أما بعد:
فيا عباد الله: ذكرنا فيما مضى شيئا مما ورد في فضل أصحاب محمد في كتاب الله، ونورد اليوم جملا ما ورد في فضلهم على لسان نبينا محمد فمن ذلك قوله في المتفق عليه: ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)) وفي رواية: ((خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم)) وفي رواية: ((خيركم قرني)) فهم خير الناس وخير القرون وخير الأمة رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه ومسلم عنه قال: ((يأتي على الناس زمان يغزو فيه فئام من الناس فيقولون: هل فيكم من صاحب رسول الله فيقولون: نعم، فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله فيقولون نعم، فيفتح لهم، ثم تأتي على الناس زمانٌ فيغزوا فيه فئام من الناس فيقال هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله فيقولون نعم، فيفتح لهم)).
ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عنه أنه قال: ((لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه)) فأين يذهب من الله من يقع في أحد من أصحاب رسول الله وجبل أحد منه لا يساوي نصف مُداً من أصحاب محمد ومنها أنه قال: ((أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة بن عبيد الله في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبو عبيدة عامر بن الجراح في الجنة، وسعيد بن زيد بن عمر وبن نفيل في الجنة)) فأين يذهبون من الله من يقعون فيمن شهد لهم بالجنة بأسمائهم.
يلعنون أبا بكر وعمر وعثمان أو غيرهم من أصحاب رسول الله المرضي عنهم، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه أنه كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص فتحركت الصخرة وفي رواية: فتحرك الجبل فقال اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد، فالنبي هو والصديق هو أبو بكر ، والشهداء هم عمر قتله غيلة أبو لؤلؤة المجوسي لعنه الله، وعثمان قتله الثوار فسال دمه على مصحفه ، وعلي قتله عبد الرحمن بن ملجم الخارجي، وصلحة والزبير وسعد قتلوا في المعارك، فهم جميعاً شهداء بشهادة رسول الله لهم وقد قال تعالى: والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ومنها ما رواه البخاري في صحيحه أنه صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم الجبل فقال أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان، ومنها ما صح عنه أنه قال: ((أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في أمر الله عمر، وأشهدهم حياء عثمان، وأقضاهم علي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيده عامر بن الجراح، وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر أشبه عيسى عليه السلام في ورعه)) فأبو بكر هو أرحم الأمة بالأمة بنص رسول الله وهو القائل حين ارتد الناس وأراده الصحابة على مهادنتهم: والله لو منعوني عناقاً وفي رواية: عقالاً كانوا يدفعونه لرسول الله لقاتلهم عليه، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي أي حتى يقتل فلما رأى منه الصحابة هذه العزمة الصادقة شرح الله صدورهم لقتال جميع المرتدين ونصرهم الله عليهم وضرب الإسلام بجرانه في جزيرة العرب مرة أخرى، فالحزم والصلابة في الدين لا تنافي الرأفة والرحمة بالمؤمنين، فهذا أرحم الأمة بالأمة.
أما شدة عمر في أمر الله فهي أشهر من أن تذكر، ولعل الله أن ييسر لنا ذكر شيء من سيرته في خطب لاحقة، وعثمان هو الذي قال فيه : ((كيف لا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة)) ومن فضائلهم صح أن عبد الله بن مسعود كان صاحبي نعلي رسول الله ووسادته ومطهرته وعمار بن ياسر أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه وحذيفة بن اليمان كان صاحب سر رسول الله الذي لا يعلمه أحد غيره، وسعد بن أبي وقاص كان مجاب الدعوة.
ومنها صح عنه أنه قال: ((اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه)) ومنها ما رواه البخاري ومسلم عنه قال: ((رأيتني دخلت الجنة فإذا بي بالرميصاء زوجة أبي طلحة وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا بلال ورأيت قصراً بفنائه جارية فقلت: لمن هذا فقالوا هذا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخل فانظر إليه فذكرت غيرتك فوليت مدبراً فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله)) [متفق عليه]. وفي رواية: أنه أصبح فدعا بلال فقال: ((يا بلال بم سبقتني إلى الجنة ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي فقال بلال: يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عنده ورأيت أن لله علي ركعتين فقال : بهما)) فهذا بلال الحبشي ينال تلك المنزلة الرفيعة بخبر رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى والذي لا يخرج من لسانه إلا الحقد فليتق الله من يسيرونها جاهلية فيناضلون بين الناس على أساس عروقهم وأجناسهم وقبائلهم وليعلموا أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه سبب إلا سبب التقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم ((لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، الناس سواسية كأسنان المشط خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)).
اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك، اللهم إنا نسألك البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. |