أما بعد:
يقول ربنا سبحانه وتعالى مخبراً عن إبراهيم عليه السلام أنه قال وهو يحاجج قومه من عباد الأصنام: فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين.
عباد الله: هذا إبراهيم الخليل يدعو قومه لعبادة الواحد الأحد، وقد كانوا يعبدون الأصنام التي لا تسمع، ولا تضر ولا تنفع، وأخبرهم أنه يتبرأ ويعادي من يعبد غير الله، وأنه يوالي ويحب من عبد الله، فالله سبحانه هو الذي خلق العباد وأرشدهم إلى الدين الحق، وهو الذي يرزق العباد، وهو الذي يشفي عباده من كل الأمراض وهو الذي يميت ويحيي، وهو الذي يُرجى لمغفرة الخطايا والذنوب.
فالله سبحانه ابتلى عباده بمختلف الأمراض ليعرف الإنسان ضعفه، وأنه لا حول له ولا قوة، وليلجأ إلى ربه في كل أحواله يسأله العون والمدد، والهداية والإعانة.
ومن رحمة الله بعباده أن جعل لكل مرض شفاء، قال عليه الصلاة والسلام : ((ما أنزل الله من داء، إلا أنزل له شفاءً)) وجاءت الأعراب إلى رسول الله ، فقالوا: يا رسول الله: انتداوى؟ فقال: ((نعم يا عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داء واحد، قالوا: ما هو؟ قال: الهرم)).
وأن أول الدواء، التوجه إلى الله تعالى بخالص الدعاء، مع اليقين أن الله تعالى هو الشافي، فالدعاء واللجوء إلى الله تعالى يثير قوى سرية في جسم الإنسان تقوى بها مناعته، وكم من أمراض قرر الأطباء أن لا علاج لها، شفى الله منها، فهو سبحانه القادر على كل شيء لا رب سواه.
ثم إن استعمال الدواء لا يتنافى مع التوكل على الله، فحقيقة التوكل: اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولابد مع الاعتماد من مباشرة الأسباب.
يُروى أن إبراهيم الخليل قال: يا رب ممن الداء، قال: مني، قال: فممن الدواء؟ قال : مني، قال: فما بال الطبيب، قال: رجل أُرسل الدواء على يديه.
ولذلك كان على الأطباء أن يستحضروا هذا الأمر، فهم رسل الرحمة، يرشدون الناس إلى رحمة الله التي جعلها في الدواء.كما عليهم أن يعلموا مقدار حاجة الناس إليهم، قال الشافعي: "صنفان لا غنى للناس عنهما: العلماء لأديانهم، والأطباء لأبدانهم"، فيجب أن يعملوا على الإحسان إلى الضعفاء، ومن لا قدرة له على ثمن العلاج، وبذلك ينالون شرف الدنيا وثواب الآخرة، فما عليه الحال اليوم من غلاء الدواء- بمختلف أشكاله – يفرض على أهل الإحسان من الأطباء والأغنياء أن يبذلوا مما أفاء الله عليهم مساعدة منهم للمرضى من الفقراء.وبذلك تتحقق الأخوة وتعم المحبة.
وإن على المؤمن أن يتوجه إلى الله تعالى سائلاً منه سبحانه أن يجنبه الأمراض والعلل وأن يدعو بدعاء نبي الرحمة: ((اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا)).
وكان نبينا عليه الصلاة والسلام في صحته ومرضه إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما: قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات.قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به.
وعن عثمان بن أبي العاص أنه شكا إلى رسول اللهوجعاً يجده في جسده، فقال له رسول الله : ((ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل : بسم الله – ثلاثاً – وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر)).
وكان النبي إذا دخل على من يعوده قال: ((لا بأس ، طهور إن شاء الله)).
فاللهم هب لنا قوة وعافية تعيننا على ذكرك، وحسن عبادتك.
اللهم هب لنا قوة لا تطغينا، وغنى لا يلهينا، ولساناً رطباً بذكرك. |