، وتقول له مكة: اخرج، إلى أين؟ لا ندري.
وليتهم تركوه ليخرج سالماً معافى، لكن يريدون أن يخرجون جثة، أو يحبسوه ويقيدوه بالحديد، أو ينفوه من الأرض وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين [الأنفال:30].
تخفى قبل أن يذهب.
تخفيت من خصمي بظل جناحه فعيني ترى خصمي وليس يراني
فلو تسأل الأيـام عنـي ما درت وأين مكانـي مـا عرفن مكانـي
دخل في غرفة علي أو في بيته هو، وطوقه الكفرة الفجرة؛ لأنه يهدد مصالحهم التي بنيت على الظلم، ولأنه يصادر شهواتهم، ولأنه لا يطاوعهم في نزواتهم.
إن أهل الباطل قديماً وحديثاً يرون في حملة المبادئ، وفي رواد الحق، خصماء على طوال الطريق؛ لأنهم يقولون لهم: لا، في كل معصية، وفي كل شهوة، وفي كل نزوة، طوقوا بيته بالسيوف المشرعة، وتحروا متى يخرج ليفتكوا به، وهنا تأتي الشجاعة، ليست الشجاعة التي يبديها الناس، من أجل أراضيهم ومزارعهم ومناصبهم، الأنوف الحمراء التي تغضب للجيوب والبطون، السيوف المسلولة من أجل التراب والطين، أما محمد عليه الصلاة والسلام، فيقدم رأسه من أجل مبدئه، يتحدى الشمس أن تهبط في يمينه، والقمر أن ينزل في يساره، والله لو نزلت الشمس ونزل القمر، ما تزحزح خطوة واحدة، حتى تعلن لا إله إلا الله أصالتها في الأرض.
طوقوه، وأتاه جبريل، أخبره قائلاً: الخصوم خارج البيت، يريدون قتلك، فيقول: إن الله معنا، لله درك، ولله در الشجاعة المتناهية، ولله در الروح العالية:
يا قاتل الظلم ثارت هاهنا وهنـا فضائح أين منهـا زندك الواري
الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار
أنت اليتيـم ولكن فيـك ملحمـة يذوب فـي سـاحها مليون جبار
فخرج من البيت بلا سيف، وهم بالسيوف، وخرج بلا رمح، وهم بالرماح والعار، وأخذ حفنة من التراب، فألقى الله النوم عليهم فناموا، وسقطت سيوف الخزي والعار من أيديهم، فخرج ونثر التراب والغبار على رؤوس الفجار، وهو يقول: وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون [يس:9].
نقف اليوم بعد هذا الحدث، بأربعة عشر قرناً لنأخذ دروساً.
أولاً: درس التوكل على الله، وتفويض الأمر له، وصدق اللجأ، فلا كافي إلا الله، يقول سبحانه على لسان أحد أوليائه: وأفوّض أمري إلى الله إن الله بصيرٌ بالعباد فوقاه الله سيئات ما مكروا [غافر:44-45]. ويقول – سبحانه وتعالى – لرسوله: ويخوّفونك بالذين من دونه [الزمر:36].
وكل من دون الله فهو تحته ودونه وعبد له، فلا قيمة له، ولا وزن ولا تأثير.
والناس اليوم يحملون صدق التوكل والانتصار بالله في أذهانهم، لا في حياتهم وتصرفاتهم، إنهم أجبن من كل شيء، وأجبن ما يكون عندما تهدد لا إله إلا الله.
إن قضية الوظائف قد استعبدت البشر، والمناصب، والموائد، والجاهات، والشارات؛ إنها تستبعد الحر الشجاع، فتجعله ذليلاً جباناً، لا يقول كلمة الحق ((تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، والخميصة)).
إن محمداً عليه الصلاة والسلام؛ أراد أن يبني جيلاً قوياً شجاعاً، يقدم الواحد منهم رأسه لمبدئه، وروحه لمنهجه، ولكن طال الأمد وقست القلوب، وانطمس المنهج، وأصبحت الأمة تعيش خواءً عقدياً، أخوف ما تكون من البشر، انظر إليهم، والله إن البشر عندهم أخوف إليهم من رب البشر، فكم يخافون، كم يجبنون، وكم يصيب أحدهم الزلزلة والرعدة من تهديد بسيط يتعرض لوظيفته، أو لمنصبه، أو لدخله ورزقه، ولا يرزق إلا الله، ولا يخلق إلا الله واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً [الفرقان:3].
إن قصة الهجرة، يتجلى فيها التوكل، كأحسن ما يتجلى في أي صورة وفي أي موقف. يدخل الغار، ويتكرر لنا حديث الغار، ونعيد دائماً حديث الغار؛ لأن أول التاريخ بدأ من الغار، والنور انبعث من الغار، فمن يمنعه عليه الصلاة والسلام، أين موكبه، أين أقواس النصر التي تحف الناس، أين الجنود المسلحة التي تحمي عظماء الناس وكبراءهم، وهم أقل خطراً وأقل شأناً منه، لا جنود، لا حراسة، لا سلاح، لا مخابرات، لا استطلاع.
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان
فيقول أبو بكر، يا رسول الله والله لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا، فيتبسم عليه الصلاة والسلام، والتبسم في وجه الموت أمر لا يجيده إلا العظماء، حتى يقول المتنبي يمدح عظيماً، لا يستحق أن يكون جندياً في كتيبة محمد عليه الصلاة والسلام:
وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاحٌ وثغرك باسم
يتبسم عليه الصلاة والسلام ويقول: ((ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما)). هل يغلب هؤلاء الثلاثة، أم تكون الدائرة على أعدائهم، إذا كان الله ثالثهما، فمن المغلوب؟ من هو الخاسر في الجولة؟ من هو المنهزم في آخر المعركة؟ ويقول عليه الصلاة والسلام، لأبي بكر مواسياً له: ((لا تحزن إن الله معنا)) بعلمه – سبحانه وتعالى – وهي معية الحفظ والتأييد والتسديد لأوليائه، المعية التي صاحبت إبراهيم عليه السلام، وهو يهوي بين السماء والأرض، في قذيفة المنجنيق إلى النار، فيقول له جبريل: ألك إليّ حاجة؟ فيقول: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم: حسبنا الله ونعم الوكيل، فكانت النار برداً وسلاماً.
والمعية التي صاحبت موسى راعي الغنم، الذي يحمل عصاه، ولا يجيد اللغة أن ينطقها، ويدخل إيوان الظالم السفاك المجرم فرعون، حرس فرعون أكثر من ثلاثين ألفاً، الدماء تسيل في البلاط الملكي الظالم، موسى يلتفت ويقول: يا رب: إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى [طه:5].
فيعلمه الله درس التوحيد والتوكل: لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى [طه:46]. إنني معكما أسمع وأرى. نواصي العباد بيديه، رؤوس الطغاة في قبضته، مقاليد الحكم بيمينه، لا يصرف متصرف إلا بقدرته.
يطارد سراقة محمداً عليه الصلاة والسلام، فلا يلتفت، يقرأ القرآن ولا يلتفت؛ لأن الله معه، يدعو على سراقة، فيصبح سراقة مهدداً بالموت فيقول: يا محمد، اكتب لي أماناً على حياتي، أنت الآن محميّ، وأنا مهدد، بالله لا تقتلني.
فرّ من الموت، وفي الموت وقع!!.
محمد عليه الصلاة والسلام، يتبسم، ويقول: ((يا سراقة، كيف بك إذا سُوّرت بسواري كسرى؟)) أين كسرى؟! إمبراطور فارس، ديكتاتوري الشمال، المجرم السفاك، فيضحك سراقة كأنه ضربٌ من الخيال، هذا يستولي على إمبراطوريات الدنيا!! هذا يلغى مملكة العالم!! وهو لا يستطيع أن ينجو بنفسه.
وبالفعل تم ذلك، ودُكدك الظلم، وفتح الشمال، ورفرفت لا إله إلا الله على الإيوان.
ومـا أتت بقعـة إلا سمعت بها الله أكبـر تسـري في نواحيهـا
وخالـد فـي سـبيل الله مشعلها وخـالد فـي سـبيل الله مذكيهـا
ما نازل الفرس إلا خاب نازلهـم ولا رمى الروم إلا طاش راميهـا
الثاني: من دروس الهجرة: أن الله يحفظ أولياءه، نعم يؤذون، ويضطهدون، ويحبسون، ويقدمون رؤوسهم رخيصة لله، ولكن ينتصرون، لأن العاقبة للمتقين: إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار [غافر:51-52]. والنتيجة الحتمية، أنهم هم المنتصرون في آخر المطاف، وأن الباطل مهما انتفش، ومهما علا، ومهما كبر، فإنه كما قال سبحانه: فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض [الرعد:15]. الباطل له صولة، والحق له دولة، والعاقبة للمتقين، وتكفل الله أن يحفظ دعائم هذا الدين، والمتمسكين به، والمنضوين تحت لوائه، فمهما تعرضوا له من الإساءات، والاضطهاد والإقصاء، والاستخذاء، فإنه لا يزيدهم إلا إصراراً على مبادئهم، وشمماً وقوة.
الثالث من دروس الهجرة: عالم التضحيات والبذل، تحقق في سيرته، عليه الصلاة والسلام، لكن ما فعلت أنا، وماذا فعل أنت لهذا الدين؟ ماذا قدمنا؟ ومحمد عليه الصلاة والسلام، شغله الشاغل، أنفاسه، خواطره، أفكاره، أمواله، أهله، روحه، لله، يقول في أحد مواقفه: ((والذي نفس محمد بيده؛ لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل)).
هاجر من مكة مطروداً، أغلقت مكة أبوابها في وجهه، ووقف في حمراء الأسد، يخاطب مكة، فبينه وبين مكة كلام رقيق مشوق.
يـا من يعز علينـا أن نفارقهـم وجداننا كل شيء بعدكم عدم
إذا ترحّلت عن قـوم وقد قـدروا لا تفارقهم فالراحلـون هـم
يقول لمكة: ((والذي نفسي بيده إنك من أحب بلاد الله إلى قلبي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت)). ثم تدمع عيناه ويذهب، بناته أمامه، يضربن، فلا يستطيع أن يدفع عنهن الظلم، يوضع السلا على رأسه وهو ساجد فلا يتحرك، وهم يضحكون، ثم تأتي فاطمة – رضي الله عنها – فتلقي السلا عن ظهره، فلما قضى رسول الله الصلاة قال: ((اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليكم بقريش، اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد)).
قال عبد الله: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، فصلى الله وسلم وبارك عليك يا رسول الله.
تباع غُرفه في مكة، بعقد يتولاه عقيل بن أبي طالب، أعمامه يكذبونه أمام الناس، يحثى التراب عليه، يطارد بعيداً بعيداً، يشج رأسه، ويدمى أصبعه، وتكسر رباعيته، فيصبر ويحتسب.
يريدون إغلاق صوته، فيزداد الصوت، أقوى، وأعظم، وأعمق، وأأصل، فيصل إلى المدينة فإذا الدنيا تتحدث عنه.
وإذا أراد اللـه نشـر فضيلــة طويت أتـاح لها لسـان حسود
ولولا اشتعال النـار فيما جاورت ما كان يعرف طيب نفح العـود
هكذا العظمة، وهكذا الريادة.. وينصت العالم له، ويسمعون كلمته، ويقويه الله بجند من عنده، وتحف به الملائكة.
وقاتلت معنا الأملاك في أحـد تحت العجاجة ما حادوا وما انكشفوا
سعدٌ وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبـد من سلسالهـا رشـفوا
إذاً التضحية هكذا، أن تقدم دمك، ومالك، ودموعك، ووقتك للإسلام، وإلا الركعات والتسبيحات، التي يمتن بها كثير من الناس، ولكنهم لا يحترقون على الدين ولا يغضبون لانتهاك محارم إياك نعبد وإياك نستعين، فهؤلاء لا يستطيعون أن يتقدموا معك خطوة، لنصرة لا إله إلا الله، هذا عالم آخر.
الرابع من الدروس: ماذا قدمنا للعام الهجري المنصرم، ذهب من أعمارنا عام، مات فيه قوم، وعاش قوم، واغتنى قوم، وافتقر قوم، وتولى قوم، وخلع قوم، فماذا قدمنا للإسلام؟ ولك أن تتعجب معي، وإن تعجب، فعجب فعلهم في هجرة محمد عليه الصلاة والسلام، أين هي الصحف الصباحية ؟ أين هي الشاشة؟ أين صحفٌ لا تحيي محمداً عليه الصلاة والسلام، كتابها حسنة من حسناته، كتابها متطفلون على مائدته، كتابها أحرار لما أخرجهم من الرقّ؛ رق الوثنية والعبودية لغير الله، بلاد ما أشرقت عليها شمس إلا بدعوته، ولا تحييه!! لا كلمة، ولا عموداً صغيراً، ولا زاوية تحيي المصلح العظيم. والله لقد قرأت أخباراً عن كلاب، حدثت لها وقائع ومصائب في الغرب وترجموا لها، لكن محمداً عليه الصلاة والسلام، لا يجد من يترجم له.
ونقول للكتبة وللمحررين وللنخبة المثقفة – كما تزعم – ولأهل الكلمة، ولأبناء الفكر، لا عليكم وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم [محمد:38]. لا عليكم إن بخلتم بأقلامكم على محمد عليه الصلاة والسلام، وعلا صفحاتكم الفنية كواكب الفن وشموس الغناء، فعندنا جيلٌ الآن، أعلن توجهه إلى الله، جيل كتب الهجرة بدموعه، وحفظ المسيرة بقلبه، وأصبح حب محمد عليه الصلاة والسلام، يجري في دمه. عندنا جيل كعدد الذر، كلهم والله يتمنى اليوم قبل غد، أن يقتل في سبيل الله، من أجل مبادئ محمد عليه الصلاة والسلام، هذا أثره عليه الصلاة والسلام علينا، وهذا موقفنا من دعوته ورسالته، تُبحث الأفكار إلا فكره!! وتدرس المناهج إلا منهجه!! ويتكلم عن الشخصيات إلا شخصيته.
ورأيت في صحيفة زاوية، خصّصتها للأعلام والمشاهير ولوفياتهم.
إنهم مشاهير السفك والنهب في العالم؟ مشاهير القتل والإبادة، واستخذاء الشعوب، أما المحرر الأول، أما إنسان عين الكون، أما الرجل الذي أصلح الله به الأمة، فلا كلام، ولا ترجمة!! فبماذا يعتذر هؤلاء أمامه، عليه الصلاة والسلام غداً.
ولا يفهم فاهم، أو يزعم زاعم؛ أني أريد أن ننشئ له عيد هجرة، فالإسلام لا يقر هذا، ولا عيد ميلاد، فالإسلام لا يؤمن بهذا، ولا أن نجتمع في زوايا، وفي خلايا، وفي جوانب، لنرقص كما يرقص المخذولون المتهوكون، بالنشيد والتصفيق، فتحيته ليست هكذا. تحيته؛ أن نطهر بلاده مما طهرها هو، فتكون بلاداً مقدسة، تحيته أن نسير على خطواته، وأن نقتفي منهجه، وأن نضحي لمبدئه، أعظم مما يضحي الثوريون العرب، والماركسيون العرب، والاشتراكيون العرب، للأقزام الملاعين، وللنخبة المخذولين، وللأصنام المبعدين.
تحيتنا له؛ أن نقف مع سنته، وننشرها في الأرض ((بلغوا عني ولو آية)).
((نضر الله امرئً سمع مني مقالة، فوعاها، فأداهما كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع)). إن عالَم البادية، الذي كان يسجد للحجر ويجمع التمر على صورة صنم، ويصلي له، ويأتي إلى الوثن الذي تبول عليه الكلاب والثعالب، ويدعوه أن يشفي مريضه لهو عالَم ضال.
رب يبول الثعلبان برأسه!! قد ضل من بالت عليه الثعالب
فمن الذي حرر البشرية من هذا؟ إنه محمد عليه الصلاة والسلام؟ وإن العجب العجاب، أن تحتفل جهات متعددة بنظافة البيئة، محاضرة في نظافة البيئة، ومحاضرة في فن السياحة، ومحاضرة في أدب الاصطياف، ولم يبق إلا محاضرة رابعة في بيطرة البقر، وما هو علاج البقر، ومن هم الأبطال الذين يعالجون الأبقار من أمراضها.
علي نحت القوافي من معادنها وما علي إذا لم تفهم البقر
لماذا لم تعد محاضرة بعنوان: أثر رسالته عليه الصلاة والسلام على العالم؟ لماذا لا يأتي هؤلاء المحللون والمنظرون بمحاضرة عن: ((الإسلام وحاجة العالم إليه))، ((نحن والقرآن))، ((ماذا قدمنا للعالم))، ((أثر لا إله إلا الله في حياة الإنسان)) أما هذه المحاضرات التي شبع منها الناس، ومجتها الآذان، وأصبحنا نصاب بغثيان من سماعها وتردادها، فوالله إنها شغل للأقوات، وإنها تسويد للصحف، وإنها مجٌ للأسماع، ورداءة على القلوب.
هذا هو المهاجر الأول، هذا هو الداعية المطارد من أجل مبدئه، وهذه الصحف، وهذه الأقلام، ولكم أن تحكموا: بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره [القيامة:14-15]. يا أيها الإنسان ما غرّك بربك الكريم الذي خلقك فسوّاك فعدلك [الانفطار:6-7].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
|