ثم أما بعد:
فإنه لا يخفى على مسلم معاشر المؤمنين ما تتعرض له أمتنا من اعتداءات وانتهاكات والناس ـ وهم ينظرون إلى هذه الأزمات المتتالية وهذه الانتهاكات المتتابعة ـ يتحيرون في أمرهم ويتساءلون ماذا يصنعون وماذا يقدمون, ونرى معاشر المؤمنين أن الناس يسلكوا طريقين لا ثالث لهما.
أما الطريق الأول فما أسهله, وما أيسره, طريق أثبت التاريخ, وأثبت الزمان أنه لا يقدم ولا يؤخر, وأنه طريق مخدر يخدر الأمة ويبعدها عن واقعها, هذا الطريق هو طريق المظاهرات والهتافات والتجمعات والشجب والنكير والصياح والنعير وفقط, وهذا أمر يحسنه كل أحد, فما أيسر أن يخرج الإنسان في مظاهرة, وما أيسر أن يهتف وأن يسب وأن يلعن العدو, وما أيسر أن يشجب وأن يصرخ وأن يصيح ويولول, فهذه أمور يحسنها كل رجل بل كل امرأة وكل طفل.
وأما الطريق الثاني معاشر المؤمنين, والذي فيه العلاج والذي فيه الحل لهذه الأزمات والنكبات, طريق لا يقدر عليه إلا المخلصون, ولا يقدر عليه إلا الصالحون, ولا يقدر عليه إلا من صدقوا ربهم عز وجل, طريق معاشر المؤمنين يستلزم عملاً ومجاهدة للنفس, طريق لابد لسالكها أن يجاهد شهواته, وأن يجاهد نفسه, وأن يعمل بما يعلم, وحينما يتحقق النصر معاشر المؤمنين, ولا يستطيع حينها أعداء الله أن يقفوا أمام هذا الطريق الذي سلكه الأنبياء وسكله أتباعهم من بعدهم.
معاشر المؤمنين: إن الطريق يبدأ بالعمل, فديننا دين عمل ليس الإيمان بالتمني, وليس الإيمان قولاً يقال, يقول الله عز وجل: إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم , فاشترط جل وعلا لحدوث نصره وتثبيت أقدام المؤمنين, اشترط سبحانه وتعالى أن تنصره أولاً, ونصر الله يكون بتطبيق شرعه, ونصر الله يكون بالتزام أمره, ونصر الله يكون باجتناب نهيه والبعد عن سخطه, هذا نصر الله معاشر المؤمنين, فهل نصرت الأمة ربها عز وجل؟! هل أقامت دينه؟.
انظروا ـ رحمني الله وإياكم ـ إلى شرع الله, كم من ديار الإسلام تطبق شرع الله؟ وكم من ديار الإسلام تتحاكم إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه , بل خلوا عنكم الحكومات والأنظمة, كم من الناس يتحاكمون إلى كتاب الله وإلى شرع الله في بيوتهم, وفي حياتهم, وفي تجارتهم, وخاصة أمرهم, تحاكم المسلمون إلى قوانين وضعها أعداؤنا استبدلوا بها شرع الله عز وجل, بل وحاربوا شرع الله, وعدوا من ينادي بتطبيقه, عدُّوه إرهابيًا ومتخلفًا ويريد أن يرجع بالأمة إلى الوراء.
هذا هو حالنا معاشر المؤمنين, انظروا إلى العبادة التي من أجلها خلقت السموات والرض, وبعث النبيون, ومن أجلها خلق الله الخلق, انظروا إلى العبادة تصرف لغير الله في بعض أقطار الإسلام, مراسم الذبح للأولياء تنقل على الهواء مباشرة, وأما الطواف بالأضرحة والقبور فحدث ولا حرج, يستنجد الناس ويستغيثون بالأموات وغيرهم, هذا حالنا معاشر المؤمنين فكيف ينصر الله عز وجل أمة هذا حالها؟!
ولو تأملنا معاشر المؤمنين حالنا مع ما نهى الله عنه وزجر لوجدنا عجبًا عجابًا, فالناس قد تهاونوا في المحرمات, بل في الكبائر والموبقات استمرؤوها ووقعوا فيها, فكيف لا يتجرأ علينا أبناء القردة والخنازير؟ وكيف لا يسلط الله علينا شر خلقه وقد أعلن المسلمون على الله الحرب, ألم يقل الله تبارك وتعالى محذرًا عباده من الربا فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله , عدوا لي البنوك الإسلامية في العالم الإسلامي, وعدوا بنوك الربا ودوره, تجدون الجواب معاشر المؤمنين: استحل الناس الربا بأنواعه ووقعوا فيه بأنواعه واعتمدوا على فتاوي ضالة أصحابها لا ثقل لهم عند أهل العلم, وقع الناس في الربا معاشر المؤمنين, سيارتهم عن طريق الربا, بيوتهم بقروض ربوية, وأما تجاراتهم واعتماد صفقاتهم فحدث ولا حرج, فكيف تنصر أمة معاشر المؤمنين أعلنت الحرب على خالقها جل وعلا.
إذًا طريق العمل وطريق الرجوع إلى الله عز وجل يستلزم مجاهدة ويستلزم عملاً وتوبة وإنابة وهذا هو الذي يتميز به الصادقون والصالحون المخبتون , وانظروا إلى الصلاة رحمكم الله, الصلاة التي هي عماد الدين, انظروا إلى قدرها في نفوس المسلمين, لا تنظروا إلى دياركم فإنها ديار إسلام يختلف فيها الوضع عن كثير من الديار, انظروا إلى هذه الصلاة, المسلمون كثير منهم ـ إلا من رحم الله ـ لا يصلون الخمس ولا يقيمونها فضلاً عن شهود الجماعات والجمع, فكيف ينصر الله عز وجل أمة لا تقيم للصلاة وزنًا, تقام الصلاة فيصلي في المساجد ومن في الشوارع في دول الإسلام أكبر ممن في داخل المسجد, بل انظروا إلى هذه الشعيرة التي يقول عنها ابن القيم عن يوم الجمعة وهي من آكد فروض الإسلام, يوم الجمعة هذا الذي يقول عنه رسول الله أنه أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر, انظروا إلى تأخر الناس في الحضور وهم يعلمون أن لهذه الصلاة ملائكة يجلسون عند الباب يكتبون الأول فالأول فإذا دخل الإمام طوت الملائكة صحفهم وجلسوا يستمعون الذكر, كيف يعظم الناس هذه الشعيرة؟ أيبكرون لها؟ أيحرصون على الدخول قبل الإمام.
وانظروا رحمكم الله إلى أهل اللعب والفسق, انظروا كيف يبكرون إلى لعبهم, أسمعتم بمباراة تبدأ والجمهور لم يحضر بعد؟ أم سمعتم بحفلة غنائية تقام والجمهور لم يحضر بعد؟ هذا حال أمتنا فينبغي إذاً معاشر المؤمنين أن نكون كالمريض الحكيم الذي يستمع إلى طبيبه وهو يشخص له مرضه فيستمع إلى ما به من عاهات وآفات ويستعد للعلاج حتى ينجو بنفسه, فنحن معاشر المؤمنين تركنا شرع الله عز وجل ووقعنا في المنكرات والموبقات وأكلنا الربا وقصرنا في آكد فروض الإسلام في الصلوات والجمع والجماعات, وأما المنكرات فحدث ولا حرج, فأما الغناء الذي بين لنا نبينا أنه ظهوره وشيوعه يؤذن بحصول الخسف والمسخ والقذف فقد شاع وكثر, ألم يقل فيما ثبت وصح عنه: ((يكون في أمتي خسف ومسخ وقذف, قيل: متى يا رسول الله؟ قال: إذا ظهرت المعازف وكثرت القيان وشربت الخمور )) .
فأمتنا معاشر المؤمنين مهددة بالخسف والمسخ والقذف من السماء إذا ظهرت المعازف, إذا انتشرت المعازف وظهرت القيان ـ جمع قينة وهي المرأة المغنية ـ فيقول إذا أتى هذا الزمان الذي تكثر فيه المغنيات وتكثر فيه آلات المعازف وتشرب فيه الخمور التي تدار الآن على كثير من طائرات الدول الإسلامية ـ حتى في الجو يسكرون ويشربون الخمور ـ حينها يكون خسف ومسخ وقذف, فكيف لا يسيطر على العالم أحفاد القردة والخنازير, والموحدون هذا حالهم؟! وهذا وضعهم.
إذن معاشر المؤمنين الطريق الآخر طريق يستلزم جهادًا للنفس, وجهاد السيف لا ينتصر إذا لم يسبقه جهاد النفس وكبح لها عن شهواتها وعن ميولها وتمسكها بهذه الحياة الدنيا وتعلقها بها لابد أن تعلموا هذا معاشر المؤمنين؛ فالله عز وجل اشترط هذا فقال: إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقداكم , واشترط أيضًا فقال: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر , كم من الناس اليوم يحب الأمر بالمعروف ويحب النهي عن المنكر؟ كم من الناس اليوم يجل أهل الأمر بالمعروف وأهل النهي عن المنكر؟ بل كم من الناس اليوم يحاربهم ويهزأ بهم ويسخر منهم ويجعلهم أحاديث المجالس, فكيف يتحقق النصر معاشر المؤمنين والله عز وجل قد اشترط هذه الأمور وبينها في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
معاشر المؤمنين: الزنا في ديار الإسلام مرخص, الزنا في ديار الإسلام تشد إليه الرحال في هذه الأيام, الزنا انتشر كانتشار النار ـ بل أشد والله ـ في الهشيم, ولعل عوام الناس يعرفون هذا الأمر أكثر من خواصهم, الزنا إذا حل في قرية, وإذا نزلت الفاحشة بقوم ـ كما يقول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ـ نزلت بهم الأمراض التي لم تكن في الأمم من قبلهم, وكأنه يتحدث صلوات ربي وسلامه عليه عن عصرنا وزماننا ((ما ظهرت الفاحشة في قوم إلا ظهرت فيهم الأمراض التي لم تكن في الأمم من قبلهم)).
نعم معاشر المؤمنين هذه عقوبة من الله, ينبغي للناس أن يتعظوا, وأن يتذكروا قوله حين أجاب على سؤال زينب بنت جحش: "أنهلك وفينا الصالحون" قال : ((نعم إذا كثر الخبث)) , وتذكروا أن المدينة زلزلت في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه وما أغفل الناس وما أبعدهم عن التذكر والاتعاظ , فبالأمس القريب كان الذي لا يذبح لضيفه يعد قليل أدب متجنٍ على ضيفه, وبالأمس القريب كان الذي لا يسرف في الولائم ويذبح عشرات الرؤوس من الأغنام يكون قد أتى منكرًا من القول وزورًا, واليوم يجبر الناس في أفراحهم على أن يذبحوا الدجاج فتتبدل النعم سريعًا, ولكن الناس لا يتعظون ولا يتذكرون, فاتقوا الله معاشر المؤمنين وعليكم بالطريق الأمثل, فإن الأقصى لا يستعاد بالتظاهر والهتاف والصياح والنشيج, الأقصى لن يعود إلا بيد رجال, والرجال من أعظم أوصافهم ما وصفهم به ربهم عز وجل في قوله: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة.
فأهم ما يتصف به الرجال أن التجارة والبيع ـ وهما قد أحلهما الله, بل وشرعهما ـ لا يلهيان الرجال عن ذكر الله ولا عن إقام الصلاة, والرجال اليوم يلهيهم لا أقول الحلال بل الحرام عن ذكر الله وإقام الصلاة.
فهذا طريق المخلصين فإذا أردت أن تكون منهم ـ ويجب أن تكون أيها العبد المؤمن ـ فعليك بسلوكه, انصر الله عز وجل, احفظ الله عز وجل ينصرك الله ويحفظك, طبق شرعه, امتثل أمره, اجتنب عن نهيه تكن قد أسهمت في نصرة أمتك, وفي استعادة أولى القبلتين, فإن الله عز وجل أخبر أنها تعود لمن كان المسجد همه, وليست الأرض ولا العاصمة ولا الحدود وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرًا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. |
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين سيد الأولين والآخرين وإمام الأنبياء والرسل أجمعين سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأزواجه أمهات المؤمنين وأصحابه والتابعين ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين.
ثم أما بعد:
معاشر المؤمنين فما أكثر صور المآسي والانتهاكات التي يراها المسلم ويسمع عنها ويشاهدها ربما حية على الهواء في عصر الإتصالات وعصر التقنيات, ولعل من أبشع هذه المناظر التي لا أظنها تغيب عن ذاكرة المسلمين ولا تغيب عن مخيلة عقلائهم, وعن مخيلة أبنائهم وأطفالهم صورة ذلك الطفل الذي قتل بجوار أبيه أمام العالم.
ولي وقفة معاشر المؤمنين حول هذا الموضوع, لن أتحدث عمن قتلوه, فالذي يقتل أنبياء الله ورسله ويذبح أنبياءه وهو يعلم أنهم رسل من عند الله يذبح من دونهم, ولن أتحدث عن سكوت العالم فقد اعتاد المسلمون عليه, ولكني أتحدث عن ذلك الطفل الشجاع, وعن حال أطفالنا في ذلك العصر والزمان, أتظنون أيها الآباء وأنتم يا معاشر الشباب والأطفال أن ذلك الطفل ابن التاسعة الذي لم يخف من صوت الرصاص والقنابل أتظنونه كان يحفظ أسماء اللاعبين كما يحفظها أبناؤنا, أتظنون ذلك الطفل الذي قتل أمامكم يعرف أسماء الممثلين والمغنيين كما يعرفها أبناؤنا, أتظنون أن معايير النصر والانتصار عند ذلك الطفل تكون بانتصار فريق أو انتصار منتخب, إن ذلك الانتصار عند ذلك الطفل ـ معاشر المؤمنين ـ أن يصيب يهوديًا في رأسه وأن يهز اليهود بحجارته, والانتصار عند أطفالنا أن تهز الشباك وأن تزداد النقاط لفريقه الذي يحبه, تقوم الدنيا ولا تقعد ويفرح المسلمون ويبتهجون إذا حققوا حديدة سموها فضية أو ذهبية هذا هو حال أمتنا, حال رجالهم قبل صغارهم, فالذي يأسى على ذلك الطفل عليه أن يأسى على أطفالنا أولاً, ومعايير ذلك الطفل ـ لا أعرفه ـ ولكنني أكاد أجزم أنه لا يملك حاسوبًا, ولا يملك ألعاب ولا يملك تراهات وتفاهات كتلك التي أمتلأت بها بيوتنا.
لما زُف الخبر إلى أمه قالت: أنجب غيره عشرين, وهذا حالهم معاشر المؤمنين ونجد من أبناء الموحدين من يقول أكتفي بولد واحد وبنت واحدة, وأكرس حياتي لهما ((تناكحوا تكاثروا فإني مباهِ بكم الأمم يوم القيامة)) ذلك الطفل معاشر المؤمنين الذي قتل أمامنا جعلنا نشعر أننا نحن الأطفال لأنه مات ـ نسأل الله له الشهادة ـ على يد أعداء الله وعلى مرأى من المسلمين, ونحن معاشر المؤمنين بعد ما يرى المسلمون ما يحدث له يتقلبون بين القنوات فلا يمنعهم ذلك المنظر من متابعة فيلم, أو مشاهدة مباراة, ولا يمنعهم ذلك المنظر أن يستمروا في معصيتهم وبعدهم عن الله عز وجل, فاعتبروا يا أولي الأبصار, واعلموا رحمني الله وإياكم أن الله عز وجل مسخ قلوب بني إسرائيل وجعلها أشد قسوة من الحجارة لما رأوا الآيات والنذر التي توجب لين القلوب, فلما لم تلن أحيا الله أمامهم الميت فقلنا اضربوه ببعضها قام وتكلم وأخبر عن القتل فلم يؤمنوا ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة , ثم زكى الله عز وجل الحجارة وبين أن منها ما يلين, ومنها ما يشقق فيخرج منه الماء, وقلوب العباد لا تلين ولا تشقق ولا يخرج من عينها الدمع.
فاتقوا الله عز وجل معاشر المؤمنين واعلموا أن الصادق الذي يريد المسجد الأقصى عليه أن يعمل, عليه أن يراجع حساباته مع ربه في عبادته وطاعته وقربه في نفقاته في إسرافه, في تعلقه بالدنيا, في تربيته لأبنائه إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ألا وصلوا وسلموا على إمام المجاهدين وسيد الخلق أجمعين نبينا محمد فإنه من صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا, ومن صلى الله عليه أخرجه من الظلمات إلى النور, اللهم صل وسلم وبارك وأنعم وأكرم على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله, وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأزواجه أمهات المؤمنين وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بفضلك ومنّك وكرمك يا أرحم الراحمين.
|