أما بعد:
نصف قرن مضى على وقوع أعظم كارثة للمسلمين في عصورهم الأخيرة، وأية كارثة أعظم من أن يقع مسجد المسلمين الثالث في قبضة أشد الناس عداوة للمؤمنين، قال نبينا عليه الصلاة والسلام: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد الأقصى ومسجدي هذا))، هذه المساجد بين هذا الحديث فضيلتها ومزيتها على غيرها لأنها مساجد الأنبياء، فالمسجد الحرام قبلة الناس وإليه حجهم، والمسجد الأقصى قبلة الأمم السالفة، ومسجد رسول الله أسس على التقوى، وفيه الروضة المشرفة التي هي من رياض الجنة، وهذه المساجد هي وحدها التي تشد إليها الرحال، فيسافر إليها المؤمن بقصد الصلاة والاعتكاف والتقرب إلى الله، ومن نذر إتيان أحدها لزمه ذلك، والصلاة بها أفضل من الصلاة في غيرها، قال : ((الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة))، وقد بارك الله تعالى في أرض بيت المقدس بما خصها به من الخيرات الدينية، فهي موطن الأنبياء والرسل ومهبط الشرائع، فلا تعرف في الأرض بقعة بعث فيها الرسل كأرض فلسطين، لذلك جعلها الله ميراثاً لأمة الإسلام بإسراء رسول الله عليه الصلاة والسلام إليها.
والقارئ لسورة الإسراء يلاحظ هذا الربط بين الحديث عن الإسراء وإفساد بني إسرائيل في الأرض مرتين، ففي هذا الربط إشارة إلى أن إفسادهم سيكون في أرض الإسراء، بعد تغلبهم وعلوهم وطغيانهم، وها نحن نرى ما أخبرنا به ربنا يقع في أرض فلسطين أرض الإسراء. فقد علوا علواً كبيراً: احتلوا فلسطين، وانتصروا على العرب في كل حرب، وصاروا يفرضون شروطهم كما يشاؤون، فرضوا ما يسمى بالسلام الذي هو في الواقع استسلام لليهود، وضعوا اقتصاد البلاد العربية تحت تصرفهم، نعم كل ذلك بدعم مباشر من الغرب وعلى رأسه أمريكا. فاليهود لا يستطيعون عمل شيء إلا بدعم من سواهم، قال تعالى: ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس أي لابد لهم في كل أمر من معونة غيرهم، هذه المعونة ليست أمراً خفياً، فأمريكا تبدأ ميزانيتها السنوية بتخصيص مبلغ المساعدة لدولة يهود حتى أصبح دخل الفرد اليهودي السنوي أعلى دخل في العالم كله، وما ذلك إلا بالأموال التي يبتزونها من مختلف دول العالم. ثم إن دولة يهود وهي الدولة المدللة في العالم، تمتنع من التوقيع على معاهدة منع الأسلحة النووية في الوقت الذي تمنع غيرها من الدول من امتلاكها لتبقى القوة تحت تصرفهم يهددون بها من لم يخضع لأوامرهم. واليهود كما نعلم أهل مكر وخداع استطاعوا بتخطيطاتهم الماكرة إن يخدعوا من أهل فلسطين من اعترف بدولتهم، وما كان للفلسطينيين أن يفعلوا ذلك لو أنهم تدبروا في كتاب ربهم ودرسوا بإمعان تاريخ يهود مع الإسلام.
لقد بين الله تعالى في كتابه أن اليهود لا عهد لهم ولا ذمة، فقال سبحانه: أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون فلقد كانت بينهم وبين النبي عهود فنقضوها كفعل بني قريظة وبني النضير الذين قال الله فيهم: الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون وهاهم اليوم – كما كانوا دائما – ينقضون معاهدة "أوسلو" ويرجعون عن اتفاقياتهم، يشجعهم على ذلك حال المسلمين والعرب وما هم عليه من تفرق واختلاف وبعد عن دين الله، مما تسبب في ضعفهم وخذلانهم مع أنهم الأقوى بأعدادهم وأموالهم، ولكنهم بإعراضهم عن هدى ربهم صاروا أضعف الناس أمام أعدى أعدائهم الذين قال الله فيهم: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا.
|