.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

قصة قارون

1418

سيرة وتاريخ

القصص

ناصر الزهراني

مكة المكرمة

الشيخ ابن باز

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تعريف بقارون. 2- مشهد الخيلاء والكبرياء. 3- أهل الخير والصلاح يقومون بالبلاغ. 4- تطاول قارون على الناصحين. 5- مهلك قارون. 6- دروس من قصة قارون.

الخطبة الأولى

فتح الله عليه أبواب النعيم، وسبل الرزق، وطرق الكسب، فعظمت أمواله، وكثرت كنوزه، وفاضت خزائنه، وأوتي بسطة في الرزق، ورخاء في العيش، وكثرة في المال؛ فعاش في ترف وبذخ، وكبرٍ وبطرٍ، وفخر وخيلاء. طغى وتجبّر، فسق وتمرّد، تطاول وتمادى، زاد نهمه، وكثر خدمه، وعظم حشمه، حتى ظن أن لن يقدر عليه أحد، عميت بصيرته، وعظم زهوه، وزاد غروره، واغتر به كثير من الناس، ورنت إليه بعض الأبصار، وتمنت مكانه فئام من البشرية. فلما بلغ الأمر مبلغه، والفتنة أشدّها، والتمادي منتهاه، حلت العقوبة، وكانت الفاجعة، ونزلت الكارثة، وعظمت العبرة.

فمن هو هذا الغني، ومن يكون ذلك الثري، وما هي قصته، وكيف كانت نهايته؟!!

استمع الآن إلى البيان المعجز، والخبر الصادق، والنبع الصافي، ليروي لك القصة، ويسرد لك الحكاية، ويُعلمك بالنهاية:

قال الله تعالى: إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة [القصص:76].

بدأت القصة بتحديد البطل؛ فبطل القصة: قارون، وحددت قومه من قوم موسى، ويقال ابن عم موسى عليه السلام، وقررت مسلكه مع قومه، فهو مسلك البغي، وقررت سبب ذلك البغي، وهو الثراء وكثرة الأموال.

فقارون موجود في زمن نبي من أنبياء الله وهو موسى عليه السلام، وهنا إشارة إلى أمرين مهمين:

الأمر الأول: أن قارون لم يستفد من وجود هذا النبي الكريم، ولم يتعظ بمواعظه، ولم يستجب لدعوته، ولم يتخلق بأخلاقه.

والأمر الثاني: الإشارة إلى أن قرابته لموسى، وصلته به، لم تغن عنه شيئاً من عذاب الله تعالى.

فبغى عليهم فلم يحدد نوع ذلك البغي، وهذه إشارة على عظمته وشناعته وتنوعه. بغى عليهم بالكبر، بغي عليهم باغتصاب أموالهم، بغى عليهم بمنعهم حقوقهم في هذا المال، بغى عليهم بالظلم بغى عليهم بكل ما تحمله كلمة البغي من معانٍ.

وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، آتيناه فالرزق من عندنا، والمال من لدنا، وليس بمهارة قارون، ولا بعلمه، ولا بأفضليته، فالأرزاق بيد الله، وهو الذي يقسم أرزاقه على عباده، وليس في إعطائه للعبد دلالة على رضاه عنه، وليس في منعه عن العبد دلالة على سخطه عليه، بل قد يكون الأمر على العكس من ذلك.

هو الرزق لا حل لـديك ولا ربط         ولا قلم يجـدي عليـك ولا خط

فطير يطوف الأرض شرقاً ومغرباً        وآخر يعطى الطيبات ولا يخطو

يقال: إن مفاتيح خزائن قارون إذا انتقل من مكان إلى مكان كانت تحمل على ستين بغلاً أغرّ محجلاً.

هذا هو المشهد الأول من مشاهد القصة، رجل من قوم موسى وصل إلى قمة الثراء، بغى على قومه.

المشهد الثاني: مشهد أهل الخير الصلاح، والنصح والإرشاد، والعلم والهدى، قاموا بمسؤولية البلاغ، وواجب النصيحة، فحينما رأوا قارون تمادى في طغيانه، وزاد في بغيه، مع غرور واستئثار، وبطر واستكبار، حاولوا أن يثيروا فيه روح الخير، وينبهوه من غفلته، فنصحوه أن لا يغويه المال، ولا يغره الثراء، فيحول بينه وبين الإحسان إلى قومه، والمراقبة لربه، والأخذ من الدنيا بنصيب، ومن الآخرة بنصيب فإن لله حقاً، وللناس حقاً، وللنفس حقاً، وللزوجة حقاً، فيجب أن يعطى كل ذي حق حقه. ونهوه عن الفرح الذي يدفع إلى الزهو والغرور، وبينوا له أن الله تعالى يمقت الفساد والمفسدين، وأن هذا المال ظلّ زائل ووديعة مستردة، فلا يفرح ولا يغتر، بل يجب أن يتخذه وسيلة لقضاء مآربه في الدنيا، وطريقاً لسعادته في الآخرة. وقد أوجز القرآن لك الموعظة البليغة التي وعظ بها قارون، فقال تعالى: إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين [القصص:77].

فماذا كانت ثمرة الموعظة ونتيجة النصيحة؟ أجابهم بجملة واحدة ولكنها تحمل شتى معاني الفساد والإفساد، جملة تحمل في طياتها الكبر والبغي والطغيان قال إنما أوتيته على علم عندي.

أوتيته بعلمي، بمهارتي، بقدراتي، بأفضليتي واستحقاقي لهذا المال، فكان متطاولاً في كلامه، جافياً في رده، جريئاً في مقولته؛ مقولة المغرور المطموس الذي نسي مصدر النعمة، وتنكر لصاحب الفضل، وكفر بمن يستحق الشكر.

ولذلك جاء التهديد والإشارة بالوعيد، والرد على مقولته الفاجرة، جاء ذلك قبل تمام الآية، ونهاية القصة، فقال تعالى: أولم يعلم أن الله أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون [القصص:78].

كانت المشاهد الأولى تحكي البغي والتطاول، والإعراض عن النصح، والتعالي عن العظة، والإصرار على الفساد، والاغترار بالمال، والبطر الذي يقعد بالنفس عن الشكران.

ثم يجيء بعد ذلك مشهد من مشاهد القصة، وهو المشهد الذي يخرج فيه قارون على قومه في زينته، وكأنه بذلك يكيد للذين نصحوه ويستخف بمشاعرهم، ويبالغ في إيلامهم، فيخرج في منتهى الزينة، وغاية الكبر، ونهاية الغرور، فتطير لذلك قلوب فريق من القوم، وتتهاوى أنفسهم لمثل ما أوتي قارون، ويرون أنه صاحب حظ عظيم، وخير عميم، وذلك لأنهم أصحاب نظرية مادية، وأفكار دنيوية.

فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم [القصص:79]. وهنا يتدخل أهل العلم والحكمة مرة أخرى، ويتأنقون في النصيحة، ويجتهدون في الموعظة، قال تعالى: وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون [القصص:80].

فذكّروهم بالرجاء فيما عند الله، والاعتزاز بثوابه، والفرح بعبادته، فجيب أن يكونوا أعلى نفساً، وأكبر قلباً، ولا يلقاها إلا الصابرون الصابرون على معايير الناس ومقاييسهم، الصابرون على فتنة الحياة وإغرائها، الصابرون على الفقر ومعاناته، الصابرون على شظف العيش ومقاساته، الصابرون على الحرمان من كثير من متع الدنيا، لأنهم علموا أن الصابرين يوفّون أجورهم بغير حساب.

ثم يجيء المشهد المرعب في القصة، مشهد الخاتمة المشينة، والمصرع الوخيم، والانتقام العظيم فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين [القصص:81].

هكذا كانت النهاية بعد أن عظمت الفتنة، واشتدت المحنة. هذه نتيجة الكبر والبطر والغرور والخيلاء، والجحود والإصرار، والتألي على عباد الله، ابتلعته الأرض، وساخت فيها أمواله وقصوره.

يقول : ((بينا رجل فيمن كان قبلكم خرج في بردين أخضرين يختال فيهما، أمر الله فأخذته، فإنه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة)) [رواه أحمد].

وبعد هذه النهاية الخاسرة، أصبح الذين تمنوا مكان قارون يحمدون الله أن منَّ عليهم ونجاهم من الخسف، قال تعالى: وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون [القصص:82].

ثم تختم القصة بهذا المقطع الجميل الذي يؤكد أن الفوز والفلاح هو في الدار الآخرة وأن الله تعالى يجعل جناتها ونعيمها، وأنسها وسرورها وأنهارها وحورها، لأهل الإيمان والتواضع والتقوى والإحسان، والبعد عن الفساد، قال سبحانه: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين [القصص:83].

بعض الدروس المستفادة من القصة:

1-   أن نسب الإنسان وحسبه لا يغني عنه من الله شيئاً.

2-   أن الرزق هو من عند الله تعالى فهو مقدر الأقدار، ومقسم الأرزاق.

أما ترى البحر والصياد منتصبٌ     لرزقـه ونجـوم الليـل محتبكـه

قد غاص في لُجة والموج يلطمه          وعينه لـم تزل فـي كلكل الشبكة

حتى إذا بات مسـروراً بليلتـه         بالحوت قد شق سفّود الردى حنكه

شراه منه الذي قـد بات ليلتـه          خِلْواً من البرد في خير من البركه

سبحان ربي يعطي ذا ويحرم ذا         هـذا يصـيد وهذا يأكـل السمكه

3-   عدم الفرح بالدنيا، فرح زهو وكبر وغرور، فإن هذه هي المهلكة الكبرى، والداهية العظمى، فالكبر والغرور عاقبتها وخيمة.

يقول أحد المتكبرين:

أتيه على جن البلاد وإنسـها                فلو لم أجـد خلقاً لتهت على نفسـي

أتيه فما أدري من التيه من أنا          سوى ما يقول الناس فيّ وفي جنسي

4-   مقياس السعادة والسرور في الدنيا هو بطاعة الله تعالى والإحسان إلى عباده، وليست السعادة ولا الريادة بكثرة الغنى.

5-   أن الإسلام يدعو إلى إعمار الأرض والسير في مناكبها، والأخذ بنصيب من الدنيا، ولكن يجعل ذلك كله طريقاً إلى الدار الآخرة، ويحسن الإنسان كما أحسن الله إليه.

6-   أن الفساد وأهله ممقوتون بعيدون من محبة الله. فويل لمن سخّروا أموالهم لإفساد عباد الله، أين يذهب أصحاب الأموال الطائلة من ربهم، وقد سخروا أموالهم في إفساد الناس، ونشر الفاحشة، والدعوة إلى الرذيلة؟!

7-   يجب على أهل العلم والخير أن يقوموا بمسؤولية الدعوة وواجب النصيحة.

8-   أن الصبر سبب للخير والفلاح، والتوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة.

9-   أن العاقبة للمتقين، والفوز للصالحين، والآخرة للمؤمنين المجتهدين المتواضعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً